التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مقدمة المؤرخ " د. كمال المويل "

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
جاء في كتاب (دليل المصايف السورية) الصادر عام (1936م) ما يلي: الزبداني: جنة الله في السماء فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وجنة الله في الأرض مصايف الزبداني، وإقليم الزبداني جنة فيحاء وارفة الظلال وافرة الغلال، ذائعة الصيت في مناظرها الأنيقة ومشاهدها الفاتنة الساحرة، وهي
تحتوي على أشهر المصايف المستوفية شرائطها في بلدان الشرق أجمع، وعلى رأس هذا الإقليم قائم مقامية مركزها قصبة الزبداني، ويمر فيها خط دمشق بيروت لشركة شام حماة وتمديداتها لمسافة (15) كيلومترا من أرضها، ولها طريق مُعبَّدة تدلف على سطحها السيارات وتجتازها في أقل من ساعة، وهي تقع في الكيلومتر (46) من العاصمة الشامية بين الجبال، ولها طريقان: الأول من دمشق إلى ميسلون والثاني من دمشق إلى جديدة فسوق وادي بردى، ويتألف هذا الإقليم من سهول الزبداني الخصبة ومن القرى المبنية على سفح الأنتيليبانوس، وهي تشكل بمجموعها فردوسا منقطع النظير لما احتضنته من الينابيع الزاخرة الغزيرة بمياهها المتفجرة، التي تشق السهول والحزون فتروي الظمأ والأصداء وتبعث القوى الحيوية في أعصاب الأرضين فتنفضها خلقا جديدا وتجلوها طهورا صعيدا.
ويحيط بهذا القضاء سور متأجج العبير من أشجار الحور الباسقة والجوز المخيم بسرادقه الكثيف متكأكئا على أطرافه، يريك على شاشته في ساعة البكور وحين الأصيل منظرا رائعا من أبدع مناظر الطبيعة السافرة عن محياها الوسيم تأسر الألباب وتفتك بالناظرين، وناهيك بالرياض المتألقة بكواكب ثمراتها الشهية والبساتين المتناثرة بين جنباتها، تصدر أهم الحاصلات من التفاح والسفرجل والمشمش والخوخ والعنب والتين واللوز والجوز وسائر أنواع الفاكهة اللذيذة الناضجة، وأشهر ما اختصت به من هذه الأشكال الناتجة في تربتها الفتية النضرة هو التفاح العطري الرائحة والسُكّري الطعم، وهي تصدر فواكهها إلى كافة الحواضر السورية ولبنان وفلسطين ومصر بأثمان زهيدة.
ومناخ هذا الإقليم على غاية ممتازة من الطيبة والجفاف، فهواؤه نقي ونسماته الذكية صحية وليس ثمة أمراض سارية على الإطلاق، وهو يتمشى في طبيعته على قدم الفصول الأربعة: فالطقس الجوي يعتدل في الربيع والخريف وتهب النسائم اللطيفة العليلة في الصيف، وهي معتدلة بالنسبة لدمشق، وفي الشتاء يكثر القر والبرد وتهطل الأمطار والثلوج فيبلغ أحيانا علوها عن الأرض السهلية حوالي المتر، وهذا ما دعا فتيان الشاغوري من شعراء القرن السابع الهجري لأن يقول في وصف ذلك:
قد أجمد الخمرَ كانونُ بقدح * وأضرم النارَ في الكانون حين قدح
يا جنة الزبداني أنت مشرقة * بوجهك إذا ما وجه الزمان كلح
الجو يحلجه والأرض تنسجه * والريح يندفه والقوس قوس قزح.
وجاء في كتاب (دليل الجمهورية العربية السورية) الصادر عام (1940م) عن جريدتي الأخبار والنظام بدمشق تحت عنوان المصايف الشامية ما يلي: إقليم الزبداني: فردوس النعيم في هذه الدنيا، والجنة الفتانة الوارفة الظلال، والوافرة الغلال، والذائعة الصيت في الأناقة والجمال، والمحاسن الفاتنة الطبيعية، وموطن الفن والشعر والخيال، مصايف الزبداني، التي توفرت فيها شرائط الاصطياف وامتازت على سائر المصايف في بلاد الشرق. والزبداني مركز قائم مقامية يخترقها خط دمشق بيروت لمسافة (15) كيلومترا من أرضها، وطرقاتها معبدة تجتازها السيارات، وهي في الكيلومتر (46) من دمشق، تحتضن في صدره الينابيع الزاخرة الغزيرة بأمواجها المتفجرة تخترق السهول، وناهيك برياض هذا الإقليم الرائعة وجناتها المتألقة، وهي تصدِّر التفاح السكري والسفرجل الشهي، وتتوهج في أرجائها الكهرباء، يمتاز مناخها أنه على غاية من الطيبة والجفاف، فهواؤها نقي ونسماتها صحية وفصولها معتدلة، وفيها على ما قيل مدفن هابيل بن آدم، ولذلك اعتقد الكثيرون أنها جنة عدن ومهبط آدم أبي البشر.
وجاء في إحدى النشرات الصادرة عن وزارة السياحة لعام (2010م) بعنوان (الطريق إلى الزبداني): وإلى الغرب نسير من دمشق إلى منطقة المصايف التي تبدأ بالربوة حيث المقاهي والمطاعم والمنتزهات، ثم إلى دمرحيث نهضت ضاحية حديثة، ونعود إلى طريق دمشق بيروت مرورا بقدسيا، وهي بلدة في وادي بردى، تشرف على وادي بردى من الغرب، كما تقع إلى الشمال الغربي من مدينة دمشق على بعد 13كم. وبعدها نتابع المسير في طريق بيروت الرئيسي حتى نصل إلى ميسلون، وهي مزرعة تتبع لناحيةالديماس، وتسميتها آرامية قديمة، عُرفت عند الفتح العربي الإسلامي باسم عين الشهداء لأن جماعة من الفاتحين قد استشهدوا فيها عند فتح مدينة دمشق، ثم ذاعت شهرتها وتغنى بها الشعراء بسببالمعركة التي جرت على أرضها، وذلك عندما علمت دمشق بأنباء تقدم الجيوش الفرنسية من دون مقاومة لتسريح الجيش السوري، فثار الشعب واضطرب مع حكومته، عندها سارع وزير الحربية آنذاك، يوسف العظمةإلى تجهيز من بقي من قوات الدفاع،فتوقفت عمليات التسريح وأذاع الملك فيصل بياناً دعا فيه الشعب لصد الغزاة حتى جمع فيها قرابة ثلاثة آلاف متطوع، وفي صباح السبت 24 تموز من عام 1920م التقى الفريقان المتحاربان على أرض ميسلون، وخلال ساعات حصدت المدافع والطائرات الفرنسية الجنود والمجاهدين السوريين، وسقط يوسف العظمة شهيدا في ساح المعركة. دفن يوسف العظمة مكان استشهاده، ولا يزال ضريحه إلى الآن. وفي بداية سهل الديماس الذي يقودنا إلى ميسلون قد ننعطف شمالا إلى سوق وادي بردى، وهو قرية في وادي بردى، تقع على السفح الشمالي لجبل النبي هابيل وعلى الضفة اليمنى لنهر بردى عند مخرجه من أول خانق يجتازه النهر بعد سهل الزبداني، وقبل أن نصل في وادي بردى إلى عين الفيجة لابد لنا من زيارة بَرهْليّا، وهي قرية في وادي بردى، تتبع مدينة الزبداني، محافظة ريف دمشق، وتقع على يسار نهر بردى، شرقي جبل النبي هابيل، تبعد 19كم جنوب مدينة الزبداني، ويعتقد أنها كانت جزءاً من مملكة آرام دمشق، تعاقبت عليهاآثار العصور اليونانية والرومانية والعربية الإسلامية ويدل على ذلك بقايا أعمدة في شمالها من معبد شهير بعض آثاره في متحف دمشق. ثم نصل إلى عين الفيجة، وهي بلدة ومركز ناحية، في وادي بردى، تسميتها يونانية الأصل، تقع على ضفتي نهر بردى، وهي إلى الغرب من مدينة دمشق 24كم، تشرب من شبكة نظامية تستمد مياهها مننبع الفيجة، والذي يمد مدينة دمشق بمياهه العذبة، وفي البلدة عدد آخر من الينابيع التي تتأثر بانخفاض وارتفاع مياه نبع الفيجة أهمها عين حاروش، وعين دورة، وعين الزويات، وعين السادات، وترتبط بمدينة دمشق بطريق مزفتة، وبخط السكة الحديدية: دمشق الزبداني. تتبعها مباشرة مزرعة عين الخضراء، وعين الفيجة نبع فوكلوزي في وادي بردى، تتفجر مياهه من جبل القلعة عند منسوب 820م، ويرفد جزء منه نهر بردى، ويستفيد منه سكان عين الفيجة في الشرب والسقي والاصطياف، حيث أقيمت على أطرافه المقاهي التي يؤمها المصطافون، وجُر الجزء الأكبر من مياهه إلى مدينة دمشق عبر نفق بطول 18كم وبإدارة مؤسسة مياه عين الفيجة التي عملت على تطوير المشروع بإنشاءخزانات وأنفاق وخطوط توزيع جديدة لسد حاجة سكان العاصمة دمشق. يبلغ وسطي غزارته 8م3 في الثانية. وفي التكية يلتقي الطريق القادم من دمشق عبر ميسلون مع طريق الوادي، والتكية مزرعة في وادي بردى، تتبع قرية سوق وادي بردى، وتقع على الضفة اليسرى لنهر بردى جنوب سهل الزبداني، إعمارها قديم يعود إلى العصر الروماني، حيث بناها الإمبراطور زاكيوس عام 249م وأطلق عليها وعلى سوق وادي بردى اسم زاكية تكريما للإمبراطور، وقضت عليها الحروب المتوالية وهدم السور الذي كان فيها وصار اسمها التكية في عصر الملك الأشرف خليل بن قلاوون في عام 1293م. تتمتع بموقع جميل يجذب إليه المتنزهون بعد أن انتشرت فيها المقاهي والمقاصف على ضفاف نهر بردى، أهم ما يميزها معمل الكهرباء الذي أُنشئ عام 1906م بالاستفادة من الشلال الناجم عن الحت التراجعي لنهر بردى، ثم استعيض عنه بمعمل آخر في سوق وادي بردى عام 1957م، وتقع عند ملتقى الطريقين القادمتين من دمشق إلى الزبداني، وتبعد عن مدينة الزبداني 13كم باتجاه الجنوب. ونسير في طريق بيروت، بعد التكية وحتى نصل إلى مفرق سهل الزبدانيحيث نسير في طريق مستقيم موازٍ لمجرى نهر بردى المليء بالمطاعم والمنتزهات، مروراً بمصايف مضايا وبقين، وفيها نبع عذب عبئت مياهه الغازية حاملة اسم بقين. ثم نصل إلى مصيف الزبداني، والزبداني مدينة في جبال لبنان الشرقية، تقع فوق مرتفع من الأرض في الطرف الشمالي لسهل الزبداني على جانبي نهر قليل الغزارة ينحدر إليها من الشمال، تبعد عن مدينة دمشق 47كم باتجاه الشمال الغربي، يعمل سكانها بزراعة أشجار التفاح والدراق وغيرهما من الأشجار المثمرة إضافة إلى استثمار الاصطياف والتنزه اللذين يحققان دخلاً جيدا لفئة كبيرة من السكان، وفيها محطة للأرصاد الجوية وبرادات لحفظ جزء من الإنتاج الوافر من التفاح، تشرب من شبكة تستمد المياه من أحد الينابيع المحلية، إضافة إلى مياه الآبار الارتوازية. ومن بقين أو الزبداني نصل إلى مصيف بلودان المرتفع،وبلودان قرية اصطياف رئيسية في القطر، تقع على السفوح الغربية للجبل الشرقي المطل على سهل الزبداني من ارتفاع يزيدعلى 2000م، على بعد 6كم إلى الشرق من بلدة الزبداني، وهي قرية قديمة عُثر فيها على آثار دير قديم باسم القديس جرجس وقد جدد بناؤه حيث تحول إلى كنيسة. ووجدت آثار في منطقة الكِبْري إلى الجنوب من القرية، عُثر فيها على لوحات ونقوش أثرية تعود إلى العصر الروماني، كما عثر على آثار في جبل يونان شمال القرية، وتروى الأراضي من الينابيع الموجودة في القرية وحولها: نبع أبو زاد، نبع بلودان، نبع عين حزير، عين البيضاء، عين الدولة. وتشرب القرية من شبكة نظامية تغذيها مياه الينابيع المنوه عنها. وقد استجرت مياه نبع بردى من سرغايا، وتتحول هذه القرية إلى مدينة صيفا فهي تحوي عدة مقاصف ومنتزهات وفنادق أشهرها فندق بلودان الكبير ومقاصف عين أبو زاد، تتصل بالقرى المجاورة بطرق مزفتة، كما تتصل بدمشق بطريق مزفتة طولها 50كم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزبداني في العهد العثماني "1"

استولى العثمانيون على بلاد الشام بقيادة السلطان سليم الأول عام (1516م) الموافق (922هـ) بعد معركة مرج دابق شمال حلب، وأتبعت الزبداني وأعمالها إلى والي دمشق.