التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الزبداني في العهد العثماني "2"

وفي سنة (1100هـ) الموافق (1689م) قام الشيخ عبد الغني النابلسي برحلته المشهورة (حلة الذهب الإبريز في رحلة بعلبك والبقاع العزيز)، حيث بدأ رحلته بزيارة رأس النبي يحيى عليه السلام في الجامع الأموي، ثم زار الشيخ محيي الدين بن عربي في صالحية دمشق، ثم زار قبتي نصر وسيّار في الربوة،
ثم مر بقرية دمر، وزار قرية كفر السوق من وادي بردى، ومر بقبري قابيل وهابيل قبل وصوله إلى التكية، ثم زار قرية التكية جنوب الزبداني وكانت خراب يومها، ثم زار نبع بردى، وبعد ذلك زار الزبداني وفيها مزار العدل السلمي وعليه قبة عظيمة، ثم زار قبر جسد النبي يحيى عليه السلام في قرية الدلة وفيها جامع بجوار القبر على تلة رابية حيث كانت تلك القرية عامرة يومها، ثم مر بقرية عين حور وهي خراب يومها، وكان في طريقه إلى قرية سرغاية. ثم زار قرية النبي شيت، ثم وادي بَلِيتار، ثم قرية يونين، ثم رأس عين بعلبك. ثم زار بعلبك ووصف قلعتها وبعض الأماكن فيها. ثم توجه إلى البقاع العزيز فزار قرية تمنين وبعدها قرية نبي الله أيلا، ثم توجه إلى قرية كرك نوح عليه السلام. ثم زار قرية سعد نائيل. ثم قرية ثعلباية. ثم قرية قب إلياس. ثم مر بعين الصالحين في جبل لبنان. وبعدها مر بعين العابد. ثم عين المضيق. ثم جبل لبنان. ثم ذوق البصلية. ثم زار قرية كفريا في جبل لبنان. وكذلك زار قبر الشيخ عبد الرحمن الرمثاني وقبر السيدة مريم بنت عمران عليها السلام. ثم زار وادي الجوز وقرية بيت فار في جبل لبنان والتي يقال أن التنور فار منها. ثم زار قرية جب جينين. ثم قرية كامد اللوز. ثم زار قرية لم يسمها فيها قبر يعقوب المنصوري. وفي طريق عودته إلى دمشق زار قرية حمَّارة، ثم قرية عيثا الفخار، ومر بعين ينطا، ثم مر بعين ميسلون، ومر بعدها بقرية الديماس وكانت قرية خرابا في ذلك الوقت، ثم زار قرية دير مقرن من وادي بردى وفيها مزار الشيخ هلال، ثم نزل بقرية عين الفيجة فوصفها وأجاد في وصفها، وبعد ذلك زار صالحية دمشق الشام التي منها ابتدأ الزيارة. فلنقرأ هذا النص الذي كتبه الشيخ عبد الغني النابلسي منذ أكثر من ثلاثمائة سنة ففيه الكثير من المتعة والحقائق عن مدينة الزبداني وبعلبك وقرى البقاع. يقول الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه: ((لقد يسر الله لنا السير إلى أرض البقاع العزيز، التي هي بالنسبة إلى فضة مائها كالذهب الإبريز، بقصد زيارة ما فيها من الأنبياء والأولياء الصالحين المتميزين بالكمالات أكمل تمييز، بارك الله تعالى لتلك الأرض ببركتهم في مدها والقفيز، فأضاف إلى ذلك ذهابنا إلى بلدة بعلبك المحروسة، والاجتماع بما فيها من المزارات المأنوسة، ورؤية ما لنا هناك من الأصحاب والأحباب، ولم يكن لنا قبل ذلك إلى تلك الجهات ذهاب، وقد سمينا جمعيتنا هذه حلة الذهب الإبريز في رحلة بعلبك والبقاع العزيز، وكان ذهابنا إلى ذلك مع جماعة كرام، ذوي شهامة واحتشام، من أهل دمشق الشام، حرسها الله تعالى على مدى الأيام، فخرجنا من البلاد قبل طلوع الفجر، رغبة في حصول الثواب والأجر، وذلك في يوم الثلاثاء المبارك الخامس عشر من ذي القعدة الحرام، سنة ألف ومائة من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام. فأول ما توجهنا إلى زيارة رأس يحيى بن زكريا عليهما أشرف التحيات من الملك العلام، ودعونا الله تعالى في ذلك المزار في الجامع الأموي للخاص والعام.

ثم أدينا حق الجيرة لأن بيتنا بجوار الجامع الأموي، كما أشار إلى ذلك جد والدنا شيخ الإسلام إسماعيل النابلسي، لا زال مشمولا برحمة الرب القوي، حيث ما قال في تاريخ البناء وهو من ألطف النبأ. ثم إننا توجهنا بعد ذلك من جهة باب البريد، وركبنا خيولنا بمعونة الله تعالى متوجهين إلى ما نريد.


حتى قدمنا إلى صالحية دمشق الشام، وتراءت لنا بشائر القبول من نحو هاتيك الخيام، التي هي مزارات السفح المبارك مطارح شعاعات الأرواح الكرام، أرواح الصالحين المودعة في جبل قاسيون الحرية بالجلال والإكرام، وقصدنا زيارة الشيخ الأكبر، والكبريت الأحمر، قطب العارفين، وحدقة عيون الأبرار والمقربين، الشيخ محيي الدين بن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي، قدس الله سره، وأعلى في درجات القرب مقره، فصلينا هناك في ذلك الجامع المعمور، صلاة الصبح بالجماعة وحصلنا إن شاء الله تعالى على كمال الأجور، ثم زرنا تلك الحضرة المباركة، التي لم تزل مهبطا لأنوار الملائكة، وتوجهنا إلى زيارة شيخنا الشيخ محمود والشيخ يوسف القميني، بفتح القاف وكسر الميم مخففة نسبة إلى القمين وهو أتون الحمام لمبيته به، وكانت زيارتنا لهما في مقامهما الجديد، ومقامهما الذي ينمو إشراقه لهما ويزيد، ودعونا الله تعالى هناك بدعائنا المذكور، للإناث والذكور، ومكثنا حصة حتى كملت رفقتنا وتم لنا السرور، وشربنا القهوة واستعملنا الفطور، وحصلت لنا القوة وزال عنا الفتور، ثم سرنا على سنت ذلك السفح وأشرقت علينا بركات هاتيك القبور. ودعونا الله تعالى ونحن ذاهبون، ومشينا بعيوننا وقلوبنا على تلك التربة ونحن راكبون، ثم وقفنا في جانب ذلك الطريق وقرأنا الفاتحة إلى روح الشيخ أبي بكر بن قوام صاحب المعرفة والتحقيق، وأرواح من ساكنه وضاجعه في ذلك المقام الذي هو بأنواع الخير حقيق، ودخلنا إلى مزار الشيخ محمد الزغبي قدس الله سره، ودعونا الله تعالى عنده، وقصدنا بركته ورفده، وكان خادمه الشيخ محمد مريضا فعدناه، وأضافنا بما تيسر، من خبز وصعتر. ثم ركبنا وتوجهنا على طريق قبة السيّار، في جبل قاسيون المتشعشع بالأنوار، وفي رحلة العلامة الشيخ حسن البوريني رحمه الله تعالى المسماة بالمنازل الأنسية في الرحلة الطرابلسية قال: وقبة السيّار قبة عظيمة مشرفة على جانب الربوة وعلى دمشق، ويوجد بها نسيم يحيي الفؤاد السقيم، وغالب أهل دمشق لا يعرفون قبة السيّار إلى من تنسب، وكذلك قبة النصر، والذي في التاريخ أن سيّارا والد نصر، ونصر بن سيّار مشهور في التاريخ، وكان كل منهما أميرا بالشام في زمن الخلفاء العباسية، وبنى سيّار القبة المذكورة، وجاء ولده بعده أميرا فبنى القبة المعروفة به الآن، وغالب أهل دمشق يقولون: إن القبة المشهورة بقبة النصر كانت لقلاوون المنصوري، والحال أنها بناء الأمير نصر كما ذكرنا، لكن الله تعالى يعلم أن قلاوون أقام بها أياما لأجل صحة الهوى بها حين أبلّ من علة لحقته، انتهى. ومررنا على قرية دمر، بضم الدال المهملة وتشديد الميم المفتوحة. ومشينا إلى الصحراء حتى وصلنا إلى قرية الكفر كفر السوق، من غير أمر يعوق، والكفر بفتح الكاف ويكون الفاء من الأرض ما بَعُد عن الناس، والأرض المستوية، والنبت ذكره في القاموس. ونزلنا على حافة ذلك النهر، وحمدنا الله تعالى في السر والجهر، ثم صلينا هناك صلاة الظهر، ومر علينا نائب القاضي ببعلبك وهو ذاهب إلى الشام، وقعد عندنا يتجاذب معنا في بعض الأمور أطراف الكلام. ثم مررنا في الطريق على قبري قابيل وهابيل ابني آدم عليهما السلام في مكان عالي، كأنه كوكب متلالي، قال المسعودي في تاريخه المسمى بمروج الذهب ومعادن الجوهر المنتخب: إن قابيل أول مولود لآدم حينما هبط من الجنة وهابيل ثاني مولود له، واختلف في الاسم فقيل اسمه قاين لا قابيل وإليه ذهب الأكثر من أهل الكتب وغيرهم، ومنهم من روى أن اسمه قابيل وهذا قول فريق من الناس، والأغلب ما قدمناه. ويقال: إنه اغتاله في برية قاع، ويقال: إن ذلك كان بأرض الشام من بلاد دمشق، انتهى.

ثم كان مرورنا بتكية الدورة، بفتح الدال المهملة وسكون الواو والتاء المستديرة، وهي في أرض سهلة ذات اخضرار، كأنها جنة القرار، ورأينا التكية المذكورة وهي خراب، بعدما كانت عامرة ووقفها يجري عليها للمارة بها على وجه الصواب. ورأينا بيوت التركمان نازلين بالقرب منها، على ذلك الماء الجاري من غير بعد عنها.

إلى أن وصلنا إلى منبع نهر بردى، فإذا هو ينبع في تلك الصحراء، ثم يجري ماؤه الزلال على هاتيك الأرض الخضراء، ونزلنا بجنب عين تسمى عين الحداد، وماؤها العذب البارد على حرارة الأكباد، في مجلسنا ذلك حتى صلّينا الفريضة. ثم ركبنا الراني، وصلينا إلى قرية الزبداني، وكانت الشمس أخذت في التباعد والتداني، وهي مائلة إلى الغروب، ومؤذنة بسرور القلوب، فبتنا في جماعة أثار غروب الشمس لطلوع الضيفان هممهم العالية، وروائحهم التي تفوق روائح الغالية، فتذكرت المثل المشهور الذي تختم بالمسك فواتحه، من عاشر الزبداني فاحت عليه روائحه. ثم بتنا بها تلك الليلة المباركة، يقطع سرورنا على الهم مسالكه، ثم أصبحنا في اليوم الثاني يوم الأربعاء وقد صلينا الصبح، فجاء إلى عندنا وغسل بحسن وجهه من ذلك الليل ظلمة القبح، كبير تلك الجهات ورئيسها، وجوهر أصداف تلك النواحي ونعيسها، الشيخ مصطفى المعروف بابن التل، وأضافنا في ذلك اليوم وتلك الليلة، ثم ذهب بنا إلى بستانه نتفيأ ظلاله ومقيله، فإذا هو بستان كثير الفواكه والثمار، متسع الجوانب والأقطار، وفيه من ألوان ما تستلذ به الأنفس والأبصار. وزرنا في قرية الزبداني مزارا عليه قبة عظيمة، محكمة في بنائها مستقيمة، وقد دفن فيها الشيخ نجيب الدين العدل السلمي رحمه الله تعالى.

ثم لما أصبحنا في اليوم الثالث وهو يوم الخميس، ركبنا وركب معنا الشيخ مصطفى المذكور وولده وجماعة كثيرون كأنهم الخميس، إلى أن وصلنا إلى جامع الدلة، بكسر الدال المهملة وتشديد اللام المفتوحة، وهو في رأس جبل عالي، وعنده قرية لطيفة تشير إلى البناء السابق في الأيام الخوالي، فحين أقبلنا عليها، وإذا برجل من أهلها متردد إليها، وعليه سيماء الصالحين، فاستبشرنا برؤيته وقلنا: إننا إن شاء الله في هذه الزيارة من المقبولين، ثم دخلنا إلى داخل ذلك الجامع المبارك، بمعونة الله عز وجل وتبارك، وإذا في داخل الجامع مغارة يقال: إن فيها جثة يحيى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فنكون في زيارتها قد زرنا يحيى عليه السلام على التمام، وتم لنا الأجر من الله تعالى على ذلك وكمل لنا الإنعام، وقيل: إن تلك المغارة موصولة بمغارة الأربعين التي في جبل قاسيون، وعليها جلالة ومهابة على أبلغ ما يكون، فصلينا هناك تحية المسجد بالهيبة والسكون، ودعونا الله تعالى بأنواع الدعاء لجميع إخواننا أن الصعب عليهم يهون. ثم نزلنا إلى أسفل ذلك الوادي، وحدا بنا إلى تلك النشأة حادي، وجلسنا على حافة تلك العين اللطيفة، وشربنا من ذلك الماء الذي يكاد يلطف النفوس الكثيفة، ثم نزل إلينا ذلك الرجل المتقدم ذكره فإذا هو خادم جامع الدلة، بنفس على الكمالات مستدلة، واسمه الشيخ أحمد، وسيرته أفضل وأحمد، وهو رجل من الصالحين، معه عهد الخلوتية أهل المعرفة واليقين، فجلس عندنا يجري جداول الفوائد، ويدير رحى الوقائع والزوائد، حتى أنه أخبرنا بوجود ولد خلقه الله تعالى من غير أب، وأمه بكر عذراء في قصة طويلة مستغربة الابتداء والانتهاء، فكان ذلك نظير ما وقع لمريم في قصة عيسى عليهما السلام، والله تعالى على كل شيء قدير وهو الملك العلام، ثم إنه ذكر كلاما كثيرا في أن الولاية مع الجهل غير نافعة، ومرتبة التقوى والصلاح إذا لم تقرن مع العلوم الشرعية لم تكن رافعة، واستطرد فذكر لنا قصة عن رجل من الصالحين، كان رفيقا لأبيه يعبد الله تعالى في ذلك الوادي المبارك حينا بعد حين، وكان من علو همته في صدق الحال، أنه يطير من شاهق إلى شاهق بين هاتيك الجبال، ولكن عبادته كانت على جهل، واستقامته كانت عرضية من غير أصل، حتى عرض له إبليس في يوم من الأيام، ليوقعه في مهالك الضلال ومهاوي الآثام، وذلك أنه قام مرة فتوضأ في ماء ذلك الوادي، وصلى ركعتين لله تعالى بنفس راغبة وقلب إلى معارج القرب صادي، ثم إنه لما فرغ من صلاته دعا الله تعالى فوجد صلاته قد وضعت في وعاء من العيدان، يشبه السلة التي يوضع فيها الفواكه من جميع الألوان، ثم إنها رفعت إلى السماء وغابت عنه في ذلك الحين، وسمع النداء من جهة العلو على التحقيق منه والتعيين، بأنه رب العالمين، يقول له: يا عبدي قد قبلت منك هاتين الركعتين، وأسقطت عنك جميع الصلوات في عمرك كله فأفرح به قلبك وأقرر العين، فاطمأنت نفسه إلى ذلك القول المسموع، وانشرح صدره به وخشعت جوارحه وسالت الدموع، فذكر هذه الواقعة لرفيقه وصديقه، والد الشيخ أحمد المذكور حيث كان يسايره في سيرته وطريقه، فقال له والد الشيخ أحمد: هذا هو الشيطان، تلبس عليك لأنه إبليس، ليوقعك في مهالك الطغيان، فإياك إياك أن تعتقد صدق ما قال لك من الكلام، فإن القول بإسقاط العمل مع وجود شروط التكليف كفر وآثام، وأيضا فإن كلام الله تعالى بلا حرف ولا صوت، وليس له انقضاء ولا فوت، فصمم على ما كان يعتقده من قبل ذلك، ولم يقبل النصيحة لكمال جهله بما هنالك، وجزم بما كان له معتقدا، من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، ثم إنه بعد مدة أدركه الأجل المحتوم، وهو على ذلك الحال المعلوم، فقام رفيقه والد الشيخ أحمد المذكور، فسعى في تجهيزه وتكفينه ودفنه بين هاتيك القبور، وحضرته جماعة من المسلمين، للتبرك به على حسب ما هو معروف عندهم من صلاحه والدين، فأراد الشيخ أحمد أن يظهر ما عنده من الكلام، في حق ذلك الرجل فألزمه والده بالسكوت والإكتتام، وقال له: استر الحال، ولا تفضح الرجل بعد موته بين الرجال، فإنه ربه أولى به وبأمثاله، وهو أعلم به وبمجاله، قال الشيخ أحمد: فامتنعت أنا من الصلاة عليه ومن حضوره، لعلمي بحاله الذي كان عليه في ورده وصدوره. ثم ذكرنا له فيما يضارع ذلك من قصة الشيخ عبد القادر الجيلاني، قدس الله سره الصمداني، ونور ضريحه المشتمل على ذلك الهيكل الرباني، وذلك أنه كان سايرا في بعض السياحات، وقد أدركه العطش وبلغ منه الجهد في الفلوات، فرأى سلسلة من الفضة تعلق بها كوز من الذهب وهي مدلاة من السماء بأعذب ماء، وسمع صوتا من العلو يقول له: يا عبد القادر قد أبحنا لك ما حرمنا عليك، فأدركته عناية الله تعالى برعاية العلم الشرعي، فقال: ليس ذلك إليك، وصرح بلعنه وتقبيحه، ولم يخف عليه تلبيسه ومكره، وعرف باطل القول من صحيحه، وكان ذلك ببركة العلم الحافظ للولاية، ومعونة الله تعالى له في البداية والنهاية.

ثم إننا صلينا الظهر بالجماعة في ذلك الوادي، تحت جامع الدلة على العين المشروعة للصادر والصادي. ثم ركبنا وذهبنا إلى قرية سرغاية، فينا فرسان كثيرون من أهل الشهامة والحماية، رفقة ولد الشيخ المذكور واسمه الشيخ ظاهر، له الكمال الباهر، والأصل الطاهر، ومررنا في الطريق على عين من الماء صافية، يجلب الشرب منها للعليل أنواع العافية، وهناك قرية خراب اسمها عين حور، بضم الحاء المهملة وسكون الواو وآخرها راء. ثم لم نزل سائرين، ونحن في لطائف المسرة وتحف الانسجام واللين، حتى دخلنا قرية سرغاية المباركة، وتلقتنا جماعة من أعلها متداركة، وأظهروا لنا غاية الإكرام والترحيب، فنزلنا في مكان عال عن العذول والرقيب. فبتنا ليلة الجمعة في تلك القرية، إلى أن زال عن صدق الصباح من ظلام الليل مرية. وقد وجدنا في قرية الزبداني رجلا من أرباب السياحة، فكنا نستعذب انبساطه معنا وانطراحه، وكان رجلا من فقراء الأروام، عليه سيماء الصالحين وفيه شنشنة الكرام، فسار معنا إلى أن بلغ هذه القرية المذكورة، وله همة في المسير كأنما تدعوا إليه الضرورة، فأخبرنا أنه مرض مدة في مغارة الأربعين في جبل قاسيون، حتى ظهرت له رؤيا منامية رآها جماعة صالحون، فنزعوا عنه ثيابه التي كان يلبسها، وأمروه بمفارقة تلك الرفقة التي كانت تؤنسه وكان يؤنسها، وأن يخرج في الحال، ويقصد الترحال، وتكررت له هذه الرؤيا ثلاث مرات، فكانت دليلا على اجتماعه معنا في أحسن الحالات، وقد أخبرنا أن له عشرين سنة في السياحة، وقد استحسن في الأرض تردده وذهابه ورواحه، وأخبرنا أنه وجد الثلج ينزل من السماء على ثلاثة ألوان، في أقطار متفرقة بقدرة الرحيم المنان، ثلج أسود وثلج أصفر وثلج أبيض، وذلك من أعاجيب القدرة، وباهر الحكمة المؤذنة بالنذرة، وقد فارقنا هذا الرجل في هذه القرية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزبداني في العهد العثماني "1"

استولى العثمانيون على بلاد الشام بقيادة السلطان سليم الأول عام (1516م) الموافق (922هـ) بعد معركة مرج دابق شمال حلب، وأتبعت الزبداني وأعمالها إلى والي دمشق.