وفي سنة (590هـ) الموافق (1194م) بنى (العدل الزبداني) الجامع الكبير، وهو أقدم الجوامع المعروفة الآن في الزبداني، وذلك على أنقاض كنيسة قديمة كانت مبنيا أساسا على أنقاض معبد وثني آرامي، وقد بقي هذا الجامع قائما حتى سنة (1324هـ) الموافق (1906م) حيث أعيد بناؤه وترميمه وبقيت مئذنته على البناء القديم، وبنى العدل الزبداني أيضا في نفس الفترة مدرسة للعلوم الشرعية مقابل الجامع لجهة الغرب وعلى
الضفة الأخرى من النهر واسمها كما في كتب التاريخ هو مدرسة الزبداني (البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي)، والوافي في الوفيات للصفدي، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي، وقد ذكر لي أحد أصدقائي أن اسمها مدرسة الملك العادل وهو شقيق صلاح الدين الأيوبي حيث وجد هذا الاسم على الحجر الذي نقش عليه تشييد المدرسة والذي تم العثور عليه وتسلمته البلدية في عام (2005م)، ثم أوقف هذه المدرسة وجاء لها بعالم أديب من دمشق كي يدرِّس فيها وهو شهاب الدين فتيان بن علي الأسدي الشاغوري.
(والعدل الزبداني) هو نجيب الدين عبد الله بن حيدرة، وهو من الزبداني، ونُسب إليها لأنه كان يعمل في دمشق، وكان من كتبة الديوان عند صلاح الدين الأيوبي، وكانت علاقته بصلاح الدين علاقة قديمة كعلاقة الصاحب والأخ، ذكر ذلك المؤرخ خليل بن أيبك الصفدي في كتابه (الوافي في الوفيات) كما ذكره ابن عماد الحنبلي في (شذرات الذهب) وابن كثير في (البداية والنهاية)، وكان المراسل الخاص لصلاح الدين بينه وبين الإفرنج، وكان له دور في التفاوض وإتمام الصلح مع ريتشارد قلب الأسد، والذي يظهر أنّ صلاح الدين ثم ابنه قد عيَّنه حاكما على الزبداني، ولما مات دُفن بالجوار من المدرسة وأصبح مزارا للقادمين إلى الزبداني ويُسمى قبر العدل السلمي كما ذكر ذلك النابلسي في رحلته الثانية إلى الزبداني، وقد خربت هذه المدرسة في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ويذكر والدي (أحمد يوسف المويل تولد 1917م) أنّ موقع المدرسة هو مقابل الجامع الكبير على الضفة الأخرى من النهر، وأنه منذ طفولته في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين والناس يقولون عن ذلك المكان خربة سلطان العدل، حيث كان يرى هناك أنقاض وبقايا أحجار كبيرة، وأنه كان فيها قبر مندرس أو أكثر، وأنه فيما بعد أقدم الأهالي مع الأوقاف على تسوية المكان وبنوا دكاكين بعضها تابع للأوقاف وذلك سنة (1941م).
وأحد هذه الأحجار هو الحجر الذي نُقش عليه اسم المدرسة قد استعمله بعض الأهالي لبناء أساس جدار دكان خلفيتها للنهر بالقرب من دورة مياه الجامع الكبير، وقد ذكر الأستاذ خالد دهمان هذا الحجر عام (1956م) في كتابه (الزبداني دراسة إقليمية) فقال: ((ومن المؤسف أنّ هذه المدرسة هُدمت وحُوِّلت إلى عقارات شأن الجماعات الجاهلة، وقد أخذ الحجر الذي عليه تاريخ هذه المدرسة فوضع في بناء على مقربة من مساقط بيوت خلاء مسجدها الكبير، ورغم المحاولات التي بذلت لإنقاذ هذه الوثيقة التاريخية فلا يزال هذا التاريخ في مكان يرمز إلى جهل تلك البلدة وجهل قوام مقامها وعدم اكتراثهم بتراث الأجداد والأمور الثقافية))، كما ذكر الأستاذ أحمد وصفي زكريا هذا الحجر فقال: ((وذكر لنا أن من آثار الزبداني مدفن يسمى سلطان العدل بني محله دكاكين لوقف الجامع الكبير، وكان هناك حجر عليه تأريخ بالخط الكوفي نقلته لجنة الأوقاف من محله ووضعته في أحد جدران الوقف المذكور، ويتمنى العارفون لو وجد من يقرأ هذا التاريخ لمعرفة اسم صاحب المدفن وسنة وفاته)). قلت: ومنذ سنتين (2005م) انهار ذلك الجدار فظهر الحجر الذي نُقش عليه اسم المدرسة، وقد تسلمته البلدية من صاحب الدكان، وقد ذكر لي أحد أصدقائي أن خبيرا في الآثار استطاع قراءة كلمات على هذا الحجر وهي مدرسة الملك العادل، وهذا يدل على اسم تلك المدرسة علما أن الملك العادل هو أبو بكر بن أيوب شقيق صلاح الدين يوسف بن أيوب وكان نائبا لصلاح الدين على حلب ثم أصبح سلطانا لدمشق والقاهرة وفي عهده بنيت المدرسة في الزبداني وسميت باسمه، والذي بنى المدرسة هو العدل الزبداني كما سيأتي والذي كان نائبا للسلطان في المنطقة ودفن فيها كما هي عادة تلك الأيام، مع العلم أن الملك العادل شقيق صلاح الدين دفن في المدرسة العادلية الكبيرة في دمشق.
(ومدرسة الزبداني) بناها العدل الزبداني سنة (590هـ)، وكانت من مدارس الشافعية، درس بها وتخرج منها العديد من العلماء، وكان من أحفاد العدل فتح الدين محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن حيدرة محتسبا لمدينة دمشق وتوفي سنة (656هـ)، وتولى بعده حسبة دمشق أخوه ناصر الدين، ولفتح الدين ولد فقيه اسمه يحيى هو شيخ الإمام الذهبي، وكان يدرِّس في مدرسة جده في الزبداني، ومن مدرسي المدرسة لمدة طويلة الشاعر فتيان بن علي الأسدي الشاغوري (وفيات سنة 615هـ)، وكذلك القاضي عبد الرحمن التكريتي الحاكم بالكرك وقد ذكره ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية) في وفيات سنة (634هـ) وذكر أنه مدرِّس مدرسة الزبداني. وآخر من جاء من دمشق للتدريس في هذه المدرسة هو الشيخ إبراهيم الغزي (تولد 1872م) بتكليف من الأوقاف في دمشق، وقد كان شابا يومها وذلك في أواخر القرن التاسع عشر (1899م)، ولما تخربت المدرسة تحوَّل إلى الجامع الكبير فعمل مدرسا كما عمل مدرسا في قرى الزبداني كل يوم في قرية، وتزوج من آل عيسى (درويش عبد الحق) في الزبداني واستوطن فيها، وتوفي الشيخ إبراهيم الغزي سنة (1951م).
وذكر هذه المدرسة المؤرخ محمد كرد علي في كتابه (خطط الشام) في سياق الكلام على المدارس في الشام فقال: ((ومن مدارس الشام (الزبدانية) لواقفها محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن حيدرة (656)، درّس فيها في سنة (698) ابن العدل: محي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد، وهي مدرسة جده)) (خطط الشام ج6). قلت: واقف المدرسة هو عبد الله بن حيدرة وليس حفيده محمد بن عبد الصمد، وأما يحيى فكان يدرّس في مدرسة والد جده وليس جده المباشر وهو عبد الصمد.
وقد قال الشاعر فتيان بن علي الأسدي الشاغوري (530 ــ 615هـ) في وصف وادي بردى والزبداني والقرى التابعة لها:
إذا جزتما بالعيس دورة أبل * فداست بأيديها تراب المزابل
أعيرا يسار الركب لفتة ناظر * إلى بردى والروض ذات الخمائل
هنالكما نهر يُرى النيل عنده * إذا فاض في مصر كبعض الجداول
يخال به النيلوفر الغض أنجما * سمت في سماء الماء غير أوافل
كأن طيور الماء فيه عرائس * جلين على شاطئيه خضر الغلائل
إذا كرعت فيه تيقنت أنها * تزق فراخا وهي زغب الحواصل
وكم سمك فيه عليه جواشن * من التبر صيغت وهو بادي المقاتل
جريح بأطراف الصفا فخريره * أنين له من مس تلك الجنادل
إذا قابل النهر الدجى بنجومه * أرانا بقعر الماء ضوء المشاعل
يغلغل في الوادي فوافى كفية * منعمة حسناء ليست بعاطل
فعانقها حتى انثنت مشمعلة * تقك على ظهر الصفا بطن حامل
فأولد عين الفيجة الأنهر التي * دمشق بها من أبحر وسواحل
ألا إن في الوادي ظباء جفونها * بها كحل أزرى بما في المكاحل
وبالبقعة الفيحاء عوّجا فإنها * تهيج لرائيها رسيس البلابل
وبالسفح من أعلى سنير منازل * نعمت بها واها لها من منازل
مضت بمضايا لي ليال حميدة *جنيت الرضى منها بإسخاط عاذلي
لياليك يا بُقين بَقين في الحشا*هوى جاريا مجرى دمي في مفاصلي
وبالزبداني زبدة العيش جاءني * بها المحض من محض الضروع الحوافل
وما زال ربع الأنس من كفر عامر * يرى عامر الأرجاء عذب المناهل
وكم فزت بالكبري من كبرى المنى * من الزمان وصغراها بتلك المحافل
وفي عين حور حورٌ عين فواتك مي * اللحاظ فصاح اللفظ خرس الخلاخل
وبالدلة الحسن البديع مخيم * له أثر فيها قوي الدلائل
ودير قبيس جنة أيّ جنة * مشاربها مشفوفة بالمآكل
وزورا بلودان المنيفة تظفرا * بعيش هنيء ربعه غير ماحل
أحنُّ إلى أفياء أشجار دُمَّر * وأصبوا إلى الظل الظليل بآبل
ويا حبذا تلك الجديدة التي * مرابعها معمورة بالمناهل
مرابع قد ألقى الربيع جرانه * بها مُقسما أن ليس عنها براحل
فهذا الشاعر كان عالما بالدين وفقيها شافعيا وأديبا، وعاش مدة من الزمن في الزبداني حيث كان مدرسا في مدرسة الزبداني التي أنشئت في أواخر القرن السادس الهجري، وقد وصف في هذه القصيدة الزبداني مع مجموعة من القرى المحيطة بها و التابعة لها وصفا يدل على عمران الزبداني وقراها في تلك المدة وهي حوالي عام (1200م)، فذكر في قصيدته: (أبل) وهي سوق وادي بردى، (عين الفيجة) من قرى وادي بردى وبها عين كبيرة تشكل الشطر الثاني من نهر بردى، (سنير) وهو الجبل الشرقي في الزبداني حيث بنيت مضايا وبقين وبلودان في سفوحه، كما ذكر (مضايا وبقين وبلودان) وهذه القرى لا تزال عامرة إلى الآن وهي من مصايف الزبداني، وذكر (كفر عامر) وهي قرية مندثرة تقع في شمال الزبداني وبعض العائلات الزبدانية الآن أصولها من كفر عامر، وذكر (الكبري) وهي قرية مندثرة تقع شرق الزبداني وبعض العائلات الزبدانية الآن أصولها من الكبري، وذكر(عين حور) وهي قرية تقع شمال الزبداني وتبعد عنها (6كم) ولا تزال قائمة إلى الآن، وذكر (الدِّلة) وهي قرية مندثرة تقع شمال الزبداني، وذكر (دير قبيس) وهو دير النحاس الذي يقع إلى الشمال الشرقي من الزبداني وبه آثار معبد آرامي قديم، وذكر (آبل) وهو الاسم القديم لقرية سوق وادي بردى، وذكر (الجديدة) وهي من قرى وادي بردى، وذكر (دُمَّر) وهي من نواحي دمشق
الضفة الأخرى من النهر واسمها كما في كتب التاريخ هو مدرسة الزبداني (البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي)، والوافي في الوفيات للصفدي، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي، وقد ذكر لي أحد أصدقائي أن اسمها مدرسة الملك العادل وهو شقيق صلاح الدين الأيوبي حيث وجد هذا الاسم على الحجر الذي نقش عليه تشييد المدرسة والذي تم العثور عليه وتسلمته البلدية في عام (2005م)، ثم أوقف هذه المدرسة وجاء لها بعالم أديب من دمشق كي يدرِّس فيها وهو شهاب الدين فتيان بن علي الأسدي الشاغوري.
(والعدل الزبداني) هو نجيب الدين عبد الله بن حيدرة، وهو من الزبداني، ونُسب إليها لأنه كان يعمل في دمشق، وكان من كتبة الديوان عند صلاح الدين الأيوبي، وكانت علاقته بصلاح الدين علاقة قديمة كعلاقة الصاحب والأخ، ذكر ذلك المؤرخ خليل بن أيبك الصفدي في كتابه (الوافي في الوفيات) كما ذكره ابن عماد الحنبلي في (شذرات الذهب) وابن كثير في (البداية والنهاية)، وكان المراسل الخاص لصلاح الدين بينه وبين الإفرنج، وكان له دور في التفاوض وإتمام الصلح مع ريتشارد قلب الأسد، والذي يظهر أنّ صلاح الدين ثم ابنه قد عيَّنه حاكما على الزبداني، ولما مات دُفن بالجوار من المدرسة وأصبح مزارا للقادمين إلى الزبداني ويُسمى قبر العدل السلمي كما ذكر ذلك النابلسي في رحلته الثانية إلى الزبداني، وقد خربت هذه المدرسة في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ويذكر والدي (أحمد يوسف المويل تولد 1917م) أنّ موقع المدرسة هو مقابل الجامع الكبير على الضفة الأخرى من النهر، وأنه منذ طفولته في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين والناس يقولون عن ذلك المكان خربة سلطان العدل، حيث كان يرى هناك أنقاض وبقايا أحجار كبيرة، وأنه كان فيها قبر مندرس أو أكثر، وأنه فيما بعد أقدم الأهالي مع الأوقاف على تسوية المكان وبنوا دكاكين بعضها تابع للأوقاف وذلك سنة (1941م).
وأحد هذه الأحجار هو الحجر الذي نُقش عليه اسم المدرسة قد استعمله بعض الأهالي لبناء أساس جدار دكان خلفيتها للنهر بالقرب من دورة مياه الجامع الكبير، وقد ذكر الأستاذ خالد دهمان هذا الحجر عام (1956م) في كتابه (الزبداني دراسة إقليمية) فقال: ((ومن المؤسف أنّ هذه المدرسة هُدمت وحُوِّلت إلى عقارات شأن الجماعات الجاهلة، وقد أخذ الحجر الذي عليه تاريخ هذه المدرسة فوضع في بناء على مقربة من مساقط بيوت خلاء مسجدها الكبير، ورغم المحاولات التي بذلت لإنقاذ هذه الوثيقة التاريخية فلا يزال هذا التاريخ في مكان يرمز إلى جهل تلك البلدة وجهل قوام مقامها وعدم اكتراثهم بتراث الأجداد والأمور الثقافية))، كما ذكر الأستاذ أحمد وصفي زكريا هذا الحجر فقال: ((وذكر لنا أن من آثار الزبداني مدفن يسمى سلطان العدل بني محله دكاكين لوقف الجامع الكبير، وكان هناك حجر عليه تأريخ بالخط الكوفي نقلته لجنة الأوقاف من محله ووضعته في أحد جدران الوقف المذكور، ويتمنى العارفون لو وجد من يقرأ هذا التاريخ لمعرفة اسم صاحب المدفن وسنة وفاته)). قلت: ومنذ سنتين (2005م) انهار ذلك الجدار فظهر الحجر الذي نُقش عليه اسم المدرسة، وقد تسلمته البلدية من صاحب الدكان، وقد ذكر لي أحد أصدقائي أن خبيرا في الآثار استطاع قراءة كلمات على هذا الحجر وهي مدرسة الملك العادل، وهذا يدل على اسم تلك المدرسة علما أن الملك العادل هو أبو بكر بن أيوب شقيق صلاح الدين يوسف بن أيوب وكان نائبا لصلاح الدين على حلب ثم أصبح سلطانا لدمشق والقاهرة وفي عهده بنيت المدرسة في الزبداني وسميت باسمه، والذي بنى المدرسة هو العدل الزبداني كما سيأتي والذي كان نائبا للسلطان في المنطقة ودفن فيها كما هي عادة تلك الأيام، مع العلم أن الملك العادل شقيق صلاح الدين دفن في المدرسة العادلية الكبيرة في دمشق.
(ومدرسة الزبداني) بناها العدل الزبداني سنة (590هـ)، وكانت من مدارس الشافعية، درس بها وتخرج منها العديد من العلماء، وكان من أحفاد العدل فتح الدين محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن حيدرة محتسبا لمدينة دمشق وتوفي سنة (656هـ)، وتولى بعده حسبة دمشق أخوه ناصر الدين، ولفتح الدين ولد فقيه اسمه يحيى هو شيخ الإمام الذهبي، وكان يدرِّس في مدرسة جده في الزبداني، ومن مدرسي المدرسة لمدة طويلة الشاعر فتيان بن علي الأسدي الشاغوري (وفيات سنة 615هـ)، وكذلك القاضي عبد الرحمن التكريتي الحاكم بالكرك وقد ذكره ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية) في وفيات سنة (634هـ) وذكر أنه مدرِّس مدرسة الزبداني. وآخر من جاء من دمشق للتدريس في هذه المدرسة هو الشيخ إبراهيم الغزي (تولد 1872م) بتكليف من الأوقاف في دمشق، وقد كان شابا يومها وذلك في أواخر القرن التاسع عشر (1899م)، ولما تخربت المدرسة تحوَّل إلى الجامع الكبير فعمل مدرسا كما عمل مدرسا في قرى الزبداني كل يوم في قرية، وتزوج من آل عيسى (درويش عبد الحق) في الزبداني واستوطن فيها، وتوفي الشيخ إبراهيم الغزي سنة (1951م).
وذكر هذه المدرسة المؤرخ محمد كرد علي في كتابه (خطط الشام) في سياق الكلام على المدارس في الشام فقال: ((ومن مدارس الشام (الزبدانية) لواقفها محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن حيدرة (656)، درّس فيها في سنة (698) ابن العدل: محي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد، وهي مدرسة جده)) (خطط الشام ج6). قلت: واقف المدرسة هو عبد الله بن حيدرة وليس حفيده محمد بن عبد الصمد، وأما يحيى فكان يدرّس في مدرسة والد جده وليس جده المباشر وهو عبد الصمد.
وقد قال الشاعر فتيان بن علي الأسدي الشاغوري (530 ــ 615هـ) في وصف وادي بردى والزبداني والقرى التابعة لها:
إذا جزتما بالعيس دورة أبل * فداست بأيديها تراب المزابل
أعيرا يسار الركب لفتة ناظر * إلى بردى والروض ذات الخمائل
هنالكما نهر يُرى النيل عنده * إذا فاض في مصر كبعض الجداول
يخال به النيلوفر الغض أنجما * سمت في سماء الماء غير أوافل
كأن طيور الماء فيه عرائس * جلين على شاطئيه خضر الغلائل
إذا كرعت فيه تيقنت أنها * تزق فراخا وهي زغب الحواصل
وكم سمك فيه عليه جواشن * من التبر صيغت وهو بادي المقاتل
جريح بأطراف الصفا فخريره * أنين له من مس تلك الجنادل
إذا قابل النهر الدجى بنجومه * أرانا بقعر الماء ضوء المشاعل
يغلغل في الوادي فوافى كفية * منعمة حسناء ليست بعاطل
فعانقها حتى انثنت مشمعلة * تقك على ظهر الصفا بطن حامل
فأولد عين الفيجة الأنهر التي * دمشق بها من أبحر وسواحل
ألا إن في الوادي ظباء جفونها * بها كحل أزرى بما في المكاحل
وبالبقعة الفيحاء عوّجا فإنها * تهيج لرائيها رسيس البلابل
وبالسفح من أعلى سنير منازل * نعمت بها واها لها من منازل
مضت بمضايا لي ليال حميدة *جنيت الرضى منها بإسخاط عاذلي
لياليك يا بُقين بَقين في الحشا*هوى جاريا مجرى دمي في مفاصلي
وبالزبداني زبدة العيش جاءني * بها المحض من محض الضروع الحوافل
وما زال ربع الأنس من كفر عامر * يرى عامر الأرجاء عذب المناهل
وكم فزت بالكبري من كبرى المنى * من الزمان وصغراها بتلك المحافل
وفي عين حور حورٌ عين فواتك مي * اللحاظ فصاح اللفظ خرس الخلاخل
وبالدلة الحسن البديع مخيم * له أثر فيها قوي الدلائل
ودير قبيس جنة أيّ جنة * مشاربها مشفوفة بالمآكل
وزورا بلودان المنيفة تظفرا * بعيش هنيء ربعه غير ماحل
أحنُّ إلى أفياء أشجار دُمَّر * وأصبوا إلى الظل الظليل بآبل
ويا حبذا تلك الجديدة التي * مرابعها معمورة بالمناهل
مرابع قد ألقى الربيع جرانه * بها مُقسما أن ليس عنها براحل
فهذا الشاعر كان عالما بالدين وفقيها شافعيا وأديبا، وعاش مدة من الزمن في الزبداني حيث كان مدرسا في مدرسة الزبداني التي أنشئت في أواخر القرن السادس الهجري، وقد وصف في هذه القصيدة الزبداني مع مجموعة من القرى المحيطة بها و التابعة لها وصفا يدل على عمران الزبداني وقراها في تلك المدة وهي حوالي عام (1200م)، فذكر في قصيدته: (أبل) وهي سوق وادي بردى، (عين الفيجة) من قرى وادي بردى وبها عين كبيرة تشكل الشطر الثاني من نهر بردى، (سنير) وهو الجبل الشرقي في الزبداني حيث بنيت مضايا وبقين وبلودان في سفوحه، كما ذكر (مضايا وبقين وبلودان) وهذه القرى لا تزال عامرة إلى الآن وهي من مصايف الزبداني، وذكر (كفر عامر) وهي قرية مندثرة تقع في شمال الزبداني وبعض العائلات الزبدانية الآن أصولها من كفر عامر، وذكر (الكبري) وهي قرية مندثرة تقع شرق الزبداني وبعض العائلات الزبدانية الآن أصولها من الكبري، وذكر(عين حور) وهي قرية تقع شمال الزبداني وتبعد عنها (6كم) ولا تزال قائمة إلى الآن، وذكر (الدِّلة) وهي قرية مندثرة تقع شمال الزبداني، وذكر (دير قبيس) وهو دير النحاس الذي يقع إلى الشمال الشرقي من الزبداني وبه آثار معبد آرامي قديم، وذكر (آبل) وهو الاسم القديم لقرية سوق وادي بردى، وذكر (الجديدة) وهي من قرى وادي بردى، وذكر (دُمَّر) وهي من نواحي دمشق
تعليقات
إرسال تعليق