الزبداني قرية كبيرة تبعد عن دمشق
نحو سبع ساعات, و هي قصبة قضاء باسمها نظم سنة 1899, و فيها مقر قائم المقام و قصر
الحكومة , تعلو عن سطح البحر نحو 1200 متر, و فيها 3000 ساكن, وفي أواخر سنة 1909
م مدَّ السلك التلغرافي من دمشق اليها و إلى بلودان مقر الحكومة الصيفي , وفيها
موقف للقطار بين زحلة و دمشق , ذكر المؤرخون قديماً أنها من وادي نهر بردى ,
ولعلهم قالوا ذلك لأن مخرج نهر بردى بقربها. و ذكرت في بعض المخطوطات القديمة باسم
مدينة يوحنا. و اشتهرت بخصبها , لأن معظم الفواكه اللذيذة كالتفاح و السفرجل و
العنب من حاصلاتها, و فيها تنبت جميع أشجار الفواكه و أنواع الحبوب , و قد اعتنى
سكانها بغرس التوت الذي يستنتج من ريعه نحو أربعة آلاف أقة من الفيالج (الشرانق)
في كل سنة, و فيها معمل لحل الحرير .
و قد امتازت به وجود ينابيع معدنية
حديدية غير جارية, فلو اعتني باستنباطها لاستفادت البلاد منها.
و منسوجاتها فاخرة ولا سيما
العباءات و المقارم (الشراشف) وغيرها.
و لكثرة خصبها كان الملوك يعطونها
إقطاعا لخاصتهم ولا سيما الأيوبيون.
و من أمثال المولدين (( من عاشر
الزبداني فاحت روائجه )) و ذلك كناية عن كثرة فواكهها العطرة.
و كانت فيها منذ القديم ولاسيما في
عهد الصليبيين و بعدهم مواقف لبدلات الطريق بين بيروت و دمشق و أبراج الحمام
الزاجل اللذي كان تلغرافهم آنذاك ينقلون بواسطته الأخبار.
و مر بها الرحالة ابن بطوطة في
القرن الثالث عشر وصفها بكثرة الفواكه , وكانت في عهده مبيتاً للذاهبين إلى دمشق
من بعلبك و ضواحيها. و وصفا أبو الفداء في تأريخه أنها مدينة بلا أسوار. و ذكر
خليل بن شاهين الظاهري أنها شبه مدينة , و أن في إقليمها نيفاً و خمسين قرية و
يتبعها الآن ثمان و عشرون قرية فقط.
ونبغ فيها الكثير من العلماء مثل
العدل الزبداني الذي كان من خاصة صلاح الدين الأيوبي, ولكنه لم يكن محموداً في
طريقته , و الشيخ ابراهيم بن محمد المعروف بابن الأحدب الزبداني الفرضي المشهور
المتوفي أوائل القرن الحادي عشر للهجرة, و كانت اسرته ((بنو الأحدب)) من مشاهير
تلك الجهة . و من متأخريها بني التل الذين كانت لهم كلمة نافذة عند الأمراء
الحرفوشيين حكام بعلبك. و أشهر عباس التل اللذي حكم الزبداني و ضواحيها في القرن
الثامن عشر للميلاد. و على الجملة فإن الزبداني واقعة في سفح الجبل مرتفعة عن
الحدائق الغناء التي تحيط بها و تملئ بطاحها الواسعة, و هواؤها جيد و ماؤها لذيذ,
و فوقها إلى الشمال على سند الجبل الأعلى الذي يعلو البحر نحو سبعة آلاف و
أربعمائة قدم قرية بلودان و هي مشهورة بقدمها و فيها آثار دير فخيم و أبنية قديمة
تنتقل اليها في الصيف حكومة الزبداني, ويقصدها المصطافون من جهات مختلفة ولاسيما
الدمشقيون.
عيسى اسكندر المعلوف
تعليقات
إرسال تعليق