وفي سنة (1692م) الموافق (1104هـ) كتبت وثيقة وقف مقبرة آل عواد في الزبداني وفيها توصيف للمكان وسط الزبداني الآن والذي لا يزال مقبرة إلا أنها لم تستعمل منذ أكثر من مائة سنة،
وفيها ذكر لأسماء عدد من العائلات الزبدانية في ذلك الحين والتي لم يبق منها إلا القليل، تقول الوثيقة: ((وجه تحريره هو أنه يوم تاريخه أوقف السيد الشيخ عمر بن المرحوم السيد الشيخ علي بن السيد الشيخ عمر عواد الجودي في حال صحته وسلامته واختياره الاختيار الشرعي من غير إكراه ولا إجبار وجواز أمر الشرعي المنتقل إليه الانتقال الشرعي بالإرث الشرعي من والده المذكور أعلاه وذلك جميع الخربة الكائنة في محلة الزبداني قرب الجامع الشيخ محمد المراوحي في حارة الشمالية في زقاق عواد المحدودة قبلة زقاق عواد وفيه الطريق وشرقا دار موسى بن المرحوم الشيخ إسماعيل وشمالا السيرة وفيها الطريق وغربا دار إسماعيل بن الحاج قاسم تحديدا شرعيا وعلى ذلك بأنه أوقف الخربة المذكورة أعلاه والمحدودة بأنه مدفن إلى من توفي من الذرية وذرية الذرية ولا أحد يعطرد أحد من الذرية ويكون مدفن إلى جميع العائلة وقفا شرعيا ولا يحل عليها بيعا ولا شراء وملعون من باعها وملعون من اشتراها ولا يحل عليها بناء ولا رهنا إلى أبد الأبد وعلى ذلك صدر الرضى وصح الإشهاد بشهادة من حضر ومن شهد فيه أدناه. وحرر ذلك في إحدى عشر من شهر ربيع الأول سنة أربعة ومئة وألف من الهجرة النبوية سنة 1104. كاتبه محمد ابن السيد محمد بربور الرشواني. شهد بذلك: السيد حسين برهان الدين. شهد بذلك: السيد داود بن السيد محمد الصمادي. شهد بذلك: عبده أسعد السعدي. شهد بذلك: السيد سليمان السبتي الرفاعي. شهد بذلك: حسين نصري الحسيني. شهد بذلك: قاسم بن علي عواد. شهد بذلك: خليل بن علي عواد. شهد بذلك: محمد بن الشيخ أحمد فهد. شهد بذلك: الشيخ محمد رسلان ابن السد إسماعيل الرفاعي. شهد بذلك: عبد المجيد محمد بركات. شهد بذلك: شرف الدين محمد قاسم)). قلت: هذه الوثيقة تثبت أن جامع المراح الموجود حاليا كان اسمه جامع المراوحي، والعامة حورت اللفظ، إذ لا يعقل أن يسمي المسلمون مسجدهم باسم زريبة الغنم والمعز. وهذه الوثيقة تثبت أن عمر هذا المسجد أكثر من ثلاثمائة سنة. وقد خضع لعدة ترميمات آخرها حسب ما سمعت من المعمرين حوالي عام (1941م) حيث يني المسجد فوق مجموعة من المحلات التجارية كي يعود ريعها على خدمة المسجد.
وفي سنة (1705م) الموافق (1117هـ) توفي بدمشق ودفن بتربة جبل قاسيون الشيخ الصالح بركات الرفاعي وأصله من مضايا من قضاء الزبداني، ذكر ذلك المرادي في كتابه (سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر) فقال: ((بركات الرفاعي: بركات بن علم الدين الرفاعي الصالحي الدمشقي، الشيخ الصالح المعتقد، أصله من مضايا قرية بوادي بردى، وكان حصل له جذب في بدايته وتقيد في خدمة الشيخ الولي الشهير عثمان أبو الخواتم الصالحي صاحب الأحوال، وكل أصابعه غاصة بالخواتم إلى العظم، وقيل: إنه لا يقدر يقلع منها شيئا لأنه حكى أنها عدة بلدان، ويحكى أنه مرة كان في عضده سوار غاص فاجتمع جماعة ومسكوه قهرا وردوه وهو يصيح ويقول لا تردوه فألحوا وفكوه عن عضده فأخذ يتأسف ويتحول ويلطم على يديه فما مضى شهر من الزمان إلا وأخذت النصارى بلدة عظيمة من المسلمين في بلاد الروم، وبالجملة فالشيخ المترجَم كان من الأولياء المعتقدين بدمشق، وكانت وفاته في أواسط جمادي الثانية سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى)). كما ترجم له ابن كنان في كتابه (يوميات شامية) بمثل الترجمة السابقة فلا حاجة للإعادة.
وفي سنة (1720م) الموافق (1132هـ) آخر الأساقفة في الزبداني وهو الأسقف ملاتيوس، الذي اشترك في رسامة البطريرك أثناسيوس.
وفي عهد ولاية أسعد باشا العظم على دمشق (1741م، 1755م) اشترى آل العظم الحمام في الزبداني وجعلوه وقفا خاصا بهم ذكرت ذلك الباحثة أ. ميير في ندوة عن الحمامات في دمشق وريفها في العهد العثماني فقالت: ((إن آل العظم في عهد أسعد باشا العظم اشتروا بناء الحمام في الزبداني من أموال خزينة الدولة ولكنه أصبح وقفا خاصا لهم)) (اكتشف سورية، موقع انترنت). وفي سنة (1941م) تم استملاك حمَّام الزبداني (حمَّام السوق) في حي الجسر بالقرب من الجامع الكبير (الجسر) من قبل وزارة الأوقاف وأصبح وقفا لجامع الجسر حيث يِستأجر سنويا ويُصرف ريعه لخدمات الجامع، ولا نعلم متى بِني هذا الحمام ومن الذي بناه، مع العلم أنه مبني من الحجارة المنحوتة وكذلك أجرانه منحوتة بشكل فني رائع وحضاري مما يدل على قدم هذا الحمام. وقد وصف هذا الحمام الأستاذ خالد رمضان من مشاهداته الذاتية فقال: ((كان مدخل حمام الزبداني من الجهة الجنوبية، وأمامه كان هناك سبيل ماء مبني من الحجر المنحوت وفيه ثلاثة أجران عليها ثلاثة مآخذ. ومن مدخل الحمام يتجه الداخل في دهليز قصير ويصل إلى البراني، وهو مؤلف من عدة مصاطب تستعمل للجلوس ولوضع الثياب، وفي أرضه بحرة كبيرة، ومنه يتناول الذي يدخل ليتحمم أغراض الحمام ومنها الفوطة وغيرها. وندخل من البراني إلى الوسطاني، وهو مكان وسط بين البراني والجواني يُجلس فيه قليلا حتى لا يخرج المتحمم فورا إلى البراني. ومن الوسطاني ندخل إلى الجواني، وجواني حمام الزبداني فيه أربع مقاصير، وفي الوسط كانت توجد ثلاثة أجران في صدر الجواني، وأما المقصورات ففي كل منها جرن واحد. وفي صدر الجواني كان هناك بيت النار. وأما الأميم (مكان جمع الحطب لتسخين المياه) فكان في الجهة الشمالية الشرقية للحمام. ويتألف سقف الحمام من قبة فيها قماري، وهو عبارة عن دوائر زجاجية ملونة تغطي تجويفات في القبة وتشكل مصدر ضوء للحمام)). قلت: دخلت هذا الحمام مرة واحدة في حياتي وذلك في سنة (1967م) وكان عمري يومها أقل من خمس سنوات، فقد اصطحبتني جدتي إلى الحمام وأنا أرفض ذلك من الخوف، وكان الجو شديد المطر والبرودة وعند عبورنا للجسر الذي يصل إلى الحمام لم أستطع النظر إلى الماء في النهر لغزارته وشدة جريانه، وعندما وصلنا إلى مدخل الحمام قالت السيدة المسؤولة عن الحمام لجدتي وهي تشير إليّ: يا أم فلان، هذا الصبي كبير (يعني لا يحق لي دخول الحمام مع النساء)، فقالت لها جدتي: هذا الصبي صغير ولا يفهم. ولذلك اعتمدت على وصف الحمام على ما قاله الأستاذ خالد رمضان، حيث شاهدت كل ما ذكره ولكن بقدرة ضعيفة على التمييز والحفظ نظرا لصغر سني. وكان حمام الزبداني على ضفة نهر الزبداني، وبجواره من الناحية الغربية مطحنة قديمة تعمل على الماء وهي الطاحونة الرئيسية في البلدة، وكان مصيرها كمصير الحمام. والأجزاء الوظيفية لهذا الحمام هي: السخانات، المراجل، غرف الانتقال، غرف التسخين، غرف الغسيل، الأجران، والباحة العامة للحمام، مع وجود مقصورات للاستحمام الفردي عن اليمين والشمال. وتبلغ مساحته (375م2)، ومساحة حرمه (340م2)، والمساحة الكلية (715م2)، ويبلغ قطر قبته سبعة أمتار، وكان وقفا للجامع الكبير (الجسر)، وفي عام (1981م) تم هدمه وبناء المجمع الاستهلاكي مكانه بناء على قرار استملاك لصالح وزارة التموين.
وفي أحداث سنة (1746م) الموافق (1159هـ) ذكر عبد الرحمن الجبرتي في كتابه (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) الشيخ محمد الزبداني العالم بالصناعات والطبيعيات والمقيم في مصر فقال عنه: ((والشيخ محمد الزبداني وكان فريدا في صناعة التراكيب والتقاطير واستخراج المياه والأدهان وغير هؤلاء ممن رأيت وممن لم أر، وحضر إليه طلاب من الإفرنج وقرأوا عليه علم الهندسة وذلك سنة ألف ومائة وتسع وخمسيـن وأهـدوا لـه مـن صنائعهـم وآلاتهـم أشيـاء نفيسـة وذهبـوا إلى بلادهم ونشروا بها ذلك العلم مـن ذلـك الوقـت وأخرجـوه من القوة إلى الفعل واستخرجوا به الصنائع البديعة مثل طواحين الهواء وجر الأثقال واستنباط المياه وغير ذلك)).
وذكر البديري الحلاق الزبداني في كتابه (حوادث دمشق اليومية) في أحداث سنة (1748م) الموافق (1161هـ) فقال: ((وفي تلك الأيام غارت العرب على جمال كثيرة في قرية القدم، وأخذت ولم يرجع منها شيء، كما وإنه في هذه الأيام (النصف الأول من شعبان) غارت الدروز على قرية الزبداني وغيرها، وأخذوا منها كثيرا من المواشي والأمتعة وغير ذلك)).
وكذلك ذكر البديري الحلاق وفاة شيخ الزبداني في كتابه (حوادث دمشق اليومية) سنة (1753م) الموافق (1166هـ) فقال: ((ومات في تلك السنة قبوجى لر أغاصي وشيخ الزبداني، وشنق الباشا السيد حسن شيخ شباب باب المصلى، وقتل أيضاً جماعة من الأشقياء)). قلت: ولم أستطع معرفة اسم هذا الشيخ كما لم أقف له على ترجمة، وهل هو شيخ دين أم شيخ عشيرة؟!.
وفي سنة (1759م) الموافق (1173هـ) حدث زلزال عظيم فضرب الزبداني وما حولها من القرى، يقول المؤرخ أحمد وصفي زكريا في كتابه (الريف السوري): ((وقد تهدمت يومئذ قرى الزبداني ووادي بردى، وأعقبها طاعون شديد عمَّ هذه الأنحاء وكاد يقفرها من السكان، ومن ثم يبدو أنّ سكان الزبداني الحاليين حديثو العهد بالمجيء إليها، لا يتجاوز أقدمهم القرن أو القرن والنصف))، وقد وافقه على هذا الاستنتاج بانقطاع الوجود البشري بعد الزلزال عما قبله الأستاذ خالد دهمان في كتابه (الزبداني دراسة إقليمية) فقال: ((وأصاب الزبداني ما أصاب سائر البلاد السورية من خير وشر، ففي زلزال سنة (1173هـ ــ 1759م) عفا عليها الزلزال عن بكرة أبيها)). قلت: لا خلاف على حصول الزلزال وتدميره للكثير من السكان والعمران، ولكن أختلف مع الأستاذين حول الانقطاع السكاني قبل وبعد الزلزال، فهناك عائلات كثيرة كانت موجودة قبل الزلزال وبقيت موجودة بعد الزلزال، فقد اطلعت على وثيقة بيع وشراء لأرض العظيمة في الزبداني، وهذه الوثيقة موجودة عند السيد مصطفى رفاعي عواد موروثة عن آبائه وأجداده لأنّ الأرض تخصهم، والوثيقة تتحدث عن بيع أرض في قرية الزبداني، أرض العظيمة، في شوال 1172هـ، وقد جاء في الوثيقة: ((وجه تحرير الحروف وسبب تسطيره هو أنه في تاريخ اليوم أدناه اشترى السيد إسماعيل الشاب الرشيد الكامل البالغ درجة الكمال بماله لنفسه دون غيره من حسن بن محمود الدروال ومن درويش عبد الحق ومن حسين الدروال، وأن حسن بن محمود الدروال باع الذي اشتراه من حسن آغا شبيب ومن محمد الجودي، وأن درويش عبد الحق وحسين الدروال باعوا أصالة عن أنفسهم ووكالة عن الذين سنذكر أسماءهم وهم: حاج مصطفى المويل وأحمد حمدان وعمر عواد الجودي وإسماعيل ولد موسى مسعد وحمود كنيش وحمود بن أيوب والحاج إبراهيم وهيب وحسن طه ومنصور كنيش وعمر الدروال. والمذكورون آنفا باعوا قطعة الأرض المذكورة العظيمة من طبراق قرية الزبداني، والحاوية على تفاح وعنب وتوت ورباع غيلان وغير ذلك، والتي حدها قبلة الطريق وفيه باب وشرقا الطريق وشمالا مخايل ذيب وغربا الشيخ ملحم التل. وذلك بثمن قدره ثلاثون قرشا الرايجة بحساب الشامية من المعاملة السلطانية من يد المشتري المذكور إلى البايعين، فباعوا البايعين أرضا فيها غرس وأم غيلان واشترى المشتري أرضا وغراسا كما ذكر بيعا باتا تاما وشراء باتا بالإيجاب والقبول من الطرفين والتسلم والتسليم في اليد من غير إجبار ولا إكراه ولا منازع بينهما ولا غبن صادر بينهما، وقد كتب هذا التمسك ليحافظ ولأجل الاحتياج إليه وأن لا يصير بينهما مخالفة ولا غبن وعلى موجبه حجة شرعية على نفسي وسمعي بالله شهيد. وكتب ذلك وحرر في عشرة أيام خلت من شهر شوال الذي هو من شهور سنة ألف وماية واثنان وسبعون (1172). شهود الحال: حسن بن خليل ثابت، الشيخ ابن المخللاتي، عباس التل، إبراهيم أخيه، حسن زعرورة)). فهذه الوثيقة كتبت قبل الزلزال بعام، وفيها إحدى عشرة عائلة كانت موجودة قبل الزلزال وهي مستمرة في الوجود حتى الآن وهم: عواد الجودي، عبد الحق، المويل، حمدان، كنيش، وهيب، طه، ذيب، التل، ثابت، زعرورة. وهذا يدل على أنّ الزلزال لم يكن مدمرا للزبداني بالكامل ويدل على عدم الانقطاع البشري في الزبداني بسبب الزلزال. كما يدل على قدم العائلات الزبدانية الموجودة فيها الآن.
وللتأكيد على هاتين النقطتين: عدم الانقطاع البشري في الزبداني بحدوث الزلزال وعلى قدم العائلات الزبدانية وعراقتها مخالفا بذلك ما كتبه الأستاذين خالد دهمان وأحمد وصفي زكريا فسوف أذكر وثيقة أخرى من وثائق العظيمة، وقد كتبت هذه الوثيقة سنة (1129هـ) الموافق (1717م) أي قبل الوثيقة السابقة بأكثر من أربعين عاما، وموضوعها استئجار أرض العظيمة للعمل بها كما هو معروف عند الفلاحين في موضوع مزارعة الأرض. تقول الوثيقة: ((من ناصر بيك ابن فؤاد بيك من عائلة الكر إلى أولاد مصطفى عواد الجودي وهم خليل وقاسم وأحمد، أنه يغرس جميع الحقل الذي نسميه العظيمة، على مدار سنتين توت وخوخ وتفاح وحور وغير ذلك، وأذن لهم بزراعة تلك الأرض المستأجر ثلثان وصاحب الأرض الثلث، وتفرقوا على ذلك موافقة شرعية على ذلك وعلى رضا، وقبلة الأرض طريق وفيه باب وشرق عيسي بن ذيب وغرب حنا مخايل الأطان وشمال ناصر بيك. وحرر ذلك بحضور أحمد بيك ابن ثابت بيك. وحرر في ربيع الأول سنة تسع وعشرين وماية وألف (1129). حرره ناظم بيك ابن الحاج علي ثابت. شهد بذلك: إبراهيم رجب، إبراهيم ابن ابصم برهان، يوسف علي نصر الله، سعد ابن علي السبسبي)). وفي هذه الوثيقة عائلات لا تزال موجودة إلى الآن مثل: الكر، عواد الجودي، ذيب، رجب، برهان.
وفي سنة (1780م) الموافق (1193هـ) خربت قرية عين التوت الواقعة جنوب غرب الزبداني (5كم) وشمال غرب نبع بردى (1كم) حيث هجرها أهلها وتفرقوا منها نتيجة الغزو المتكرر لها من الدروز من جبل لبنان، وقسم من أهالي عين التوت جاؤوا إلى الزبداني وأقاموا فيها، ذكر ذلك أبو محمود البلوداني في (يومياته) فقال: ((بلغنا أن حوالي ستين رجلا جاؤوا إلى الزبداني مع نسائهم وأولادهم ودوابهم وهم من آل هزار من قرية عين التوت هربا من الدروز الذين غزوا قريتهم وشنوا على القرية غارة على حين غرة وقتلوا الرجال وشتتوا أهل القرية وسلبوا المال والذهب والمتاع وقد جاءت الدروز من جبل لبنان... وقتلوا عددا كبيرا من أهل هذه القرية وقد حملوا أكثر متاعها وحلي نسائها)).
وفي سنة (1786م) الموافق (1200هـ) استدعى الأمير يوسف الشهابي (الوالي) الأمير فارس الشدياق إلى خدمته وأحبه كثيرا. وفي سنة (1788م) ولما مر الأمير يوسف الشهابي ببلاد بعلبك مطرودا من الأمير بشير قاسم الشهابي الذي كان قد أخذ الولاية منه، أرسل الأمير جهجاه الحرفوش رسولا إلى الأمير يوسف الشهابي ليقول له: تحول عن بلادي أو صليت عليك القتال، فارتبك الأمير يوسف الشهابي بالجواب، وكان معه الأمير فارس الشدياق، فقال الأمير فارس للأمير يوسف الجواب عندي، وشتم الرسول وضربه بدبوس من حديد وقال له: اذهب وقل لأميرك: من أنت حتى تمنع الأمير يوسف الشهابي من المرور؟! فهو يأمرك أن تقوم حالا من بلاد بعلبك أو فاجأك برجاله، ولما بلغ الأمير جهجاه هذا الجواب فرّ هاربا إلى بلاد الشرق. وظل الأمير يوسف الشهابي سائرا إلى الزبداني، ثم إلى حوران، وأمر فارس الشدياق أن يقيم بدمشق وكيلا له، ولما وعد الجزار الأمير يوسف الشهابي برده إلى الولاية وحضر لديه إلى عكا كتب الأمير يوسف إلى فارس أن يلحقه إلى عكا، فتوجه ومعه خمسة عشر فارسا، فأغار عليهم في الطريق عرب عنزة والسردية فقاتلهم قتالا شديدا وقتل بعضهم، لكنهم استظهروا عليه أخيرا ورموه عن جواده إلى الأرض، فنشر لهم نقودا ألهاهم بها وفر من بينهم إلى شيخ قعدان البعيش مستجيرا به فأجاره على عادة العرب ورد له فرسانه وكل ما سُلب منهم وبعث معه خمسين فارسا أوصلوه إلى إقليم البلان، ثم سار متنكرا إلى عكا فلحق بالأمير يوسف الشهابي. (تاريخ سورية، المطران يوسف الدبس).
وحينما استلم حكم الزبداني الأمير جهجاه الحرفوش استعان في إدارتها بالشيخ عباس التل الذي كان بينه وبين والي دمشق صلات حسنة، وبعد عباس خلفه ابنه ضاهر التل ثم قاسم التل، واستمرت الزبداني تحت حكم الحرافشة الذين كانوا يجمعون الخراج ويأخذونه لأنفسهم، وإذا استعصى أحد عن الدفع فإنهم يستعملون مختلف الأساليب من سلب ونهب وقتل وطرد، وأحيانا يلجأون إلى التملق والخداع، ويطلقون على هذه الضريبة أسماءً شتى كالخُوِّة أو المساعدة.
وفي سنة (1797م) الموافق (1211هـ) أرسل عبد الله العظم والي دمشق عسكرا إلى البقاع فأرسل الأمير بشير الشهابي أمير جبل لبنان وأحمد باشا الجزار والي عكا عسكرا، فالتقاهم الجزار وأهل البلاد، ووقع القتال في مندرة من قرى البقاع، فانكسر عسكر دمشق كسرة عظيمة وقتل منهم جماعة، ولم يزل عسكر لبنان والهوارة مجدا في آثارهم إلى وادي المجدل، وغنموا خيلهم وسلاحهم، وذهب بعض اللبنانيين وأحرقوا البترونة قرب الزبداني. (خطط الشام، الجزء الثالث).
أواخر القرن الثامن عشر الميلادي (1800م): كان يحكم الزبداني الشيخ عباس التل لصالح الأمير جهجاه حرفوش أمير بعلبك والبقاع، وكانت الزبداني تتبع للوالي العثماني في دمشق.
أوائل القرن التاسع عشر الميلادي: كان يحكم الزبداني الشيخ ضاهر التل ابن الشيخ عباس التل لصالح أمراء بعلبك آل حرفوش.
وفي سنة (1809م) الموافق (1224هـ) غضب والي دمشق العثماني سليمان باشا على الشيخ ضاهر التل فهرب منه ولجأ إلى آل حرفوش أمراء بعلبك والبقاع والأمير بشير الشهابي حاكم جبل لبنان ليتواسطوا له مع والي دمشق، ذكر ذلك الأمير حيدر الشهابي في كتابه (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان) فقال: ((وفي هذه السنة، حينما كان كنج يوسف باشا (الصدر الأعظم) في مدينة حماه توجه إلى مقابلته الأمير سلطان أخو الأمير جهجاه الحرفوش ودفع ثلاثماية كيس على حكم بعلبك مكان أخيه، فقبل الوزير سؤاله وأعطاه ما طلبه ووجه معه جملة من العسكر، فلما بلغ أخيه الأمير جهجاه ذلك أطلق التنبيه على خراب البلاد وأرسل عياله إلى بلاد عكار وحضر برجاله إلى الكرك. ثم في شهر ربيع الأول المصاقب إلى شهر نيسان قدم الأمير سلطان في العسكر الذي معه إلى بلاد بعلبك والتقى مع رجال أخيه بالقرب من الكرك، فانتشب الكون بينهم وقتل من رجال الأمير جهجاه ثلاثة أنفار، وانتقل الأمير جهجاه الحرفوش إلى قرية زحلة وحضر إلى عنده الشيخ ضاهر التل، وقد كنا ذكرنا مسير الشيخ ضاهر بعد ما قتل السُيَّاد في الزبداني أنه توجه إلى بلاد بشارة وحضر له طيبان خاطر من سليمان باشا (والي دمشق)، ورجع واستقام في قرية مشغرة عند المشايخ أولاد ناصيف إلى هذه الأيام. وقد كان الأمير بشير الشهابي يميل إلى الأمير جهجاه الحرفوش ومنشرح خاطره عليه فأعرض إلى سليمان باشا يطلب منه الإسعاف له، وأرسل سليمان باشا يستميل خاطر يوسف باشا على الأمير جهجاه، فكان الجواب بالإيجاب وأن يبقى الأمير جهجاه في قرية زحلة مدة يسيرة لبينما يورد الأمير سلطان القرش الذي أوعد به، فأرسل سليمان باشا إلى الأمير بشير أن يُطمِّن خاطر الأمير جهجاه بما أوعد به يوسف باشا. وبالحال أرسل الأمير بشير إلى الأمير جهجاه يُعرِّفه عن مأمورية سليمان باشا، وبما أن من عادة الأمير جهجاه الاحتساب من الدولة كما جرت له في العادة التيقظ، خشي من ذلك وسار من قرية زحلة إلى قرية عكار. فحين بلغ الأمير بشير قيامه وعدم إركانه استخف به وتركه. ثم أمر إلى الشيخ ضاهر التل أن يرجع إلى قرية مشغرة بعياله ويكون مقيما تحت أنظاره. وأما الأمير سلطان الحرفوش فرجع إلى بعلبك وعمَّر البلاد)).
وفي سنة (1815م) الموافق (1230هـ) شاركت مجموعة من العساكر من الزبداني مع غيرها من المجموعات في عسكر إبراهيم باشا نائب والي دمشق في الحرب ضد عرب الفدعان نواحي حماة لقدومهم من نواحي نجد واستيلائهم على مراعي عرب مهنا الفضلي وعرب الدريعي، ذكر ذلك الأمير حيدر الشهابي في كتابه (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان) فقال: ((وفي هذه السنة حضر إلى بلاد حماة عربان من نواحي نجد في شهر نوار المصاقب إلى جماد الأول، وهذه العربان يكنوا بالفدعان وهم طوايف متفرقة وألقابهم السباعة وآل هدال والجريا والنبى وجملة طواري، والجميع ينتسبون إلى الفدعان، وقد أتوا من بلاد نجد إلى بلاد حماة ونزلوا في الجانب الشرقي من العاصي في أماكن تسمى الشطيب والحميرى وتل علي وتل طوقان، وملوا تلك النواحي، وقد كانوا ينوفون عن العشرين ألف ما بين خيَّالة وزلام. فلما بلغ وزير الشام قدومهم احتسب أن يكون دسيسة من سعود كبير عرب الموهبين الذي تقدم ذكره في تاريخنا هذا حيث أن لم يكن لهم عادة في القدوم لتلك الأرض، بل هي منازل عربان تشيل أثقال ركب الحاج في كل عام لبيت الله الحرام وهما الشيخ مهنا الفاضل وعربه والدريعي وعربه، وبينهم وبين الفدعان عداوة قديمة، والفئتان ينتسبون إلى عنزة جد العرب الأكبر. فأرسل لهم السيد سليمان والي الشام يأمرهم في الرجوع عن بلاد حماة، فاعتذروا أن سبب قدومهم هو ضيق المعيشة في بلادهم، كون لم يكن في هذه السنة عشب لطروشهم، وأنهم قاصدين المرعى شهرين الربيع إذا أراد الوزير، فهم يقيموا ركب الحاج ويأخذون بأقل ما كانوا يأخذون أعداءهم، فلم يرتض الوزير بذلك، وفي الحال جيَّش العساكر الموجودة عنده. وقد كان وقتئذ سليمان باشا والي الشام في مرض الماليخوليا ولم يع على أحد، وإنما كان كتخذاه إبراهيم باشا أمير ميران هو المتولي على تدبير الإيالة، فسار بالعساكر إلى مدينة حماة، وقد كانت عساكرهم نحو ثلاثة آلاف لا غير، وعند نزوله إلى حماة اجتمع إلى عنده مهنا الفاضل والدريعي بعربهما، وآل بعلبك وآل الزبداني، والمللو إسماعيل آغا دالي باش المقدم ذكره في تاريخنا. وإذ لم تكن عساكره بالكفاية إلى قتال تلك العربان أرسل يطلب النجدة من سليمان باشا والي صيدا، فأرسل في الحال أوامر إلى علي بك الأسعد متسلم بلاد عكار أنه يسير في عساكره الموجودة في بلاده إلى نجدة إبراهيم باشا. وقد كانت بلاد عكر حيث إنها من إيالة طرابلوس فصارت تابعة إيالة صيدا كما أتينا بإيراد ذلك. وفي الحال سار علي بيك بنحو ألف خيال إلى مدينة حماة، ثم رحل إبراهيم باشا بتلك العساكر ولم يزل عسكره على أمياه سلميا، ووقع القتال بينهم وبين تلك العربان مدة خمسة عشر يوما وكانوا يتحاربون في ذلك البر كل يوم من الصباح إلى المساء، وبعد تلك الأيام هجمت عرب الفدعان جميعهم على عساكر إبراهيم باشا وتفرقوا في تلك الأراضي، وكانوا خيالتهم لابسين الذروع، وزلمهم يضربون في البارود، وكان لهم خبرة عظيمة بذلك، وكان قتالهم مع عساكر إبراهيم باشا في أماكن متفرقة، ودام القتال بينهم إلى آخر النهار فانكسرت الأرناؤوط والمغاربة ومات منهم ما ينوف على المايتين وكفوا راجعين نحو أوطاقهم. وحين نظر إبراهيم باشا الغلبة على عساكره كف راجعا إلى مدينة حماة وترك أوطاقه، وقام على بيك وإسماعيل آغا ذلك النهار وقتلوا من تلك العربان جملة، وقتل شيخ السبعة وأخذوا جماعة قبال الفية الذين كانوا في مقابلتهم إلى أن دخل المساء، ثم رجعوا إلى الوطاق فوجدوا إبراهيم باشا هرب بعساكره إلى حماة، ولم يكن باقيا في الوطاق سوى مهنا الفاضل والدريعي بعربهما، وعلي بيك الأسعد والمللو إسماعيل في الوطاق، وأكلوا شيئا من الطعام. ثم ركبوا وساروا إلى مدينة حماة، ودخلوا على إبراهيم باشا ولاموه على رجوعه، فاعتذر لهم أن عسكره لم يكن يقيم معه، وكانوا قاتلوا الدريعي ومهنا الفاضل وعربهم قتالا شديدا إلى المساء، وقتل الشيخ فارس بن مهنا وانجرح أخوه. ثم بعد رجوع إبراهيم باشا بعسكره إلى حماة رجع الشيخ مهنا والدريعي بعربيهما إلى غرب حماة، وبعد ذلك حضر إلى إبراهيم باشا إعلام أن عرب الفدعان رحلوا راجعين عن بلاد حماه، ونزلوا على تل السلطان الذي هو ما بين بلاد حلب وبلاد حماة، فلم تحقق إبراهيم باشا قيامهم رجع في عساكره إلى الشام في 20حزيران ورجع على بيك الأسعد إلى بلاده. ثم غزت البعض من خيل الفدعان إلى مهنا فنهبوا بيوتهم وجمالهم ولم يتركوا لهم عقال غير النساء والأولاد)).
وفي أحداث سنة (1819م) الموافق (1235هـ) غضب عبد الله باشا والي صيدا على المشايخ النازحين من جبل لبنان وهم بيت عبد الملك وبيت تلحوق فاستصدر أمرا من والي دمشق سليمان باشا بطردهم فهربوا إلى معربون ومعذر وعين حور من أعمال الزبداني، ذكر ذلك الأمير حيدر الشهابي في تاريخه (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان) فقال: ((ثم إنه خرج سليمان باشا في الحاج الشريف، وفي إقامته بالمزيريب أرسل عبد الله باشا والي صيدا يلتمس منه طرد المشايخ النازحين من جبل لبنان، وهم بيت عبد الملك وبيت تلحوق المقدم ذكرهم، فقبل سليمان باشا كلامه، وبالحال أمر بطردهم من الشام، فأتوا إلى قرية معذر شرقي البقاع وأقاموا مدة قليلة، فأرسل عبد الله باشا إلى والي الشام بأن يطردهم من جميع بلاد الشام، فأمر الأمير أفندي الشهابي حاكم ريشيا بأن يسير بعسكره لطردهم، وإلى الأمير أمين الحرفوش أيضا، وعندما بلغهم قدوم العساكر إليهم فروا نواحي الشرق إلى قارا والنبك. ثم حضر علي عماد من مصر، وعن يده قايمة من كتخذا محمد علي باشا والي مصر تتضمن التوصاه به، وأن مراده الإقامة عند أعياله، فأرسل عبد الله باشا إلى متسلم الشام أن يأمر الشيخ علي المذكور بعدم المقارشة إلى المشايخ المذكورين. ثم وقع كتابات بيد إنسان من الشيخ علي إلى النازحين بأن يحضروا إلى نواحي الشام، وأنه يدبر صوالحهم ويكونوا سوية، فأرسل الأمير بشير تلك الكتابات إلى عبد الله باشا، وأرسلهم عبد الله باشا إلى متسلم الشام، وفي الحال أمر المتسلم بطرد الشيخ علي عماد من الشام. وقد كانوا المشايخ النازحين حين بلغهم حضور الشيخ علي إلى الشام حضروا ووقع لهم أمل بحضوره، وعندما خرج المذكور من الشام مطرودا ساروا الجميع نواحي حوران إلى محل يقال له دير عي، وعندما بلغ عبد الله باشا إقامتهم في بلاد حوران أرسل كتابات إلى قيِّم مقام والي الشام أن المذكورين قصدهم إجراء المفاسد، وأنهم مغضوبيته، وأنه يأمر بطردهم من جميع إيالته، وفي الحال وجه متسلم الشام عسكرا بطردهم، فأتوا إلى قرية معذر، وتخلف عنهم الشيخ شبلي عبد الملك وأخوه وأولادهما لأنه كان مريضا، واختفوا في قرية معربون من بلاد الزبداني. وسار الشيخ علي العماد وزمرته إلى شرقي البلاد، ثم إلى بلاد عكار، فلم يقبلهم علي بيك الأسعد أن يقيموا في بلاده لأنه سبق أوامر إلى جميع البلدان من عبد الله باشا بطردهم، فرجعوا إلى البقاع، واجتمع رأيهم أن يحضروا إلى المتن. وعند وصولهم إلى قرية كفر سلوان قابلوهم أهالي القرية المذكورة بالبارود وطردوهم، فرجعوا إلى البقاع وأقاموا في قرية معذر. وعندما بلغ الأمير بشير الشهابي رجوعهم ومسيرهم إلى المتن لأجل إبداء المفاسد وجه إلى طردهم ولده الأمير أمين وصحبته عسكر من البلاد في 11 تشرين أول، ولم يشعروا به حتى دهمهم على غفلة لقرية معذر، فهربوا منه إلى نواحي الزبداني. وقد كانت لحقتهم سباقة الخيل وصار بينهما بعض قواسات، فانجرح الشيخ كنج بن الشيخ حمد تلحوق، وقتل رجل من أتباع حمود أبو نكد، وقتل راسين خيل معهم، وقتل رجل من عسكر الأمير أمين من الذين كانوا قد سبقوا العسكر، وقتل راس خيل إلى فارس أبو حاتم. ولم يزالوا في هزيمتهم إلى بلاد الشرق. وبات الأمير أمين بعسكره في قرية عين حور، ثم إلى قرية معربون، ثم إلى جبة عسال الورد. وحين تحقق أخبارهم أنهم بعدوا عن شرقي الشام رجع بعسكره إلى قرية زحلة، ثم إلى محله، ورجع عسكره كل مين إلى محله، وأما أولئك النزاح المذكورين فكان رجع أكثر الذين كانوا صحبتهم من أهالي البلاد، فأمر الأمير بشير في إقامتهم في محلاتهم، ولم يؤذيهم ولا أجرى قصاصهم. وقد كان الشيخ شبلي عبد الملك وأخوه وأولادهما من بعد رجوع النزاح من المتن فارقوهم من البقاع وأتوا لمحل الشيخ بشير جنبلاط لكي يتراموا على الأمير في الصفح عنهم، فلم يأمر الأمير في قبولهم، وأمر الشيخ بشير بطردهم فساروا إلى بلاد حوران. وأما أولئك المشايخ النزاح المذكورين لم يزالوا في مسيرهم إلى قرية الهيجاني شرقي الشام، ثم أقاموا عند عرب السردية في قرية الهيجاني مدة يترددون إلى أراضي حوران)).
وفي سنة (1820م) الموافق (1236هـ) ضاف الأمير بشير الشهابي عند الشيخ ضاهر التل في الزبداني، وكان الأمير في طريقه إلى حوران هاربا من عبد الله باشا والي عكا.
وفي شهر أيار من سنة (1821م) الموافق لشهر رمضان من سنة (1237هـ) حصلت معركة في قرية المزة بالقرب من دمشق بين أمير جبل لبنان بشير الشهابي ومعه عبد الله باشا والي صيدا من جهة والعساكر الشامية التابعة لوالي دمشق درويش باشا، وكان الشيخ ضاهر التل من المشاركين في هذه المعركة، ذكر ذلك الأمير حيدر الشهابي في تاريخه (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان) فقال: ((وفي ذلك النهار السبت الذي وصل به الأمير بشير بعساكر عبد الله باشا إلى المعضمية، خرج عسكر الشام إلى قرية المزة وصحبته الأمير حسن والأمير سلمان وأولادهما والشيخ علي عماد ومن يتبعه والأمراء بيت الحرفوش والشيخ ضاهر التل، وكان عسكرهم ينوف على الثلاثة آلاف. وعند صباح نهار الأحد في 6 رمضان المصاقب 14 نوار انتخب الأمير بشير من عسكره ألفين، ومن عسكر عبد الله باشا الدالاتية والهوارة، وسار الأمير بذلك العسكر إلى قرية المزة، وعند وصوله أحاط بالقرية من كل جانب، وتحصنوا عساكر الشام بالحصار بالضيعة المذكورة، وانتشبت الحرب وعظم الصياح، ورمى عساكر الشام على عساكر الأمير بالمدافع والزمبركات، فعند ذلك هجم الأمير بشير ومن معه هجمة واحدة فهدموا أسوار القرية لأنها كانت مبنية من اللبن وملكوا الضيعة. وعندما شاهدت عساكر الشام هجمة عساكر الأمير وعبد الله باشا فروا مهزومين ولم يسلم منهم إلا القليل، ومات ما ينوف عن المايتين وخمسين نفر، واستأسروا نحو خمس مائة أسيرا، وباقي عسكر الشام راحوا بين مهزوم ومجروح، واحتوى عسكر الأمير على وطاقهم والجبخانا والمدافع والزمبركات وجميع الخيل)).
وفي أحداث أيلول سنة (1821م) الموافق محرم سنة (1237هـ) أرسل الأمير بشير الشهابي حاكم جبل لبنان جماعته لطرد الأمير حسن العلي والأمير سلمان وكانا في الزبداني، ذكر ذلك الأمير حيدر الشهابي في تاريخه (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان) فقال: ((في محرم المصاقب شهر أيلول بعد وصول الأمير بشير الشهابي إلى قرية إهدن، أرسل مايتين خيَّال صحبة أولاد عمه إلى بلاد بعلبك على طريق المسقية لأجل طرد الأمير حسن العلي والأمير سلمان اللذين تقدم شرحهما في تاريخنا هذا، وعندما بلغهما حضور ذلك العسكر إلى مدينة بعلبك، وقد كانوا أولئك الأمراء وقتئذ في الزبداني، ففروا هاربين إلى بلاد الشام، ومكثوا في قرية منين. ثم رجع عسكر الأمير بشير من بلاد بعلبك إلى قرية الهرمل لأجل طرد الأمير سلطان وأخوه الأمير أمين الحرفوش والشيخ حمود حمادة الذين كانوا تظاهروا في الخيانة مع بيت حمادة حين كان الأمير في بلاد حوران، وعند وصول الخيل إلى بلاد بعلبك التقى بهم الأمير نصوح ابن الأمير جهجاه الحرفوش الذي كان وقتئذ حاكما على بلاد بعلبك من قبل والي الشام، والتقى بعسكر الأمير وساروا سوية إلى بلاد الهرمل، وقبل وصولهم هرب الأمير سلطان وأخوه الأمير أمين لنواحي بلاد عكار. وأما الشيخ حمود حمادي فحضر لمقابلة الأمير ملحم شهاب الذي كان عقيد على عسكر الأمير بشير، فطمنه بانشراح خاطر الأمير بشير عليه، ثم رجع ذلك العسكر إلى عند الأمير بشير وصحبتهم الأمير نصوح، فترحَّب به الأمير بشير وأكرمه)).
وفي أحداث آذار سنة (1822م) الموافق شوال سنة (1237هـ) ذكرت الزبداني في سياق الصراع بين المشايخ من بيت عماد والأمير بشير الشهابي حاكم جبل لبنان، ذكر ذلك الأمير حيدر الشهابي في تاريخه (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان) فقال: ((وفي ذلك الوقت حضروا إلى البقاع المشايخ بيت عماد ومعهم نحو ثلاث مية من دولة الشام، وقبضوا على أربع خيَّالة من أتباع الأمير بشير الشهابي، وقتلوا اثنين من بيت أبو علي حسن، يقال للواحد أبو علي والثاني محمد، ثم باتوا تلك الليلة. وعند الصباح رجعوا إلى الزبداني احتسابا من أن الأمير بشير يوجه لهم عسكر)).
وفيها ذكر لأسماء عدد من العائلات الزبدانية في ذلك الحين والتي لم يبق منها إلا القليل، تقول الوثيقة: ((وجه تحريره هو أنه يوم تاريخه أوقف السيد الشيخ عمر بن المرحوم السيد الشيخ علي بن السيد الشيخ عمر عواد الجودي في حال صحته وسلامته واختياره الاختيار الشرعي من غير إكراه ولا إجبار وجواز أمر الشرعي المنتقل إليه الانتقال الشرعي بالإرث الشرعي من والده المذكور أعلاه وذلك جميع الخربة الكائنة في محلة الزبداني قرب الجامع الشيخ محمد المراوحي في حارة الشمالية في زقاق عواد المحدودة قبلة زقاق عواد وفيه الطريق وشرقا دار موسى بن المرحوم الشيخ إسماعيل وشمالا السيرة وفيها الطريق وغربا دار إسماعيل بن الحاج قاسم تحديدا شرعيا وعلى ذلك بأنه أوقف الخربة المذكورة أعلاه والمحدودة بأنه مدفن إلى من توفي من الذرية وذرية الذرية ولا أحد يعطرد أحد من الذرية ويكون مدفن إلى جميع العائلة وقفا شرعيا ولا يحل عليها بيعا ولا شراء وملعون من باعها وملعون من اشتراها ولا يحل عليها بناء ولا رهنا إلى أبد الأبد وعلى ذلك صدر الرضى وصح الإشهاد بشهادة من حضر ومن شهد فيه أدناه. وحرر ذلك في إحدى عشر من شهر ربيع الأول سنة أربعة ومئة وألف من الهجرة النبوية سنة 1104. كاتبه محمد ابن السيد محمد بربور الرشواني. شهد بذلك: السيد حسين برهان الدين. شهد بذلك: السيد داود بن السيد محمد الصمادي. شهد بذلك: عبده أسعد السعدي. شهد بذلك: السيد سليمان السبتي الرفاعي. شهد بذلك: حسين نصري الحسيني. شهد بذلك: قاسم بن علي عواد. شهد بذلك: خليل بن علي عواد. شهد بذلك: محمد بن الشيخ أحمد فهد. شهد بذلك: الشيخ محمد رسلان ابن السد إسماعيل الرفاعي. شهد بذلك: عبد المجيد محمد بركات. شهد بذلك: شرف الدين محمد قاسم)). قلت: هذه الوثيقة تثبت أن جامع المراح الموجود حاليا كان اسمه جامع المراوحي، والعامة حورت اللفظ، إذ لا يعقل أن يسمي المسلمون مسجدهم باسم زريبة الغنم والمعز. وهذه الوثيقة تثبت أن عمر هذا المسجد أكثر من ثلاثمائة سنة. وقد خضع لعدة ترميمات آخرها حسب ما سمعت من المعمرين حوالي عام (1941م) حيث يني المسجد فوق مجموعة من المحلات التجارية كي يعود ريعها على خدمة المسجد.
وفي سنة (1705م) الموافق (1117هـ) توفي بدمشق ودفن بتربة جبل قاسيون الشيخ الصالح بركات الرفاعي وأصله من مضايا من قضاء الزبداني، ذكر ذلك المرادي في كتابه (سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر) فقال: ((بركات الرفاعي: بركات بن علم الدين الرفاعي الصالحي الدمشقي، الشيخ الصالح المعتقد، أصله من مضايا قرية بوادي بردى، وكان حصل له جذب في بدايته وتقيد في خدمة الشيخ الولي الشهير عثمان أبو الخواتم الصالحي صاحب الأحوال، وكل أصابعه غاصة بالخواتم إلى العظم، وقيل: إنه لا يقدر يقلع منها شيئا لأنه حكى أنها عدة بلدان، ويحكى أنه مرة كان في عضده سوار غاص فاجتمع جماعة ومسكوه قهرا وردوه وهو يصيح ويقول لا تردوه فألحوا وفكوه عن عضده فأخذ يتأسف ويتحول ويلطم على يديه فما مضى شهر من الزمان إلا وأخذت النصارى بلدة عظيمة من المسلمين في بلاد الروم، وبالجملة فالشيخ المترجَم كان من الأولياء المعتقدين بدمشق، وكانت وفاته في أواسط جمادي الثانية سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى)). كما ترجم له ابن كنان في كتابه (يوميات شامية) بمثل الترجمة السابقة فلا حاجة للإعادة.
وفي سنة (1720م) الموافق (1132هـ) آخر الأساقفة في الزبداني وهو الأسقف ملاتيوس، الذي اشترك في رسامة البطريرك أثناسيوس.
وفي عهد ولاية أسعد باشا العظم على دمشق (1741م، 1755م) اشترى آل العظم الحمام في الزبداني وجعلوه وقفا خاصا بهم ذكرت ذلك الباحثة أ. ميير في ندوة عن الحمامات في دمشق وريفها في العهد العثماني فقالت: ((إن آل العظم في عهد أسعد باشا العظم اشتروا بناء الحمام في الزبداني من أموال خزينة الدولة ولكنه أصبح وقفا خاصا لهم)) (اكتشف سورية، موقع انترنت). وفي سنة (1941م) تم استملاك حمَّام الزبداني (حمَّام السوق) في حي الجسر بالقرب من الجامع الكبير (الجسر) من قبل وزارة الأوقاف وأصبح وقفا لجامع الجسر حيث يِستأجر سنويا ويُصرف ريعه لخدمات الجامع، ولا نعلم متى بِني هذا الحمام ومن الذي بناه، مع العلم أنه مبني من الحجارة المنحوتة وكذلك أجرانه منحوتة بشكل فني رائع وحضاري مما يدل على قدم هذا الحمام. وقد وصف هذا الحمام الأستاذ خالد رمضان من مشاهداته الذاتية فقال: ((كان مدخل حمام الزبداني من الجهة الجنوبية، وأمامه كان هناك سبيل ماء مبني من الحجر المنحوت وفيه ثلاثة أجران عليها ثلاثة مآخذ. ومن مدخل الحمام يتجه الداخل في دهليز قصير ويصل إلى البراني، وهو مؤلف من عدة مصاطب تستعمل للجلوس ولوضع الثياب، وفي أرضه بحرة كبيرة، ومنه يتناول الذي يدخل ليتحمم أغراض الحمام ومنها الفوطة وغيرها. وندخل من البراني إلى الوسطاني، وهو مكان وسط بين البراني والجواني يُجلس فيه قليلا حتى لا يخرج المتحمم فورا إلى البراني. ومن الوسطاني ندخل إلى الجواني، وجواني حمام الزبداني فيه أربع مقاصير، وفي الوسط كانت توجد ثلاثة أجران في صدر الجواني، وأما المقصورات ففي كل منها جرن واحد. وفي صدر الجواني كان هناك بيت النار. وأما الأميم (مكان جمع الحطب لتسخين المياه) فكان في الجهة الشمالية الشرقية للحمام. ويتألف سقف الحمام من قبة فيها قماري، وهو عبارة عن دوائر زجاجية ملونة تغطي تجويفات في القبة وتشكل مصدر ضوء للحمام)). قلت: دخلت هذا الحمام مرة واحدة في حياتي وذلك في سنة (1967م) وكان عمري يومها أقل من خمس سنوات، فقد اصطحبتني جدتي إلى الحمام وأنا أرفض ذلك من الخوف، وكان الجو شديد المطر والبرودة وعند عبورنا للجسر الذي يصل إلى الحمام لم أستطع النظر إلى الماء في النهر لغزارته وشدة جريانه، وعندما وصلنا إلى مدخل الحمام قالت السيدة المسؤولة عن الحمام لجدتي وهي تشير إليّ: يا أم فلان، هذا الصبي كبير (يعني لا يحق لي دخول الحمام مع النساء)، فقالت لها جدتي: هذا الصبي صغير ولا يفهم. ولذلك اعتمدت على وصف الحمام على ما قاله الأستاذ خالد رمضان، حيث شاهدت كل ما ذكره ولكن بقدرة ضعيفة على التمييز والحفظ نظرا لصغر سني. وكان حمام الزبداني على ضفة نهر الزبداني، وبجواره من الناحية الغربية مطحنة قديمة تعمل على الماء وهي الطاحونة الرئيسية في البلدة، وكان مصيرها كمصير الحمام. والأجزاء الوظيفية لهذا الحمام هي: السخانات، المراجل، غرف الانتقال، غرف التسخين، غرف الغسيل، الأجران، والباحة العامة للحمام، مع وجود مقصورات للاستحمام الفردي عن اليمين والشمال. وتبلغ مساحته (375م2)، ومساحة حرمه (340م2)، والمساحة الكلية (715م2)، ويبلغ قطر قبته سبعة أمتار، وكان وقفا للجامع الكبير (الجسر)، وفي عام (1981م) تم هدمه وبناء المجمع الاستهلاكي مكانه بناء على قرار استملاك لصالح وزارة التموين.
وفي أحداث سنة (1746م) الموافق (1159هـ) ذكر عبد الرحمن الجبرتي في كتابه (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) الشيخ محمد الزبداني العالم بالصناعات والطبيعيات والمقيم في مصر فقال عنه: ((والشيخ محمد الزبداني وكان فريدا في صناعة التراكيب والتقاطير واستخراج المياه والأدهان وغير هؤلاء ممن رأيت وممن لم أر، وحضر إليه طلاب من الإفرنج وقرأوا عليه علم الهندسة وذلك سنة ألف ومائة وتسع وخمسيـن وأهـدوا لـه مـن صنائعهـم وآلاتهـم أشيـاء نفيسـة وذهبـوا إلى بلادهم ونشروا بها ذلك العلم مـن ذلـك الوقـت وأخرجـوه من القوة إلى الفعل واستخرجوا به الصنائع البديعة مثل طواحين الهواء وجر الأثقال واستنباط المياه وغير ذلك)).
وذكر البديري الحلاق الزبداني في كتابه (حوادث دمشق اليومية) في أحداث سنة (1748م) الموافق (1161هـ) فقال: ((وفي تلك الأيام غارت العرب على جمال كثيرة في قرية القدم، وأخذت ولم يرجع منها شيء، كما وإنه في هذه الأيام (النصف الأول من شعبان) غارت الدروز على قرية الزبداني وغيرها، وأخذوا منها كثيرا من المواشي والأمتعة وغير ذلك)).
وكذلك ذكر البديري الحلاق وفاة شيخ الزبداني في كتابه (حوادث دمشق اليومية) سنة (1753م) الموافق (1166هـ) فقال: ((ومات في تلك السنة قبوجى لر أغاصي وشيخ الزبداني، وشنق الباشا السيد حسن شيخ شباب باب المصلى، وقتل أيضاً جماعة من الأشقياء)). قلت: ولم أستطع معرفة اسم هذا الشيخ كما لم أقف له على ترجمة، وهل هو شيخ دين أم شيخ عشيرة؟!.
وفي سنة (1759م) الموافق (1173هـ) حدث زلزال عظيم فضرب الزبداني وما حولها من القرى، يقول المؤرخ أحمد وصفي زكريا في كتابه (الريف السوري): ((وقد تهدمت يومئذ قرى الزبداني ووادي بردى، وأعقبها طاعون شديد عمَّ هذه الأنحاء وكاد يقفرها من السكان، ومن ثم يبدو أنّ سكان الزبداني الحاليين حديثو العهد بالمجيء إليها، لا يتجاوز أقدمهم القرن أو القرن والنصف))، وقد وافقه على هذا الاستنتاج بانقطاع الوجود البشري بعد الزلزال عما قبله الأستاذ خالد دهمان في كتابه (الزبداني دراسة إقليمية) فقال: ((وأصاب الزبداني ما أصاب سائر البلاد السورية من خير وشر، ففي زلزال سنة (1173هـ ــ 1759م) عفا عليها الزلزال عن بكرة أبيها)). قلت: لا خلاف على حصول الزلزال وتدميره للكثير من السكان والعمران، ولكن أختلف مع الأستاذين حول الانقطاع السكاني قبل وبعد الزلزال، فهناك عائلات كثيرة كانت موجودة قبل الزلزال وبقيت موجودة بعد الزلزال، فقد اطلعت على وثيقة بيع وشراء لأرض العظيمة في الزبداني، وهذه الوثيقة موجودة عند السيد مصطفى رفاعي عواد موروثة عن آبائه وأجداده لأنّ الأرض تخصهم، والوثيقة تتحدث عن بيع أرض في قرية الزبداني، أرض العظيمة، في شوال 1172هـ، وقد جاء في الوثيقة: ((وجه تحرير الحروف وسبب تسطيره هو أنه في تاريخ اليوم أدناه اشترى السيد إسماعيل الشاب الرشيد الكامل البالغ درجة الكمال بماله لنفسه دون غيره من حسن بن محمود الدروال ومن درويش عبد الحق ومن حسين الدروال، وأن حسن بن محمود الدروال باع الذي اشتراه من حسن آغا شبيب ومن محمد الجودي، وأن درويش عبد الحق وحسين الدروال باعوا أصالة عن أنفسهم ووكالة عن الذين سنذكر أسماءهم وهم: حاج مصطفى المويل وأحمد حمدان وعمر عواد الجودي وإسماعيل ولد موسى مسعد وحمود كنيش وحمود بن أيوب والحاج إبراهيم وهيب وحسن طه ومنصور كنيش وعمر الدروال. والمذكورون آنفا باعوا قطعة الأرض المذكورة العظيمة من طبراق قرية الزبداني، والحاوية على تفاح وعنب وتوت ورباع غيلان وغير ذلك، والتي حدها قبلة الطريق وفيه باب وشرقا الطريق وشمالا مخايل ذيب وغربا الشيخ ملحم التل. وذلك بثمن قدره ثلاثون قرشا الرايجة بحساب الشامية من المعاملة السلطانية من يد المشتري المذكور إلى البايعين، فباعوا البايعين أرضا فيها غرس وأم غيلان واشترى المشتري أرضا وغراسا كما ذكر بيعا باتا تاما وشراء باتا بالإيجاب والقبول من الطرفين والتسلم والتسليم في اليد من غير إجبار ولا إكراه ولا منازع بينهما ولا غبن صادر بينهما، وقد كتب هذا التمسك ليحافظ ولأجل الاحتياج إليه وأن لا يصير بينهما مخالفة ولا غبن وعلى موجبه حجة شرعية على نفسي وسمعي بالله شهيد. وكتب ذلك وحرر في عشرة أيام خلت من شهر شوال الذي هو من شهور سنة ألف وماية واثنان وسبعون (1172). شهود الحال: حسن بن خليل ثابت، الشيخ ابن المخللاتي، عباس التل، إبراهيم أخيه، حسن زعرورة)). فهذه الوثيقة كتبت قبل الزلزال بعام، وفيها إحدى عشرة عائلة كانت موجودة قبل الزلزال وهي مستمرة في الوجود حتى الآن وهم: عواد الجودي، عبد الحق، المويل، حمدان، كنيش، وهيب، طه، ذيب، التل، ثابت، زعرورة. وهذا يدل على أنّ الزلزال لم يكن مدمرا للزبداني بالكامل ويدل على عدم الانقطاع البشري في الزبداني بسبب الزلزال. كما يدل على قدم العائلات الزبدانية الموجودة فيها الآن.
وللتأكيد على هاتين النقطتين: عدم الانقطاع البشري في الزبداني بحدوث الزلزال وعلى قدم العائلات الزبدانية وعراقتها مخالفا بذلك ما كتبه الأستاذين خالد دهمان وأحمد وصفي زكريا فسوف أذكر وثيقة أخرى من وثائق العظيمة، وقد كتبت هذه الوثيقة سنة (1129هـ) الموافق (1717م) أي قبل الوثيقة السابقة بأكثر من أربعين عاما، وموضوعها استئجار أرض العظيمة للعمل بها كما هو معروف عند الفلاحين في موضوع مزارعة الأرض. تقول الوثيقة: ((من ناصر بيك ابن فؤاد بيك من عائلة الكر إلى أولاد مصطفى عواد الجودي وهم خليل وقاسم وأحمد، أنه يغرس جميع الحقل الذي نسميه العظيمة، على مدار سنتين توت وخوخ وتفاح وحور وغير ذلك، وأذن لهم بزراعة تلك الأرض المستأجر ثلثان وصاحب الأرض الثلث، وتفرقوا على ذلك موافقة شرعية على ذلك وعلى رضا، وقبلة الأرض طريق وفيه باب وشرق عيسي بن ذيب وغرب حنا مخايل الأطان وشمال ناصر بيك. وحرر ذلك بحضور أحمد بيك ابن ثابت بيك. وحرر في ربيع الأول سنة تسع وعشرين وماية وألف (1129). حرره ناظم بيك ابن الحاج علي ثابت. شهد بذلك: إبراهيم رجب، إبراهيم ابن ابصم برهان، يوسف علي نصر الله، سعد ابن علي السبسبي)). وفي هذه الوثيقة عائلات لا تزال موجودة إلى الآن مثل: الكر، عواد الجودي، ذيب، رجب، برهان.
وفي سنة (1780م) الموافق (1193هـ) خربت قرية عين التوت الواقعة جنوب غرب الزبداني (5كم) وشمال غرب نبع بردى (1كم) حيث هجرها أهلها وتفرقوا منها نتيجة الغزو المتكرر لها من الدروز من جبل لبنان، وقسم من أهالي عين التوت جاؤوا إلى الزبداني وأقاموا فيها، ذكر ذلك أبو محمود البلوداني في (يومياته) فقال: ((بلغنا أن حوالي ستين رجلا جاؤوا إلى الزبداني مع نسائهم وأولادهم ودوابهم وهم من آل هزار من قرية عين التوت هربا من الدروز الذين غزوا قريتهم وشنوا على القرية غارة على حين غرة وقتلوا الرجال وشتتوا أهل القرية وسلبوا المال والذهب والمتاع وقد جاءت الدروز من جبل لبنان... وقتلوا عددا كبيرا من أهل هذه القرية وقد حملوا أكثر متاعها وحلي نسائها)).
وفي سنة (1786م) الموافق (1200هـ) استدعى الأمير يوسف الشهابي (الوالي) الأمير فارس الشدياق إلى خدمته وأحبه كثيرا. وفي سنة (1788م) ولما مر الأمير يوسف الشهابي ببلاد بعلبك مطرودا من الأمير بشير قاسم الشهابي الذي كان قد أخذ الولاية منه، أرسل الأمير جهجاه الحرفوش رسولا إلى الأمير يوسف الشهابي ليقول له: تحول عن بلادي أو صليت عليك القتال، فارتبك الأمير يوسف الشهابي بالجواب، وكان معه الأمير فارس الشدياق، فقال الأمير فارس للأمير يوسف الجواب عندي، وشتم الرسول وضربه بدبوس من حديد وقال له: اذهب وقل لأميرك: من أنت حتى تمنع الأمير يوسف الشهابي من المرور؟! فهو يأمرك أن تقوم حالا من بلاد بعلبك أو فاجأك برجاله، ولما بلغ الأمير جهجاه هذا الجواب فرّ هاربا إلى بلاد الشرق. وظل الأمير يوسف الشهابي سائرا إلى الزبداني، ثم إلى حوران، وأمر فارس الشدياق أن يقيم بدمشق وكيلا له، ولما وعد الجزار الأمير يوسف الشهابي برده إلى الولاية وحضر لديه إلى عكا كتب الأمير يوسف إلى فارس أن يلحقه إلى عكا، فتوجه ومعه خمسة عشر فارسا، فأغار عليهم في الطريق عرب عنزة والسردية فقاتلهم قتالا شديدا وقتل بعضهم، لكنهم استظهروا عليه أخيرا ورموه عن جواده إلى الأرض، فنشر لهم نقودا ألهاهم بها وفر من بينهم إلى شيخ قعدان البعيش مستجيرا به فأجاره على عادة العرب ورد له فرسانه وكل ما سُلب منهم وبعث معه خمسين فارسا أوصلوه إلى إقليم البلان، ثم سار متنكرا إلى عكا فلحق بالأمير يوسف الشهابي. (تاريخ سورية، المطران يوسف الدبس).
وحينما استلم حكم الزبداني الأمير جهجاه الحرفوش استعان في إدارتها بالشيخ عباس التل الذي كان بينه وبين والي دمشق صلات حسنة، وبعد عباس خلفه ابنه ضاهر التل ثم قاسم التل، واستمرت الزبداني تحت حكم الحرافشة الذين كانوا يجمعون الخراج ويأخذونه لأنفسهم، وإذا استعصى أحد عن الدفع فإنهم يستعملون مختلف الأساليب من سلب ونهب وقتل وطرد، وأحيانا يلجأون إلى التملق والخداع، ويطلقون على هذه الضريبة أسماءً شتى كالخُوِّة أو المساعدة.
وفي سنة (1797م) الموافق (1211هـ) أرسل عبد الله العظم والي دمشق عسكرا إلى البقاع فأرسل الأمير بشير الشهابي أمير جبل لبنان وأحمد باشا الجزار والي عكا عسكرا، فالتقاهم الجزار وأهل البلاد، ووقع القتال في مندرة من قرى البقاع، فانكسر عسكر دمشق كسرة عظيمة وقتل منهم جماعة، ولم يزل عسكر لبنان والهوارة مجدا في آثارهم إلى وادي المجدل، وغنموا خيلهم وسلاحهم، وذهب بعض اللبنانيين وأحرقوا البترونة قرب الزبداني. (خطط الشام، الجزء الثالث).
أواخر القرن الثامن عشر الميلادي (1800م): كان يحكم الزبداني الشيخ عباس التل لصالح الأمير جهجاه حرفوش أمير بعلبك والبقاع، وكانت الزبداني تتبع للوالي العثماني في دمشق.
أوائل القرن التاسع عشر الميلادي: كان يحكم الزبداني الشيخ ضاهر التل ابن الشيخ عباس التل لصالح أمراء بعلبك آل حرفوش.
وفي سنة (1809م) الموافق (1224هـ) غضب والي دمشق العثماني سليمان باشا على الشيخ ضاهر التل فهرب منه ولجأ إلى آل حرفوش أمراء بعلبك والبقاع والأمير بشير الشهابي حاكم جبل لبنان ليتواسطوا له مع والي دمشق، ذكر ذلك الأمير حيدر الشهابي في كتابه (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان) فقال: ((وفي هذه السنة، حينما كان كنج يوسف باشا (الصدر الأعظم) في مدينة حماه توجه إلى مقابلته الأمير سلطان أخو الأمير جهجاه الحرفوش ودفع ثلاثماية كيس على حكم بعلبك مكان أخيه، فقبل الوزير سؤاله وأعطاه ما طلبه ووجه معه جملة من العسكر، فلما بلغ أخيه الأمير جهجاه ذلك أطلق التنبيه على خراب البلاد وأرسل عياله إلى بلاد عكار وحضر برجاله إلى الكرك. ثم في شهر ربيع الأول المصاقب إلى شهر نيسان قدم الأمير سلطان في العسكر الذي معه إلى بلاد بعلبك والتقى مع رجال أخيه بالقرب من الكرك، فانتشب الكون بينهم وقتل من رجال الأمير جهجاه ثلاثة أنفار، وانتقل الأمير جهجاه الحرفوش إلى قرية زحلة وحضر إلى عنده الشيخ ضاهر التل، وقد كنا ذكرنا مسير الشيخ ضاهر بعد ما قتل السُيَّاد في الزبداني أنه توجه إلى بلاد بشارة وحضر له طيبان خاطر من سليمان باشا (والي دمشق)، ورجع واستقام في قرية مشغرة عند المشايخ أولاد ناصيف إلى هذه الأيام. وقد كان الأمير بشير الشهابي يميل إلى الأمير جهجاه الحرفوش ومنشرح خاطره عليه فأعرض إلى سليمان باشا يطلب منه الإسعاف له، وأرسل سليمان باشا يستميل خاطر يوسف باشا على الأمير جهجاه، فكان الجواب بالإيجاب وأن يبقى الأمير جهجاه في قرية زحلة مدة يسيرة لبينما يورد الأمير سلطان القرش الذي أوعد به، فأرسل سليمان باشا إلى الأمير بشير أن يُطمِّن خاطر الأمير جهجاه بما أوعد به يوسف باشا. وبالحال أرسل الأمير بشير إلى الأمير جهجاه يُعرِّفه عن مأمورية سليمان باشا، وبما أن من عادة الأمير جهجاه الاحتساب من الدولة كما جرت له في العادة التيقظ، خشي من ذلك وسار من قرية زحلة إلى قرية عكار. فحين بلغ الأمير بشير قيامه وعدم إركانه استخف به وتركه. ثم أمر إلى الشيخ ضاهر التل أن يرجع إلى قرية مشغرة بعياله ويكون مقيما تحت أنظاره. وأما الأمير سلطان الحرفوش فرجع إلى بعلبك وعمَّر البلاد)).
وفي سنة (1815م) الموافق (1230هـ) شاركت مجموعة من العساكر من الزبداني مع غيرها من المجموعات في عسكر إبراهيم باشا نائب والي دمشق في الحرب ضد عرب الفدعان نواحي حماة لقدومهم من نواحي نجد واستيلائهم على مراعي عرب مهنا الفضلي وعرب الدريعي، ذكر ذلك الأمير حيدر الشهابي في كتابه (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان) فقال: ((وفي هذه السنة حضر إلى بلاد حماة عربان من نواحي نجد في شهر نوار المصاقب إلى جماد الأول، وهذه العربان يكنوا بالفدعان وهم طوايف متفرقة وألقابهم السباعة وآل هدال والجريا والنبى وجملة طواري، والجميع ينتسبون إلى الفدعان، وقد أتوا من بلاد نجد إلى بلاد حماة ونزلوا في الجانب الشرقي من العاصي في أماكن تسمى الشطيب والحميرى وتل علي وتل طوقان، وملوا تلك النواحي، وقد كانوا ينوفون عن العشرين ألف ما بين خيَّالة وزلام. فلما بلغ وزير الشام قدومهم احتسب أن يكون دسيسة من سعود كبير عرب الموهبين الذي تقدم ذكره في تاريخنا هذا حيث أن لم يكن لهم عادة في القدوم لتلك الأرض، بل هي منازل عربان تشيل أثقال ركب الحاج في كل عام لبيت الله الحرام وهما الشيخ مهنا الفاضل وعربه والدريعي وعربه، وبينهم وبين الفدعان عداوة قديمة، والفئتان ينتسبون إلى عنزة جد العرب الأكبر. فأرسل لهم السيد سليمان والي الشام يأمرهم في الرجوع عن بلاد حماة، فاعتذروا أن سبب قدومهم هو ضيق المعيشة في بلادهم، كون لم يكن في هذه السنة عشب لطروشهم، وأنهم قاصدين المرعى شهرين الربيع إذا أراد الوزير، فهم يقيموا ركب الحاج ويأخذون بأقل ما كانوا يأخذون أعداءهم، فلم يرتض الوزير بذلك، وفي الحال جيَّش العساكر الموجودة عنده. وقد كان وقتئذ سليمان باشا والي الشام في مرض الماليخوليا ولم يع على أحد، وإنما كان كتخذاه إبراهيم باشا أمير ميران هو المتولي على تدبير الإيالة، فسار بالعساكر إلى مدينة حماة، وقد كانت عساكرهم نحو ثلاثة آلاف لا غير، وعند نزوله إلى حماة اجتمع إلى عنده مهنا الفاضل والدريعي بعربهما، وآل بعلبك وآل الزبداني، والمللو إسماعيل آغا دالي باش المقدم ذكره في تاريخنا. وإذ لم تكن عساكره بالكفاية إلى قتال تلك العربان أرسل يطلب النجدة من سليمان باشا والي صيدا، فأرسل في الحال أوامر إلى علي بك الأسعد متسلم بلاد عكار أنه يسير في عساكره الموجودة في بلاده إلى نجدة إبراهيم باشا. وقد كانت بلاد عكر حيث إنها من إيالة طرابلوس فصارت تابعة إيالة صيدا كما أتينا بإيراد ذلك. وفي الحال سار علي بيك بنحو ألف خيال إلى مدينة حماة، ثم رحل إبراهيم باشا بتلك العساكر ولم يزل عسكره على أمياه سلميا، ووقع القتال بينهم وبين تلك العربان مدة خمسة عشر يوما وكانوا يتحاربون في ذلك البر كل يوم من الصباح إلى المساء، وبعد تلك الأيام هجمت عرب الفدعان جميعهم على عساكر إبراهيم باشا وتفرقوا في تلك الأراضي، وكانوا خيالتهم لابسين الذروع، وزلمهم يضربون في البارود، وكان لهم خبرة عظيمة بذلك، وكان قتالهم مع عساكر إبراهيم باشا في أماكن متفرقة، ودام القتال بينهم إلى آخر النهار فانكسرت الأرناؤوط والمغاربة ومات منهم ما ينوف على المايتين وكفوا راجعين نحو أوطاقهم. وحين نظر إبراهيم باشا الغلبة على عساكره كف راجعا إلى مدينة حماة وترك أوطاقه، وقام على بيك وإسماعيل آغا ذلك النهار وقتلوا من تلك العربان جملة، وقتل شيخ السبعة وأخذوا جماعة قبال الفية الذين كانوا في مقابلتهم إلى أن دخل المساء، ثم رجعوا إلى الوطاق فوجدوا إبراهيم باشا هرب بعساكره إلى حماة، ولم يكن باقيا في الوطاق سوى مهنا الفاضل والدريعي بعربهما، وعلي بيك الأسعد والمللو إسماعيل في الوطاق، وأكلوا شيئا من الطعام. ثم ركبوا وساروا إلى مدينة حماة، ودخلوا على إبراهيم باشا ولاموه على رجوعه، فاعتذر لهم أن عسكره لم يكن يقيم معه، وكانوا قاتلوا الدريعي ومهنا الفاضل وعربهم قتالا شديدا إلى المساء، وقتل الشيخ فارس بن مهنا وانجرح أخوه. ثم بعد رجوع إبراهيم باشا بعسكره إلى حماة رجع الشيخ مهنا والدريعي بعربيهما إلى غرب حماة، وبعد ذلك حضر إلى إبراهيم باشا إعلام أن عرب الفدعان رحلوا راجعين عن بلاد حماه، ونزلوا على تل السلطان الذي هو ما بين بلاد حلب وبلاد حماة، فلم تحقق إبراهيم باشا قيامهم رجع في عساكره إلى الشام في 20حزيران ورجع على بيك الأسعد إلى بلاده. ثم غزت البعض من خيل الفدعان إلى مهنا فنهبوا بيوتهم وجمالهم ولم يتركوا لهم عقال غير النساء والأولاد)).
وفي أحداث سنة (1819م) الموافق (1235هـ) غضب عبد الله باشا والي صيدا على المشايخ النازحين من جبل لبنان وهم بيت عبد الملك وبيت تلحوق فاستصدر أمرا من والي دمشق سليمان باشا بطردهم فهربوا إلى معربون ومعذر وعين حور من أعمال الزبداني، ذكر ذلك الأمير حيدر الشهابي في تاريخه (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان) فقال: ((ثم إنه خرج سليمان باشا في الحاج الشريف، وفي إقامته بالمزيريب أرسل عبد الله باشا والي صيدا يلتمس منه طرد المشايخ النازحين من جبل لبنان، وهم بيت عبد الملك وبيت تلحوق المقدم ذكرهم، فقبل سليمان باشا كلامه، وبالحال أمر بطردهم من الشام، فأتوا إلى قرية معذر شرقي البقاع وأقاموا مدة قليلة، فأرسل عبد الله باشا إلى والي الشام بأن يطردهم من جميع بلاد الشام، فأمر الأمير أفندي الشهابي حاكم ريشيا بأن يسير بعسكره لطردهم، وإلى الأمير أمين الحرفوش أيضا، وعندما بلغهم قدوم العساكر إليهم فروا نواحي الشرق إلى قارا والنبك. ثم حضر علي عماد من مصر، وعن يده قايمة من كتخذا محمد علي باشا والي مصر تتضمن التوصاه به، وأن مراده الإقامة عند أعياله، فأرسل عبد الله باشا إلى متسلم الشام أن يأمر الشيخ علي المذكور بعدم المقارشة إلى المشايخ المذكورين. ثم وقع كتابات بيد إنسان من الشيخ علي إلى النازحين بأن يحضروا إلى نواحي الشام، وأنه يدبر صوالحهم ويكونوا سوية، فأرسل الأمير بشير تلك الكتابات إلى عبد الله باشا، وأرسلهم عبد الله باشا إلى متسلم الشام، وفي الحال أمر المتسلم بطرد الشيخ علي عماد من الشام. وقد كانوا المشايخ النازحين حين بلغهم حضور الشيخ علي إلى الشام حضروا ووقع لهم أمل بحضوره، وعندما خرج المذكور من الشام مطرودا ساروا الجميع نواحي حوران إلى محل يقال له دير عي، وعندما بلغ عبد الله باشا إقامتهم في بلاد حوران أرسل كتابات إلى قيِّم مقام والي الشام أن المذكورين قصدهم إجراء المفاسد، وأنهم مغضوبيته، وأنه يأمر بطردهم من جميع إيالته، وفي الحال وجه متسلم الشام عسكرا بطردهم، فأتوا إلى قرية معذر، وتخلف عنهم الشيخ شبلي عبد الملك وأخوه وأولادهما لأنه كان مريضا، واختفوا في قرية معربون من بلاد الزبداني. وسار الشيخ علي العماد وزمرته إلى شرقي البلاد، ثم إلى بلاد عكار، فلم يقبلهم علي بيك الأسعد أن يقيموا في بلاده لأنه سبق أوامر إلى جميع البلدان من عبد الله باشا بطردهم، فرجعوا إلى البقاع، واجتمع رأيهم أن يحضروا إلى المتن. وعند وصولهم إلى قرية كفر سلوان قابلوهم أهالي القرية المذكورة بالبارود وطردوهم، فرجعوا إلى البقاع وأقاموا في قرية معذر. وعندما بلغ الأمير بشير الشهابي رجوعهم ومسيرهم إلى المتن لأجل إبداء المفاسد وجه إلى طردهم ولده الأمير أمين وصحبته عسكر من البلاد في 11 تشرين أول، ولم يشعروا به حتى دهمهم على غفلة لقرية معذر، فهربوا منه إلى نواحي الزبداني. وقد كانت لحقتهم سباقة الخيل وصار بينهما بعض قواسات، فانجرح الشيخ كنج بن الشيخ حمد تلحوق، وقتل رجل من أتباع حمود أبو نكد، وقتل راسين خيل معهم، وقتل رجل من عسكر الأمير أمين من الذين كانوا قد سبقوا العسكر، وقتل راس خيل إلى فارس أبو حاتم. ولم يزالوا في هزيمتهم إلى بلاد الشرق. وبات الأمير أمين بعسكره في قرية عين حور، ثم إلى قرية معربون، ثم إلى جبة عسال الورد. وحين تحقق أخبارهم أنهم بعدوا عن شرقي الشام رجع بعسكره إلى قرية زحلة، ثم إلى محله، ورجع عسكره كل مين إلى محله، وأما أولئك النزاح المذكورين فكان رجع أكثر الذين كانوا صحبتهم من أهالي البلاد، فأمر الأمير بشير في إقامتهم في محلاتهم، ولم يؤذيهم ولا أجرى قصاصهم. وقد كان الشيخ شبلي عبد الملك وأخوه وأولادهما من بعد رجوع النزاح من المتن فارقوهم من البقاع وأتوا لمحل الشيخ بشير جنبلاط لكي يتراموا على الأمير في الصفح عنهم، فلم يأمر الأمير في قبولهم، وأمر الشيخ بشير بطردهم فساروا إلى بلاد حوران. وأما أولئك المشايخ النزاح المذكورين لم يزالوا في مسيرهم إلى قرية الهيجاني شرقي الشام، ثم أقاموا عند عرب السردية في قرية الهيجاني مدة يترددون إلى أراضي حوران)).
وفي سنة (1820م) الموافق (1236هـ) ضاف الأمير بشير الشهابي عند الشيخ ضاهر التل في الزبداني، وكان الأمير في طريقه إلى حوران هاربا من عبد الله باشا والي عكا.
وفي شهر أيار من سنة (1821م) الموافق لشهر رمضان من سنة (1237هـ) حصلت معركة في قرية المزة بالقرب من دمشق بين أمير جبل لبنان بشير الشهابي ومعه عبد الله باشا والي صيدا من جهة والعساكر الشامية التابعة لوالي دمشق درويش باشا، وكان الشيخ ضاهر التل من المشاركين في هذه المعركة، ذكر ذلك الأمير حيدر الشهابي في تاريخه (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان) فقال: ((وفي ذلك النهار السبت الذي وصل به الأمير بشير بعساكر عبد الله باشا إلى المعضمية، خرج عسكر الشام إلى قرية المزة وصحبته الأمير حسن والأمير سلمان وأولادهما والشيخ علي عماد ومن يتبعه والأمراء بيت الحرفوش والشيخ ضاهر التل، وكان عسكرهم ينوف على الثلاثة آلاف. وعند صباح نهار الأحد في 6 رمضان المصاقب 14 نوار انتخب الأمير بشير من عسكره ألفين، ومن عسكر عبد الله باشا الدالاتية والهوارة، وسار الأمير بذلك العسكر إلى قرية المزة، وعند وصوله أحاط بالقرية من كل جانب، وتحصنوا عساكر الشام بالحصار بالضيعة المذكورة، وانتشبت الحرب وعظم الصياح، ورمى عساكر الشام على عساكر الأمير بالمدافع والزمبركات، فعند ذلك هجم الأمير بشير ومن معه هجمة واحدة فهدموا أسوار القرية لأنها كانت مبنية من اللبن وملكوا الضيعة. وعندما شاهدت عساكر الشام هجمة عساكر الأمير وعبد الله باشا فروا مهزومين ولم يسلم منهم إلا القليل، ومات ما ينوف عن المايتين وخمسين نفر، واستأسروا نحو خمس مائة أسيرا، وباقي عسكر الشام راحوا بين مهزوم ومجروح، واحتوى عسكر الأمير على وطاقهم والجبخانا والمدافع والزمبركات وجميع الخيل)).
وفي أحداث أيلول سنة (1821م) الموافق محرم سنة (1237هـ) أرسل الأمير بشير الشهابي حاكم جبل لبنان جماعته لطرد الأمير حسن العلي والأمير سلمان وكانا في الزبداني، ذكر ذلك الأمير حيدر الشهابي في تاريخه (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان) فقال: ((في محرم المصاقب شهر أيلول بعد وصول الأمير بشير الشهابي إلى قرية إهدن، أرسل مايتين خيَّال صحبة أولاد عمه إلى بلاد بعلبك على طريق المسقية لأجل طرد الأمير حسن العلي والأمير سلمان اللذين تقدم شرحهما في تاريخنا هذا، وعندما بلغهما حضور ذلك العسكر إلى مدينة بعلبك، وقد كانوا أولئك الأمراء وقتئذ في الزبداني، ففروا هاربين إلى بلاد الشام، ومكثوا في قرية منين. ثم رجع عسكر الأمير بشير من بلاد بعلبك إلى قرية الهرمل لأجل طرد الأمير سلطان وأخوه الأمير أمين الحرفوش والشيخ حمود حمادة الذين كانوا تظاهروا في الخيانة مع بيت حمادة حين كان الأمير في بلاد حوران، وعند وصول الخيل إلى بلاد بعلبك التقى بهم الأمير نصوح ابن الأمير جهجاه الحرفوش الذي كان وقتئذ حاكما على بلاد بعلبك من قبل والي الشام، والتقى بعسكر الأمير وساروا سوية إلى بلاد الهرمل، وقبل وصولهم هرب الأمير سلطان وأخوه الأمير أمين لنواحي بلاد عكار. وأما الشيخ حمود حمادي فحضر لمقابلة الأمير ملحم شهاب الذي كان عقيد على عسكر الأمير بشير، فطمنه بانشراح خاطر الأمير بشير عليه، ثم رجع ذلك العسكر إلى عند الأمير بشير وصحبتهم الأمير نصوح، فترحَّب به الأمير بشير وأكرمه)).
وفي أحداث آذار سنة (1822م) الموافق شوال سنة (1237هـ) ذكرت الزبداني في سياق الصراع بين المشايخ من بيت عماد والأمير بشير الشهابي حاكم جبل لبنان، ذكر ذلك الأمير حيدر الشهابي في تاريخه (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان) فقال: ((وفي ذلك الوقت حضروا إلى البقاع المشايخ بيت عماد ومعهم نحو ثلاث مية من دولة الشام، وقبضوا على أربع خيَّالة من أتباع الأمير بشير الشهابي، وقتلوا اثنين من بيت أبو علي حسن، يقال للواحد أبو علي والثاني محمد، ثم باتوا تلك الليلة. وعند الصباح رجعوا إلى الزبداني احتسابا من أن الأمير بشير يوجه لهم عسكر)).
تعليقات
إرسال تعليق