التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الزبداني في العهد اليوناني "2"

(2) خربة الدلة: تقع بين الزبداني وبلودان وعين حور (شمالي شرقي الزبداني)، وذات آثار يونانية، فاسمها يوناني (دالي)، وبهذا الاسم مدينة في قبرص، ومدينة في اليونان الجنوبية في ولاية إيليزوس. وقرية الدلة قد تهدمت تماما نتيجة الحرب الدائرة بين الفرس والروم في
سنة (608م) وحتى سنة (611م)، ولكن بعد انتهاء الحرب قام أهالي الدلة بإعادة بنائها. وجاء في كتاب (نزهة الأنام في محاسن الشام) للبدري من مؤرخي القرن التاسع الهجري أنّ الدلة اشتهرت بزراعة الورود وصناعتها، وكان ماء الورد الذي يصنع فيها يُباع في القاهرة ومكة. ثم تخربت هذه القرية في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي)، وتفرق أهلها في القرى الزبدانية. قلت: الراجح أن الدلة تخربت مع كفر عامر مع غيرهما من القرى في الزلزال الكبير الذي أصاب الشام ولبنان سنة (1173هـ) الموافق (1759م)، لأن الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه (حلة الذهب الإبريز في رحلة بعلبك والبقاع العزيز) سنة (1100هـ) الموافق (1689م) ذكر ما يدل على أن قرية الدلة كانت عامرة في ذلك التاريخ فقال: ((إلى أن وصلنا إلى جامع الدلة، بكسر الدال المهملة وتشديد اللام المفتوحة، وهو في رأس جبل عالي، وعنده قرية لطيفة تشير إلى البناء السابق في الأيام الخوالي، فحين أقبلنا عليها، وإذا برجل من أهلها متردد إليها، وعليه سيماء الصالحين، فاستبشرنا برؤيته وقلنا: إننا إن شاء الله في هذه الزيارة من المقبولين، ثم دخلنا إلى داخل ذلك الجامع المبارك، بمعونة الله عز وجل وتبارك)).

(3) دير النحاس: وهي خربات يونانية قديمة عظيمة (تقع في الشمال الشرقي من الزبداني بين الزبداني وبلودان)، وقد وجد فيها المستشار الفرنسي للزبداني المسيو كريستيان تمثالا لأسد كبير وعلى جانبه الواحد كتابة يونانية، فجلبه إلى الزبداني وأجلسه في دار حكمه، ثم نقل إلى متحف دمشق، وأنا (الخوري أيوب نجم سميا) شاهدته في دار حكمه عام (1929م). وذكر الخوري السابق أن بدير النحاس بقايا أنقاض معبد آرامي حيث بني الدير على أنقاض المعبد الآرامي، ومن هذه الأنقاض حجر بطول ستة أذرع وعلو متر، وقاعدة عمود ضخم تبلغ المتر والنصف علوا والمتر عرضا وطولا، وبقايا أحجار مكسرة، وقال: إن الراجح في هذه الخرابة أنها كانت معبدا للإله زابادوني قبل تحولها إلى دير ثم اندثارها.  

(4) الكبري: تقع في شمال شرقي الزبداني حيث دير النحاس ونبع العرق، وهناك خرابات معبد آرامي قديم كان متصدعا لما استولى اليونان على سوريا فبنوه واستعملوه، ويظهر أنه إما عملوا بقربه معملا للنحاس أو اكتشفوا معدن النحاس في ذلك المكان فسموا المكان بلغتهم اليونانية (KYPRI) ومعناها: النحاس الأصفر، وسموا جزيرة قبرص بهذا الاسم لكثرة وجود النحاس فيها، ولما ساد العرب فهموا معنى الاسم الكبري وقالوا: خربة النحاس، والشعب المسيحي قال: دير النحاس.

ثم خضعت البلاد الساحلية الفينيقية لحكم السلوقيين وكانت تشكل جزءا من هذه المملكة التي كان مركزها أنطاكية في سوريا، ودامت تحت حكمهم أكثر من مائة سنة (198 ــ 82 ق.م)، واتصف تاريخ حكم السلوقيين في المائة سنة الأخيرة بالفوضى والحروب الأهلية والصراع بين عدد من المتنافسين للاستيلاء على الحكم، وطيلة فترة حكمهم كانوا يحاولون فرض نفوذهم على ساحل البحر الأبيض المتوسط حتى وصلوا إلى مصر السفلى واحتلوها بقيادة أنطوخيوس الرابع وانتصروا على الجيوش المصرية في معركة عند حصن بلوزيوم ووقع ملك مصر أسيرا في أيديهم. أما القسم الجبلي من لبنان والبلاد في شرقي الساحل فإنّ السلوقيين لم يهتموا بأمره بل تركوه وشأنه كما فعل غيرهم من الفاتحين السابقين، ففي سنة (70ق.م) استطاعت القبائل العربية الإيطورية أن تؤسس لها ملكا مستقلا في هذه المنطقة ولم تعترف بسلطة السلوقيين وكان مركزها حمص، واستطاعت هذه القبائل الإيطورية أن تؤسس لنفسها ملكا مستقلا في سورية المجوفة (البقاع وتوابعه)، وكانت عاصمته (كلشيش عنجر)، والإيطوريون قبائل عربية وإنما لغتهم الآرامية، وكانت بلاد الإيطوريين تتسع أحيانا لتشمل أقساما من لبنان الشرقي وفلسطين.

وقد جاء في كتاب (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) للدكتور جواد علي ما يلي: ((وورد في (سفر المكابيين الأول) اسم سيد قبيلة عربية هو (زبديئيل) (زبدايل) (زبديل)، وكان يقطن في (ديار العرب)، كما جاء ذلك في السفر المذكور. ذكر السفر اسم هذا الرئيس وهو يتكلم على فرار (ألكسندر بالاس)  Alexander Balas  إلى (ديار العرب)، وكان قد مني بهزيمة أوقعه بها بطلماوس (Ptolemy)، عمه أي والد زوجته. وكان قد تخاصم معه. فلما وصل (ألكسندر بالاس) إلى (ديار العرب)، قبض عليه (زبديئيل)، وقطع رأسه، وأرسله إلى (بطلماوس). ولم يتحدث السفر المذكور عن منزل (زبديئيل)، ولم يحدد مكان (ديار العرب)، وعندي أن المراد بديار العرب (بادية الشام)، والأرضيين التي دعاها الأشوريون بأريبي  Aribiوهي موطن آمن لمن يصل إليه، إذ يصعب للجيوش النظامية أن تقاتل فيها. وقد كان (زبديئيل) من رؤساء البادية في هذا الزمن. وهو حوالي منتصف القرن الثاني قبل الميلاد. وكان الحاكم على اليهود هو (يوناتان) من المكابيين. ولما وقعت الحرب بين يوناتان المكابي (161ـ 143ق.م) وديمتريوس الثاني، ضرب (يوناتان) العرب المسمين بالزبديين Zabadaeans وأخذ منهم غنائم كثيرة. حدث ذلك في سنة (144 ق.م). ويرى بعض علماء التوراة أن هذه القبيلة العربية قبيلة (زبد) (زبيد) كانت تنزل في موضع في شمال غربي دمشق، ويرى بعض آخر احتمال أن ذلك المكان هو (الزبداني)، الذي يبعد عشرين ميلا من الشام على طريق دمشق بعلبك. وأرى أن من المحتل أن يكون هؤلاء (الزبديون) هم سكان (زبد)، وهو خرب في الزمن الحاضر، يقع بن قنسرين ونهر الفرات)).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزبداني في العهد العثماني "1"

استولى العثمانيون على بلاد الشام بقيادة السلطان سليم الأول عام (1516م) الموافق (922هـ) بعد معركة مرج دابق شمال حلب، وأتبعت الزبداني وأعمالها إلى والي دمشق.