وفي سنة (854هـ) الموافق (1450م)، كتبت وثيقة حجة القفزة في قرية كفر عامر. وتقع هذه القرية شمال الزبداني على بعد (4كم)، وقد اندثرت هذه القرية بالزلزال الذي حدث سنة (1173هـ) الموافق (1759م). والذي يظهر أن أكثر من نصف سكان الزبداني الآن تعود أصولهم إلى
تلك القرية، ومعظمهم جاء إلى الزبداني منذ أربعة قرون إلى خمسة قرون وعلى فترات متعددة. والوثيقة تسلط الضوء على التركيبة السكانية لقرية كفر عامر في الزمن الذي كتبت فيه، وقد كتبت بألفاظ عامية زبدانية ربما لعدم وجود من يكتب بالفصحى أو للدقة والأمانة في النقل كما هو معهود في الأمور القضائية في بلادنا حتى الآن. ومناسبة كتابة الوثيقة هو نوع من التنافس الديني بين السكان المسلمين في عيد للمسيحيين لإثبات من هو الأكثر عمقا وولاية في الدين كما هو معروف في الطرق الصوفية، فمن كان من أولياء الله أو كان منتسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من يظهر على يديه أشياء خارقة كالطيران في الهواء كما هو الحال في هذه الوثيقة. وللدقة والأمانة فقد نقلت هذه الوثيقة كما هي مبقيا على ألفاظها العامية ذات الجمال الأدبي والتاريخي بالنسبة لي وربما بالنسبة لكثير من القراء. ويظهر في هذه الوثيقة التعاضد الإسلامي المسيحي بين السكان حيث إن التنافس بين مسلمين في عيد للمسيحيين ويتخذ المسلمون من المسيحيين شهودا على وثيقتهم. وقد جاء في الوثيقة: ((وجه تحرير الحروف وسبب تسطيره هو أنه في يوم تاريخ أدناه قد وقع خلاف في عيد نصاره بين الشباب، الفاذل يقول أنا وحيات راس، وقد اجتمعت أهالي كفر عامر كلها حاره حاره في ذقاق حسين بن السيد مصطفى طنطاوي، الذي أول الذقاق حجر رملي وآخر الذقاق الذي في ضمن دار مريم بنت حسين الحيدري في راس الذقاق، واجتمعت الأهالي الفاذل يقول إنه وحيات راس، فنهض من بين الفريقين علي الأصيف ابن السيد يوسف طنطاوي هو وأولاد عمه إلى تم البوابة ونده وحيات جدي ساكن طنطا ما واحد بيتكلم أبدا. كبار الطوايف: مصطفى الغتمي، وحسين الأنصب، والخوري حناه الأبيض، والخوري مخايل الأطان، والشيخ صالح وقاسم الحيدري، ومعطي عواد الجودي، وسيف الموالي، وعيسى التل. وباقي الجموع وقفت وماذا تريد يا سيد علي الأصيفي فجاوب في تلك الحال نكتة ظفره الذي بيحلج على فردا اجر من تم البوابة إلى راس الذقاق وبيرجع إلى هذه وبفذ من هنا إلى العتبة يكون الكلام، لا واحد يقول إنه إبدا، وحطو الفذة وصاروا يطلعوا إلى بلغوا خمسماية وعشرون واحد، لم يغضر واحد يجيبها، وفذها علي الأصيف إلى الأسكفة الذي يفذهم مصطفى الموالي وعمر ابن السيد معطي عواد الجودي. فطلع السيد مصطفى الموالي يحلج على رجل واحده إلى راس ويرجع قبل ما وصل صرخ: يا جدي يا رسول الله، وفذ في تلك وصار بينه وبين البوابة إيراط ونص. فنهض عمر عواد الجودي في تلك الحال ووقف على القبلة وقرأ الفاتحة وهداها وطلع كأنه طير من سما على فرد رجل ورجع وصرخ يا جدي يا أحمد وقام يخرج من تم البوابة، فنهض علي الأصيف وقال: هيهي، فرد عليه عمر قال: والله لولا إنك عيطت لكنت جبتها في غيضة بيت الأنصب. وحرر ذلك في شهر نيسان (854) سنة أربع وخمسون وثمان ماية. حرره علي الأصيفي. شهد بذلك: مصطفى الغتمي. شهد بذلك: الخوري حناه الأبيض. شهد بذلك: مصطفى القثقثي. شهد بذلك: حسن الغتمي. شهد بذلك: الخوري مخايل الأطان)). (هذه الوثيقة موجودة عند السيد مصطفى رفاعي عواد).
حوالي سنة (855هـ) الموافق (1451م) زار الزبداني الإمام السخاوي (محمد بن عبد الرحمن) صاحب كتاب (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع)، وذلك أثناء رحلته في طلب العلم في المدن الشامية، فقال في كتابه (الضوء اللامع) في ترجمة نفسه: ((ثم ارتحل إلى حلب، وسمع في توجهه إليها بسرياقوس والخانقاه وبلبيس وقطيا وغزة والمجدل والرملة وبيت المقدس والخليل ونابلس ودمشق وصالحيتها والزبداني وبعلبك وحمص وحماة وسرمين وحلب وجبرين، ثم بالمعرة وطرابلس وبرزة وكفر بطنا والمزة وداريا وصالحية مصر والخطارة، وغيرها شيئا كثيرا من قريب مائة نفس))، كما ذكر في ترجمته لأحمد العداس أنه ترافق معه في طريقه إلى الزبداني، فقال في (الضوء اللامع): ((أحمد العداس: شيخ دمشق صالح مبارك أعجوبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يهاب في ذلك أحدا وله فيه أتباع ووقائع شهيرة مع عاميته، وهو الذي بنى الجامع بدمشق خارج باب النصر منها بمعاونة أهل الخير وكان محله قبل ذلك حانة، وقد لقيته بدمشق وترافقت معه في أثناء طريق الزبداني، وكذا رأيته بالقاهرة حين قدومه إياها، مات بعد عصر يوم الجمعة ثالث رمضان سنة خمس وستين ودفن من الغد بمقبرة باب الفراديس رحمه الله)).
وفي سنة (856هـ) الموافق (1452م) توفي الشيخ الصالح زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي داود، وكان قد عمر خانا في قرية الحسينية من وادي بردى في قضاء الزبداني وكان هذا الخان على طريق دمشق وبعلبك وطرابلس يأوي إليه المسافرون كما سهل وعزل عقبة دمر وغيرها من الطرق، وقد ترجم له النعيمي في كتابه (الدارس في تاريخ المدارس) تحت عنوان الزاوية الداودية فقال: ((الزاوية الداودية بسفح قاسيون تحت كهف جبريل: أنشأها الشيخ الصالح العالم الرباني زين الدين عبد الرحمن ابن الشيخ أبي بكر بن داود القادري الصوفي الصالحي، ميلاده سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة قال بعضهم: أنشأ هذه الزاوية التي لا نضير لها بدمشق وعمّر خانا بقرية الحسينية من وادي بردى على طريق بعلبك وطرابلس يأوي إليه المسافرون وسهل وعزل عقبة دمر وغيرها من الطرق، وعمر مدرسة أبي عمر الصالحية لما كان ناظرا عليها وكذلك البيمارستان القيمري، وكان ذا مكانة زائدة عند الحكام شاما ومصرا ذا نفع متعدد يساعد المظلوم والمظلومين عند الظلمة ويصدهم عنهم، وكان يتردد إليه نائب الشام وأعيانها، وكان مشاركا في علوم وله عدة مصنفات لم يأت الزمان من أبناء جنسه بمثله انتهى. توفي رحمه الله تعالى من غير علة ولا ضعف ليلة الجمعة تاسع عشرين شهر ربيع الآخر سنة ست وخمسين وثمانمائة عن نحو من ثلاث وسبعين سنة من غير ولد ذكر، ودفن بزاويته هذه، والذي في حفظي أن الذي أنشأها أي هذه الزاوية الداودية هو الشيخ أبو بكر والده وكانت وفاته رحمه الله تعالى سنة ست وثمانمائة انتهى)).
وفي أحداث سنة (873هـ) الموافق (1469م) ذكر الإمام السخاوي في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) السلطان الزبدانية، وذلك في سياق ترجمة الأمير المملوكي أزبك من ططخ، فذكر أنه لما تم تعيين أزبك نائبا على الشام من قبل السلطان الظاهر بلباي في القاهرة، أحضر الأشرف الأمير المذكور إلى القاهرة فبرز أعيان وأكابر الديار المصرية لملاقاته وكان من بينهم السلطان الزبدانية، فقال السخاوي: ((أزبك من ططخ الأشرفي ثم الظاهري. جلبه الخواجا ططج من بلاد جركس فاشتراه الأشرف برسباي في سنة أحدى وأربعين (841) وكان مراهقاً ثم انتقل لولده العزيز واشتراه الظاهر جقمق، وسمع وهو إذ ذاك عند الأمير تغري برمش الفقيه نائب القلعة في صفر سنة خمس وأربعين (845) على ابن الطحان وابن ناظر الصاحبة وابن بردس، ووصفه التقي القلقشندي وهو القارئ في الطبقة بقوله: وهو لا يفهم من العربي كلمة، وكذا سمع على الأخيرين مع شيخنا (ابن حجر) ترجمة عبد الرحمن بن أزهر من المسند بالقراءة أيضاً إلى غير ذلك، وأعتقه أستاذه ورقاه بحيث جعله ساقياً ثم عمله أمير عشرة في سنة اثنتين وخمسين (852) ثم من رؤوس النوب، ولم تطل مدته حتى قبض عليه الأشرف أينال لكونه ممن قاتل مع ابن أستاذه في القلعة وحمل إلى الإسكندرية فأودع بها مدة ثم نقل إلى صفد فأودع بها ثم أطلق في أوائل سنة ثمان وخمسين (858) ووجه إلى القدس بطالاً فأقام به على طريقة جميلة، ولقيته هناك فأظهر تألمه من جماعة من المقادسة، ولم يلبث أن فرّج الله عنه وأحضره الأشرف في سنة إحدى وستين (861) بسفارة الجمالي ناظر الخاص، واختص بابن السلطان حتى كان يركب معه للصيد إلى أن أنعم عليه بعد قليل في التي تليها بإمرة عشرة جيدة، واستمر في الترقي إلى أن صار أحد المقدمين، فلما أن قتل الظاهر خشقدم عظيم الدولة كان من جملة المقدمين الذين سيرهم إلى الإسكندرية، وعاد صاحب الترجمة في أوائل سنة ثمان وستين (868) على تقدمته فلم يلبث إلا يسيرا واستقل حاجب الحجاب في تاسع جمادى الأولى منها، فدام فيها قليلا ثم نقل إلى رأس نوبة النوب عوضاً عن تمربغا في أواخر رمضان من التي تليها (869)، فلما كان في أواخر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين (872) أرسله الظاهر بلباي لنيابة الشام، وما كان بأسرع من استقرار الأشرف المشار إليه في المملكة فرسم بإحضاره وكان وصوله في عشري صفر من التي تليها (873) وارتجت الديار المصرية لذلك حتى كان لقدومه من السرور ما لم يعهد نظيره غالباً وبرز الأكابر والأعيان فمن يليهم لملاقاته إلى قطيا فما فوقها ودونها بل نزل إليه السلطان الزبدانية ليلاً وابتهج به أتم ابتهاج وجلس معه ساعة بل ووضع بين يديه النمجاة وقال له: أنت أحق مني فدعا له واستقر به في الأتابكية عوضاً عن جانبك قلقسين لتخلفه في القبض عليه عند سوار وبالغ الأمير في الامتناع لكونه حيا، ورسخت قدمه فيها وتكرر سفره قبل ذلك وبعده للبحيرة لعمل مصالحها غير مرة وللقبض على الأخذ لملاقاة الحجيج في سنة اثنتين وسبعين وللتجار يد مراراً متعددة وكذا للحج)). قلت: ولم أقع على ترجمة للمذكور السلطان الزبدانية وما هي علاقته بالزبداني!.
وفي سنة (875هـ) الموافق (1471م) توفي العيثاوي الزبداني، وترجم له الإمام السخاوي في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) فقال في ترجمته: ((علي بن محمد العلائي الصالحي الدمشقي العيثاوي، نسبة لعيثا بالقرب من الزبداني، قيم الموالة. كتب عنه البدري في مجموعة قوله:
حبيت كوسى ينور بالملاحة دعد * حلو المحيا فحم قلبي بفاحم جعد
خلتو ووجهو وفي بدور حميو يا سعد * قمر لعب بقضيب البرق فوق الرعد
وكان راغباً في نقل التصانيف الغربية إلى مصر من الشام وعكسه، وبيده بعض جهات، مات سنة خمس وسبعين تقريباً، يحرر أهو من ترجمة هذا)). قلت: وعيثا هي عيتا الفخار، وهي على الحدود اللبنانية السورية من جهة لبنان بعد التقسيم الفرنسي لسورية وإلحاق أجزاء كبيرة من سورية بجبل لبنان من أجل صناعة ما يسمى بلبنان الكبير.
وقد ذكر ابن طولون الصالحي في كتابه (مفاكهة الخلان في حوادث الزمان) مقدم الزبداني ووادي بردى عز الدين بن العزقي في أحداث سنة (885هـ) الموافق (1481م) فقال: ((وفيه أطلق مقدم الزبداني ابن العزقي من السجن بسفارة شخص يدعى سيدي عمر بن النيربي التاجر الحلبي، المقيم الآن بدمشق، وكان في السجن من حريق الجامع قد أشرف على القتل، فخلصه الله تعالى على يد هذا الرجل، لأن له دخلا في الدولة)). ثم ذكره في حوادث سنة (893هـ) الموافق (1489م) فقال: ((وفي بكرة يوم الاثنين حادي عشريه بلغنا أن مقدم الزبداني ووادي بردى، عز الدين بن العزقي، هجم هو وجماعته على المقدم محمد بن باكلوا في بيت من قرية دمر، فقتله، وقتل معه جماعة آخرين، ونهبت بلاد كثيرة، وسبي حريم كثيرة، ولا قوة إلا بالله، وكان ابن باكلوا ترك التقدمة، لكن لما جاء النائب خدمه ابن العزقي فرسم عليه، ووعده بالتقدمة، فلما سافر النائب إلى التجريدة العثمانية عهد إلى دواداره جندر بأن يوليه إذا كمل المال الذي عليه، فكمل مبلغ ألفي دينار، فلما ورد كتاب الأمير الكبير أزبك أتابك العسكر بالتوصية بابن باكلوا أرسل الدوادار جندر إلى ابن باكلوا وخلع عليه، فخرج إلى البلاد، وعصى عز الدين المذكور وتتبع ابن باكلوا إلى أن قتله، بعد أن حرق ابن باكلوا قرية الصبورة لكون أهلها من جهة ابن العزقي)). ثم ذكره في حوادث سنة (894هـ) الموافق (1490م) فقال: ((وفي يوم الثلاثاء سابع عشره بعث النائب سرية، فيهم دواداره جندر، على الصالحية للقبض إلى مقدم الزبداني عز الدين بن العزقي، فهاش عليهم وعلى الدوادار، فضربه أحدهم بسيف فرمى رقبته، وأتوا برأسه وثيابه إلى النائب، فنودي عليه وعلق في المشنقة، وفرح غالب الناس بذلك لكونه كان ظالماً، وهو الذي قتل في العام الماضي المتقدم ابن باكلوا، واستمرت جثته ملقاة بالصالحية إلى أن خرج النائب للسلام على ابن أخت السلطان الأمير تمراز، وقد دخل يومئذٍ دمشق من البلاد الشمالية من التجريدة، وأطلع النائب على الجثة المذكورة فأمر بأن تعلق في شجرة توت بالقرب من اليغمورية)). ثم ذكر ابن طولون الصالحي أن نائب دمشق عيّن مقدما للزبداني ووادي بردى في ذي القعدة من سنة (894هـ) وهو ابن السابق فقال: ((وفيه (يعني ذي القعدة) ولي النائب مقلد بن عز الدين بن العزقي، مقدمة وادي بردى وما والاها، مكان أبيه المقتول لعصيانه المتقدم ذكره، وهذا الابن طفل)).
وفي أحداث (889هـ) الموافق (1484م) ترجم الإمام السخاوي في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) لابن زريق الزبداني الأصل فقال في ترجمته: ((محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن القرشي العمري العدوي، المقدسي الدمشقي الصالحي الحنبلي الزبداني الأصل، ويعرف كأبيه بابن زريق - بضم الزاي وآخره قاف مصغر. ولد في شوال سنة اثنتي عشرة وثمانمائة (812) بصالحية دمشق ونشأ بها، وقرأ في سنة سبع وثلاثين بجامع قارا على خطيبها النجم عبد الكريم بن صفي الدين وغيره، وبمسجد الحاج بدر خارج حماة على الشمس محمد بن أحمد بن الأشقر، وبحمص على الشمس محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي السلمي القادري، وبحلب على حافظها البرهان الكثير كسنن النسائي وابن ماجه والمحدث الفاضل ومشيخة الفخر وعشرة الحداد وغيرها قراءة وسماعا، وبالقاهرة في سنة ثمان وثلاثين على شيخنا (ابن حجر) والمحب بن نصر الله الحنبلي والجمال عبد الله الهيثمي، وكان أخذ عن شيخنا قبل ذلك بدمشق، وحج مرارا أولها في سنة سبع وعشرين وزار بيت المقدس، وناب في القضاء عن النظام بن مفلح فمن بعده ثم رغب عنه أيام البرهان بن مفلح واستقر في مدرسة جده أبي عمر بعد ابن داود ودرّس بها، واجتمعت به بدمشق وبالقاهرة غير مرة وحدثني من لفظه الزبداني بأحاديث من مشيخة الفخر، ثم حدث بعد ذلك بكثير من الكتب بقراءة التقي الجراعي وغيره، وممن سمع منه العلاء البغدادي، وكذا حدث بأشياء في القاهرة حين طلبه إليها من الأشراف قايتباي في سنة تسع وثمانين (889) بسبب مرافعة بعض مستحقي المدرسة، وأقام في الترسيم مدة على مال قرر عليه شبه المصادرة وقاسي شدة وهدد غير مرة بالنقي وغيره وتألمنا له ثم رجع إلى بلاده)).
وذكر الزبداني أبو البقاء عبد الله البدري، من علماء القرن التاسع الهجري، توفي سنة (894هـ) الموافق (1489م)، في كتابه (نزهة الأنام في محاسن الشام) فقال: ((ومن محاسن الشام (المقسم) الذي تنقسم منه السبعة أنهار، وأصله من ينابيع (عيون التوت)، وإليها يشير برهان الدين القيراطي بقوله:
عندي لأرض دمشق فرط صبابة* فسقى حماها الرحب صوب غيوث
وعيوننا لفراق مشمشها حكى * جريان أدمعها (عيون التوت)
ويمر (بردى) على قرية الزبداني كالبحر، إلى أن يلتقي على قرية (الفيجة) الفيحاء بمياه ينبوعها، وما أحسن قول الشيخ برهان الدين القيراطي في وصف الزبداني:
دمشق وافى بطيب * نسيمها المتداني
وصح قول البرايا * من عاشر الزبداني)). قلت: قول برهان الدين القيراطي (من عاشر الزبداني) هو جزء من المثل السائد في الزبداني منذ قرون وهو (من عاشر الزبداني فاحت منه رائحة التفاح) أو (من عاشر الزبداني فاحت منه روائحه)، فقد اشتهرت هذه البلدة بتفاحها ذي الطعم اللذيذ واللون الجميل والرائحة الذكية، وهو التفاح السكري الكبير الحجم ويجمع لونه بين الأخضر والأحمر والأصفر، وهذا الصنف صار من النوادر الآن لانتشار زراعة الأصناف الحديثة الإفرنجية من التفاح كالكولدن والستركن. وكان تفاح الزبداني يصدر إلى مصر والعراق والحجاز ولذلك كان يُنسب إلى دمشق (جلق)، ذكر الصفدي في كتابه (الوافي في الوفيات): ((حكى بعض المسافرين فقال: مررت يوما ببعض شوارع القاهرة وقد حضرت جمال كثيرة حمولها التفاح من الشام، فعبقت روائح تلك الحمولة فأكثرت التلفت إليها، وكانت امرأة سائرة أمامي ففطنت لما داخلني من الإعجاب بتلك الرائحة، فأومأت إليّ وقالت: هذه أنفاس ريّا جلقا)). قلت: وقول هذه المرأة: هذه أناس ريا جلقا، استعارة من قول أبي فراس الحمداني في دمشق:
يا نسيما هبّ مسكا عبقا * هذه أنفاس ريّا جلقا
كف عني والهوى ما زادني * برد أنفاسك إلا حرّقا
وفي موضع آخر من (نزهة الأنام) ذكر البدري اشتهار الزبداني بصناعة الورد إضافتها إلى إنتاجها للفاكهة فقال: ((وقرية الزبداني هي قلعة الورد، يستخرجون بها ماء ورد القاهرة المحروسة ومكة المشرفة وغيرهما من البلاد، وكذلك فاكهتها هي المنقولة إلى القاهرة المحروسة وغيرها)).
وفي موضع ثالث من (نزهة الأنام) ذكر البدري بين النهرين وهو الموضع الذي يتفرع فيه نهر بردى قريبا من نهاية وادي بردي وأول دمشق فقال في وصفه: ((ومن محاسن الشام (بين النهرين) وهو مبتدأ الوادي، ويشتمل على فرجة سماوية بها دور وقصور وسويقة بها حانوت طباخ وصاجاتي وقطفاني وفقاعي وحواضري وفاكهاني وشوا وقلاجين وسكرداني ونقلي وقاعة لبن وعدة للجلبية وحمام يشرح صدور البريد، وقنطرة يتوصل منها إلى جزيرة لطيفة، من رأسها ينقسم نهر بردى فيصير نهرين، والمقسوم منه نهر الصالح المعتقد الشيخ أرسلان أعاد الله علينا من بركاته وعلى المسلمين طول الزمان، وبها مقصفان للبطالين، وفيما بين المقسمين وقبالهما زاوية للشاب النائب يقام بها السبت والثلاثاء من الأوقات بالوعاظ والدواخل ما يصير الحاضر غائبا، ويتوصل إلى زقاق الفرايين المشتمل على قاعات وأطباق وغرف وكم رواق، والجميع يطل على ما بين النهرين. ولكل مكان من ذلك ناعورة يستلذ صاحبها بأنسها وتجلب له الماء إذا سمع بحسها))، ثم ذكر مجموعات من الأشعار لعدد من الشعراء في التغزل بهذه النواعير.
وفي موضع رابع من (نزهة الأنام) ذكر البدري ربوة دمشق وهي أول قرية من قرى وادي بردى من جهة دمشق فقال فيها: ((ومن محاسن الشام محلة (الربوة)، قال بعض المفسرين: الربوة أحدثها بنو كنعان وابتدأوها، وهي المذكورة في قوله تعالى: (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) يعني مريم وعيسى عليهما السلام، وإنما قيل لها ربوة لأنها مرتفعة مشرفة على غوطتها ومياهها، وكل راب مرتفع على ما حوله يقال له ربوة، ومنه تربية الصبي لترفعه في النفس والجسم، والمعين الماء الذي يخرج من الأرض. وفي الربوة مغارة لطيفة بسفح الجبل الغربي وبه صفة محراب يقال أنه مهد عيسى عليه السلام يزار وينذر له، وبها جامع وخطبة ومدارس وعدة مساجد، وبها قاعات وأطباق وعين ماء يقال له (الملثم) ومرابط للدواب، وبها سويقتان قاطع بينهما نهر بردى، وبها صيادو السمك يصطادون، والقلائين على جبل النهر يقلونه، ويُذبح فيها كل يوم خمسة عشر رأسا من الغنم خلاف ما يجيئها من اللحم من المدينة، وبها عشرة شرايحية ليس لهم من الشغل غير الطبخ والغرف في الزبادي والصحون، وكل ما تشتهيه الأنفس فيها، وبها فرنان وثلاثة حوانيت برسم عمل الخبز الشوري، وأما الفواكه فلا قيمة لها فإني اشتريت الرطل بربع درهم، وكذلك الرطل الدمشقي من المشمش مثله، والتفاح كذلك، وبها حمّام ليس على وجه الأرض نظيره لكثرة مائه ونظافته، وله شبابيك تطل على النهر، وهو مبني ما بين الأنهر من فوقه ومن تحته، وبها طارمة المسجد الديلمي الذي جدده نور الدين الشهيد، وله أوقاف على قراء ووعاظ وقراءة البخاري وغير ذلك كالمؤذن والفراش والبواب والوقاد.. وبها القاعة التي بناها نور الدين الشهيد، وهي على شعب جبل متختة بألواح من خشب، سقفها نهر يزيد وأساسها من تحتها نهر ثورا، ومنظرها من الغايات التي لا تدرك، وقبالها في الجبل الغربي ضريح العاشق والمعشوق، وعليهما صومعتان مبيَّضتان، وبينهما سبعة مقاصف، وفي كل مقصف من الثريات والمصابيح والغطاء والوطاء ما لا يحتاط به الوصف حتى أن بعض الناس يطلع إليها ليتنزه فيها يوما فيقيم بها شهرا، وجبلاها متقابلان متلاقيان عليها، الجبل الغربي بذيله دف الزعفران، والجبل الشرقي رأسه مثل الجنك، ولهذا أطنب الشعراء في وصفهما)).
وفي موضع رابع من (نزهة الأنام في محاسن الشام) ذكر البدري (الحواكير) فقال فيها: ((ومن محاسن الشام (الحواكير) وهي كالحدائق في سفح جبل قاسيون، فإن الفاصل بينه وبين جبل الربوة عقبة قرية دمر التي بحد قبة سيّار، يقال: إن سيّارا هذا وبشارا كانا يتعبدان على رأس هذين الجبلين اللذين للربوة، وكأنهما كانا من أصحاب الخطوة، فإذا أراد أحدهما الاجتماع بالآخر يضع قدمه على جانب الجبل والآخر عند صاحبه، فكأنهما كانا يمشيان في الهواء، فبنوا لهما هاتين القبتين على هذي الجبلين. وكان حكماء اليونان ازدرعوا هذه الحواكير بالرياحين والأزهار في سفح جبل قاسيون لحكمة، وهي أن النسيم إذا مر بها يحمل منها من طيب الريح ما استطاع ويسري به إلى من تحتها من أهل المدينة والسكان)). قلت: وعلى طريقة حكماء اليونان قمنا بازدراع معمل دمر للاسمنت قريبا من المكان الذي يسميه البدري الحواكير، وفي آخر الليل من كل يوم تقوم الرياح بحمل رائحة الكبريت إلى دمشق عبر جبل قاسيون، فيحس بها كل من يسكن حي المهاجرين.
وفي موضع خامس من (نزهة الأنام) ذكر البدري فاكهة القراصيا الفيجية نسبة لقرية الفيجة من أعمال الزبداني فقال: ((ومن محاسن الشام (القراصيا) وهي سبعة أصناف: رشيدية، بعلبكية، إفرنجية، رومية، طعامية، بزرية، وفيجية نسبة لقرية عين الفيجة، وهي تحمل منها إلى السلطان بالديار المصرية، وأحسنها البلدية المنسوبة لوادي مكرم وهو بين الربوة إلى تحت صحن المزة)).
وفي أحداث سنة (894هـ) الموافق (1489م) ذكر الإمام السخاوي أنه لقي المحدّث والفقيه والعالم الإقباعي الزبداني في مكة المكرمة مجاورا، وترجم له في كتابه (الضوء اللامع في أهل القرن التاسع) فقال في ترجمته: ((عبد الله بن علي بن محمد بن محمد، الزبداني الأصل، الدمشقي، الشافعي، ويعرف بالإقباعي. ولد بعد سنة خمس وثلاثين وثمانمائة ونشأ بدمشق، فقرأ القرآن عند جماعة منهم ابن النجار وخليل اللوبياني وسعد الله أمام الصخرة وتلا عليهم للسبع جمعا وعلى غيرهم للعشر أفرادا، وأخذ الفقه عن البلاطنسي وخطاب والنجم ابن قاضي عجلون، والنحو عن الشهاب الزرعي والعلاء القابوني، والأصول عن الزين الشاوي واشتغل كثيرا، وحج غير مرة، وجاور، ولقيني بمكة في سنة أربع وتسعين وثمانمائة فسمع علي جملة بل قرأ علي بحثا من أول ألفية العراقي إلى المرفوع وباقيها سردا، وحدثته بالمسلسل بالأولية وبقراءة الصف وبالمحمدين وبحديث زهير العشاري وبحديث فيه الأئمة الثلاثة وبحديث عن أبي حنيفة، وسمع علي قطعا من الكتب الستة وغيرها وبتصانيفي في ختم البخاري ومسلم وغيرها، وكتبت له إجازة في كراسة، ومن محافيظه المنهاج وألفية الحديث والنحو وكذا الأصول للبرماوي والحاجبية والشاطبية والأجرومية والرحبية وإيساغوجي وغيرها، وأقرأ النحو وغيره بالمسجد الحرام، وتكسب في بلده، ونعم الرجل فضلا وصلاحا وتقشفا وانفرادا ومحاسن)).
وفي أحداث سنة (904هـ) الموافق (1498م) ذكر ابن طولون الصالحي في كتابه (مفاكهة الخلان في حوادث الزمان) مقدم آخر للزبداني غير السابق وكان يتعاون مع الأمراء المماليك ضد أهالي دمشق فقال: ((قال شيخنا المحدث جمال الدين بن المبرد الصالحي: وقد أرسل الدوادار آقبردي وهو بميدان الحصى يحاصر دمشق في هذه السنة، بعد أن كسر الأنهر التي تدخل إلى المدينة، من بانياس والقنوات وشبههما إلى أهل الصالحية، يتوعدهم مرات بالكبس والقتل والحرق والنهب، وهم في أراجيف منه، ثم كتب كتابا يقول فيه: إلى كل واقف عليه من أهل الصالحية، من قضاتها وعلمائها ومشائخها وأكابرها، الذي نعلمكم به أنكم قد نزلتم إلينا وقاتلتمونا، فإن كنتم تريدون أن نكف عنكم فلينزل إلينا منكم مائة نفس يقاتلون معنا كما قاتلتمونا، وإلا فلا تلومون إلا أنفسكم، على أنا طلبنا منكم وضع ما معنا من النساء والنقل عندكم، ونحن بالمصطبة لما وقع الحصار من جهة العنابة أولا، فأبيتم وعفونا عنكم تلك المرة. قال: فسألوني أهل الصالحية في الذهاب إليه فامتنعت، وقال كل من ندب لذلك إن ذهب ذهبنا معه؛ ثم سألني بعضهم أن أكتب له جواب ما أرسل به، فكتبت جواباً مطولاً ذكرته في كتابي: صبر الخمول على من بلغ أذاه إلى الصالحين من أولياء الله، وأرسلته مع قاصد إلى عند أينال الفقيه نائب حلب، فقال له: أنتم منكم أكثر من مائتين يقاتلونا، فقال له القاصد: لا والله، فقال: وإن أقمت بينة أن أكثر من مائة منكم يقاتلوننا أضربك، فقال: وأنتم في عسكركم أكثر من مائة منا يقاتلون معكم، فسكت. وكان نائب حلب في الحصار وهذه الفتن من أجود الناس وأقلهم شراً، ويبلغنا عنه الكلام الجيد والأمر الطيب والكف عن الشر جهده، بخلاف الدوادار آقبردي ومن معه من المصريين، وكان أشد الناس عليهم نائب القلعة فإنه بذل نفسه وجميع أموال القلعة وعددها؛ وكان غيره من الأتراك لا يغنون شيئاً، إنما يلبسون ويدورون داخل البلد، ولا يخرج أحد منهم إلى الدوادار وجماعته، وهو يقول: هؤلاء العلوق المخابثة، ما أحد منهم يقدر يواجهني أو يفتح عينه في عيني. ولم يسعف نائب القلعة غير العوام، خصوصاً أهل الشاغور، فإنهم برزوا للدوادار عن شر كثير وأذاقوه البلاء الزائد، وعضدتهم مماليك نائب الشام المتوفى قانصوه اليحياوي، حتى بلغني عن الدوادار أنه قال: ما كنت أظن أن أحدا من العوام يقدر على القتال هكذا، وكانوا يظهرون على سور دمشق ويسبونه ويوبخونه وينادون عليه: يا غراب، لكونه أسمر، ما فاعل، ما صانع، وهو يتألم من ذلك، وينكبت منه. ولم يتمكن من البلد بشيء، مع أنه التف عليه من المقدمين شيخ بلاد نابلس حسن بن إسماعيل، ونائب بعلبك ابن الحرفوش، ومقدم الزبداني، وغيره ابن باكلوا، وكبير المرج خالد الغزلاني، ومقدم التيامنة ابن بشارة، وبالجملة فكان أكثر من معه طائفة اليمنية وكان هؤلاء الذين معه يفسدون ويقطعون الطرقات، وأكثر منهم فساداً وقطعاً للطرقات نائب غزة آقباي، فكانوا يأخذون أموال الناس ودوابهم وحصل منهم الأذى العام، وخصوصاً ابن باكلوا منهم، حتى قتل بقرية دمر رئيسها وكبيرها ابن مرجوح، وكان يطعم الطعام على الطريق وهو رجل جيد غير أنه من حزب القيسية. قيل: وبالحصار قتل تنم الحاجب الثاني بدمشق مع أنه كان يتهم أنه في الباطن من حلف الدوادارية، والأصح أنه لم يعلم قاتله، ثم إني رأيت في ليلة الاثنين رؤيا تدل على ذهاب هذه الشدة، وحكيتها للطلبة في الدرس، وقلت: لا يأتي يوم الجمعة إلا وأمره قد انفصل)).
وفي أحداث سنة (912هـ) الموافق (1506م) ذكر ابن طولون الصالحي في كتابه (مفاكهة الخلان في حوادث الزمان) أن قرية الفيجة ودير مقرن كانتا وقفا على الزاوية السيوفية في دمشق فقال: ((وفي يوم الجمعة مستهل ربيع الآخر منها أتى رجل أعجمي من بلاده، وقد أثبت أنه شريف، وأنه من ذرية سيدي أحمد الرفاعي، فدل على زاوية السيوفية بالصالحية الموقوف عليها وعلى ذرية السيوفي شيخها، قرية الفيجة وقرية دير مقرن، لأنه انتهى للسلطات أنها شاغر، ليس لها ناظر، فأخرج له مربعة باستقراره في النظر والمشيخة بها، وأتى بذلك إلى النائب بحضرة القضاة ومفتية دار العدل، فقال الشافعي: يرجع إلى كتاب الوقف فيعمل بما تضمنه. والحال أن سيدي أحمد بن الرفاعي لم يكن له عقب، ولم يكن شريفا، وليست بشاغرة، بل أحد نظارها عمي العلامة جمال الدين بن طولون الحنفي الصالحي، مفتي دار العدل الشريف، وهو حاضر وعنده كتاب الوقف؛ فلم يساعد القاضي الشافعي أحد من الحاضرين، بل اتفق الحال على أن النائب يأتي إلى الزاوية وينظر في أحوالها، فأتى وحده إليها، ولم يعلم أحدا، فأكرمه هذا الرجل الأعجمي وجماعته، وأظهروا أن ناظرها مقصر، وأنه قد خرب ما بجوارها من العمارة، وأنه من جملتها. والحال أنها عامرة والخراب إلى جانبها بتربة بناها الملك الناصر يوسف، بنيت قبلها بدهر وأما هذه الزاوية فبنيت في أيام ابن قلاوون، ومساعد على ذلك، مراعاة لخاطر النائب، العواني عبد الله بن القوعوني، واستمر هذا الأعجمي فيها واستولى على الوقف المذكور باليد، وأظهر الانتصار، وأراد أن يغتصب كتاب الوقف من عمي ابن طولون المذكور، فلم يطلع من يده)). قلت: وقد استغربت من كلام ابن طولون الصالحي أن الشيخ أحمد الرفاعي لم يعقب، ولم يكن من الأشراف المنسوبين، فرجعت إلى المؤرخين فوجدت أن هذا الكلام صحيح، فقد ذكر الإمام الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) ما يلي: ((وفيات سنة ثمان وسبعين وخمسمائة. حرف الألف أحمد بن أبي الحسن بن علي بن أحمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة. الزاهد الكبير، سلطان العارفين في زمانه أبو العباس الرفاعي، المغربي، رضي الله عنه. قدم أبوه العراق وسكن البطائح بقرية اسمها أم عبيدة، فتزوج بأخت الشيخ منصور الزاهد، ورزق منها بأولاد منهم الشيخ أحمد بن الرفاعي رحمه الله. وكان أبو الحسن مقرئاً يؤمّ بالشيخ منصور، فمات وزوجته حامل بالشيخ أحمد، فربّاه خاله منصور، فقيل إنه ولد في أول المحرم سنة خمسمائة. قال: وتوفي يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين. وتوفي الشيخ ولم يعقب. وإنما المشيخة في أولاد أخيه)).
وفي سنة (917هـ) الموافق (1512م) توفي في مضايا مفتي الحنابلة بدمشق برهان الدين إبراهيم بن عمر، قال ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب): ((وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج بن عبد الله الحنبلي مفتي الحنابلة الإمام العلامة، ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة، وأخذ عن أبيه وغيره وتوفي بقرية مضايا من الزبداني ليلة الجمعة سادس عشر شعبان، وحمل ميتا إلى منزله بالصالحية ودفن بالروضة قرب والده)). وذكر هذه الحادثة النجم الغزي في كتابه (الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة).
وفي سنة (917هـ) الموافق (1512م) توفي في الزبداني الشيخ الصالح حسن بن إبراهيم الدسوقي، وقد ترجم له النجم الغزي في كتابه (الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة) فقال: ((حسن بن إبراهيم الدسوقي: حسن بن إبراهيم، الشيخ الصالح ابن الشيخ المعتقد الماوردي الزبداني، المعروف بابن الدسوقي. كان له لطف ومحاورة. قال ابن طولون: أنشدنا ببيته بالزبداني لأبي الحسن القيرواني:
كم من أخ قد كان عندي شهدة * حتى بلوت المر من أخلاقه
كالملح يُحسب سكرا في لونه * ومجسه ويحول عند مذاقه
توفي ليلة الأربعاء سادس عشر القعدة، سنة سبع عشر وتسعمائة، رحمه الله تعالى)).
تلك القرية، ومعظمهم جاء إلى الزبداني منذ أربعة قرون إلى خمسة قرون وعلى فترات متعددة. والوثيقة تسلط الضوء على التركيبة السكانية لقرية كفر عامر في الزمن الذي كتبت فيه، وقد كتبت بألفاظ عامية زبدانية ربما لعدم وجود من يكتب بالفصحى أو للدقة والأمانة في النقل كما هو معهود في الأمور القضائية في بلادنا حتى الآن. ومناسبة كتابة الوثيقة هو نوع من التنافس الديني بين السكان المسلمين في عيد للمسيحيين لإثبات من هو الأكثر عمقا وولاية في الدين كما هو معروف في الطرق الصوفية، فمن كان من أولياء الله أو كان منتسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من يظهر على يديه أشياء خارقة كالطيران في الهواء كما هو الحال في هذه الوثيقة. وللدقة والأمانة فقد نقلت هذه الوثيقة كما هي مبقيا على ألفاظها العامية ذات الجمال الأدبي والتاريخي بالنسبة لي وربما بالنسبة لكثير من القراء. ويظهر في هذه الوثيقة التعاضد الإسلامي المسيحي بين السكان حيث إن التنافس بين مسلمين في عيد للمسيحيين ويتخذ المسلمون من المسيحيين شهودا على وثيقتهم. وقد جاء في الوثيقة: ((وجه تحرير الحروف وسبب تسطيره هو أنه في يوم تاريخ أدناه قد وقع خلاف في عيد نصاره بين الشباب، الفاذل يقول أنا وحيات راس، وقد اجتمعت أهالي كفر عامر كلها حاره حاره في ذقاق حسين بن السيد مصطفى طنطاوي، الذي أول الذقاق حجر رملي وآخر الذقاق الذي في ضمن دار مريم بنت حسين الحيدري في راس الذقاق، واجتمعت الأهالي الفاذل يقول إنه وحيات راس، فنهض من بين الفريقين علي الأصيف ابن السيد يوسف طنطاوي هو وأولاد عمه إلى تم البوابة ونده وحيات جدي ساكن طنطا ما واحد بيتكلم أبدا. كبار الطوايف: مصطفى الغتمي، وحسين الأنصب، والخوري حناه الأبيض، والخوري مخايل الأطان، والشيخ صالح وقاسم الحيدري، ومعطي عواد الجودي، وسيف الموالي، وعيسى التل. وباقي الجموع وقفت وماذا تريد يا سيد علي الأصيفي فجاوب في تلك الحال نكتة ظفره الذي بيحلج على فردا اجر من تم البوابة إلى راس الذقاق وبيرجع إلى هذه وبفذ من هنا إلى العتبة يكون الكلام، لا واحد يقول إنه إبدا، وحطو الفذة وصاروا يطلعوا إلى بلغوا خمسماية وعشرون واحد، لم يغضر واحد يجيبها، وفذها علي الأصيف إلى الأسكفة الذي يفذهم مصطفى الموالي وعمر ابن السيد معطي عواد الجودي. فطلع السيد مصطفى الموالي يحلج على رجل واحده إلى راس ويرجع قبل ما وصل صرخ: يا جدي يا رسول الله، وفذ في تلك وصار بينه وبين البوابة إيراط ونص. فنهض عمر عواد الجودي في تلك الحال ووقف على القبلة وقرأ الفاتحة وهداها وطلع كأنه طير من سما على فرد رجل ورجع وصرخ يا جدي يا أحمد وقام يخرج من تم البوابة، فنهض علي الأصيف وقال: هيهي، فرد عليه عمر قال: والله لولا إنك عيطت لكنت جبتها في غيضة بيت الأنصب. وحرر ذلك في شهر نيسان (854) سنة أربع وخمسون وثمان ماية. حرره علي الأصيفي. شهد بذلك: مصطفى الغتمي. شهد بذلك: الخوري حناه الأبيض. شهد بذلك: مصطفى القثقثي. شهد بذلك: حسن الغتمي. شهد بذلك: الخوري مخايل الأطان)). (هذه الوثيقة موجودة عند السيد مصطفى رفاعي عواد).
حوالي سنة (855هـ) الموافق (1451م) زار الزبداني الإمام السخاوي (محمد بن عبد الرحمن) صاحب كتاب (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع)، وذلك أثناء رحلته في طلب العلم في المدن الشامية، فقال في كتابه (الضوء اللامع) في ترجمة نفسه: ((ثم ارتحل إلى حلب، وسمع في توجهه إليها بسرياقوس والخانقاه وبلبيس وقطيا وغزة والمجدل والرملة وبيت المقدس والخليل ونابلس ودمشق وصالحيتها والزبداني وبعلبك وحمص وحماة وسرمين وحلب وجبرين، ثم بالمعرة وطرابلس وبرزة وكفر بطنا والمزة وداريا وصالحية مصر والخطارة، وغيرها شيئا كثيرا من قريب مائة نفس))، كما ذكر في ترجمته لأحمد العداس أنه ترافق معه في طريقه إلى الزبداني، فقال في (الضوء اللامع): ((أحمد العداس: شيخ دمشق صالح مبارك أعجوبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يهاب في ذلك أحدا وله فيه أتباع ووقائع شهيرة مع عاميته، وهو الذي بنى الجامع بدمشق خارج باب النصر منها بمعاونة أهل الخير وكان محله قبل ذلك حانة، وقد لقيته بدمشق وترافقت معه في أثناء طريق الزبداني، وكذا رأيته بالقاهرة حين قدومه إياها، مات بعد عصر يوم الجمعة ثالث رمضان سنة خمس وستين ودفن من الغد بمقبرة باب الفراديس رحمه الله)).
وفي سنة (856هـ) الموافق (1452م) توفي الشيخ الصالح زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي داود، وكان قد عمر خانا في قرية الحسينية من وادي بردى في قضاء الزبداني وكان هذا الخان على طريق دمشق وبعلبك وطرابلس يأوي إليه المسافرون كما سهل وعزل عقبة دمر وغيرها من الطرق، وقد ترجم له النعيمي في كتابه (الدارس في تاريخ المدارس) تحت عنوان الزاوية الداودية فقال: ((الزاوية الداودية بسفح قاسيون تحت كهف جبريل: أنشأها الشيخ الصالح العالم الرباني زين الدين عبد الرحمن ابن الشيخ أبي بكر بن داود القادري الصوفي الصالحي، ميلاده سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة قال بعضهم: أنشأ هذه الزاوية التي لا نضير لها بدمشق وعمّر خانا بقرية الحسينية من وادي بردى على طريق بعلبك وطرابلس يأوي إليه المسافرون وسهل وعزل عقبة دمر وغيرها من الطرق، وعمر مدرسة أبي عمر الصالحية لما كان ناظرا عليها وكذلك البيمارستان القيمري، وكان ذا مكانة زائدة عند الحكام شاما ومصرا ذا نفع متعدد يساعد المظلوم والمظلومين عند الظلمة ويصدهم عنهم، وكان يتردد إليه نائب الشام وأعيانها، وكان مشاركا في علوم وله عدة مصنفات لم يأت الزمان من أبناء جنسه بمثله انتهى. توفي رحمه الله تعالى من غير علة ولا ضعف ليلة الجمعة تاسع عشرين شهر ربيع الآخر سنة ست وخمسين وثمانمائة عن نحو من ثلاث وسبعين سنة من غير ولد ذكر، ودفن بزاويته هذه، والذي في حفظي أن الذي أنشأها أي هذه الزاوية الداودية هو الشيخ أبو بكر والده وكانت وفاته رحمه الله تعالى سنة ست وثمانمائة انتهى)).
وفي أحداث سنة (873هـ) الموافق (1469م) ذكر الإمام السخاوي في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) السلطان الزبدانية، وذلك في سياق ترجمة الأمير المملوكي أزبك من ططخ، فذكر أنه لما تم تعيين أزبك نائبا على الشام من قبل السلطان الظاهر بلباي في القاهرة، أحضر الأشرف الأمير المذكور إلى القاهرة فبرز أعيان وأكابر الديار المصرية لملاقاته وكان من بينهم السلطان الزبدانية، فقال السخاوي: ((أزبك من ططخ الأشرفي ثم الظاهري. جلبه الخواجا ططج من بلاد جركس فاشتراه الأشرف برسباي في سنة أحدى وأربعين (841) وكان مراهقاً ثم انتقل لولده العزيز واشتراه الظاهر جقمق، وسمع وهو إذ ذاك عند الأمير تغري برمش الفقيه نائب القلعة في صفر سنة خمس وأربعين (845) على ابن الطحان وابن ناظر الصاحبة وابن بردس، ووصفه التقي القلقشندي وهو القارئ في الطبقة بقوله: وهو لا يفهم من العربي كلمة، وكذا سمع على الأخيرين مع شيخنا (ابن حجر) ترجمة عبد الرحمن بن أزهر من المسند بالقراءة أيضاً إلى غير ذلك، وأعتقه أستاذه ورقاه بحيث جعله ساقياً ثم عمله أمير عشرة في سنة اثنتين وخمسين (852) ثم من رؤوس النوب، ولم تطل مدته حتى قبض عليه الأشرف أينال لكونه ممن قاتل مع ابن أستاذه في القلعة وحمل إلى الإسكندرية فأودع بها مدة ثم نقل إلى صفد فأودع بها ثم أطلق في أوائل سنة ثمان وخمسين (858) ووجه إلى القدس بطالاً فأقام به على طريقة جميلة، ولقيته هناك فأظهر تألمه من جماعة من المقادسة، ولم يلبث أن فرّج الله عنه وأحضره الأشرف في سنة إحدى وستين (861) بسفارة الجمالي ناظر الخاص، واختص بابن السلطان حتى كان يركب معه للصيد إلى أن أنعم عليه بعد قليل في التي تليها بإمرة عشرة جيدة، واستمر في الترقي إلى أن صار أحد المقدمين، فلما أن قتل الظاهر خشقدم عظيم الدولة كان من جملة المقدمين الذين سيرهم إلى الإسكندرية، وعاد صاحب الترجمة في أوائل سنة ثمان وستين (868) على تقدمته فلم يلبث إلا يسيرا واستقل حاجب الحجاب في تاسع جمادى الأولى منها، فدام فيها قليلا ثم نقل إلى رأس نوبة النوب عوضاً عن تمربغا في أواخر رمضان من التي تليها (869)، فلما كان في أواخر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين (872) أرسله الظاهر بلباي لنيابة الشام، وما كان بأسرع من استقرار الأشرف المشار إليه في المملكة فرسم بإحضاره وكان وصوله في عشري صفر من التي تليها (873) وارتجت الديار المصرية لذلك حتى كان لقدومه من السرور ما لم يعهد نظيره غالباً وبرز الأكابر والأعيان فمن يليهم لملاقاته إلى قطيا فما فوقها ودونها بل نزل إليه السلطان الزبدانية ليلاً وابتهج به أتم ابتهاج وجلس معه ساعة بل ووضع بين يديه النمجاة وقال له: أنت أحق مني فدعا له واستقر به في الأتابكية عوضاً عن جانبك قلقسين لتخلفه في القبض عليه عند سوار وبالغ الأمير في الامتناع لكونه حيا، ورسخت قدمه فيها وتكرر سفره قبل ذلك وبعده للبحيرة لعمل مصالحها غير مرة وللقبض على الأخذ لملاقاة الحجيج في سنة اثنتين وسبعين وللتجار يد مراراً متعددة وكذا للحج)). قلت: ولم أقع على ترجمة للمذكور السلطان الزبدانية وما هي علاقته بالزبداني!.
وفي سنة (875هـ) الموافق (1471م) توفي العيثاوي الزبداني، وترجم له الإمام السخاوي في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) فقال في ترجمته: ((علي بن محمد العلائي الصالحي الدمشقي العيثاوي، نسبة لعيثا بالقرب من الزبداني، قيم الموالة. كتب عنه البدري في مجموعة قوله:
حبيت كوسى ينور بالملاحة دعد * حلو المحيا فحم قلبي بفاحم جعد
خلتو ووجهو وفي بدور حميو يا سعد * قمر لعب بقضيب البرق فوق الرعد
وكان راغباً في نقل التصانيف الغربية إلى مصر من الشام وعكسه، وبيده بعض جهات، مات سنة خمس وسبعين تقريباً، يحرر أهو من ترجمة هذا)). قلت: وعيثا هي عيتا الفخار، وهي على الحدود اللبنانية السورية من جهة لبنان بعد التقسيم الفرنسي لسورية وإلحاق أجزاء كبيرة من سورية بجبل لبنان من أجل صناعة ما يسمى بلبنان الكبير.
وقد ذكر ابن طولون الصالحي في كتابه (مفاكهة الخلان في حوادث الزمان) مقدم الزبداني ووادي بردى عز الدين بن العزقي في أحداث سنة (885هـ) الموافق (1481م) فقال: ((وفيه أطلق مقدم الزبداني ابن العزقي من السجن بسفارة شخص يدعى سيدي عمر بن النيربي التاجر الحلبي، المقيم الآن بدمشق، وكان في السجن من حريق الجامع قد أشرف على القتل، فخلصه الله تعالى على يد هذا الرجل، لأن له دخلا في الدولة)). ثم ذكره في حوادث سنة (893هـ) الموافق (1489م) فقال: ((وفي بكرة يوم الاثنين حادي عشريه بلغنا أن مقدم الزبداني ووادي بردى، عز الدين بن العزقي، هجم هو وجماعته على المقدم محمد بن باكلوا في بيت من قرية دمر، فقتله، وقتل معه جماعة آخرين، ونهبت بلاد كثيرة، وسبي حريم كثيرة، ولا قوة إلا بالله، وكان ابن باكلوا ترك التقدمة، لكن لما جاء النائب خدمه ابن العزقي فرسم عليه، ووعده بالتقدمة، فلما سافر النائب إلى التجريدة العثمانية عهد إلى دواداره جندر بأن يوليه إذا كمل المال الذي عليه، فكمل مبلغ ألفي دينار، فلما ورد كتاب الأمير الكبير أزبك أتابك العسكر بالتوصية بابن باكلوا أرسل الدوادار جندر إلى ابن باكلوا وخلع عليه، فخرج إلى البلاد، وعصى عز الدين المذكور وتتبع ابن باكلوا إلى أن قتله، بعد أن حرق ابن باكلوا قرية الصبورة لكون أهلها من جهة ابن العزقي)). ثم ذكره في حوادث سنة (894هـ) الموافق (1490م) فقال: ((وفي يوم الثلاثاء سابع عشره بعث النائب سرية، فيهم دواداره جندر، على الصالحية للقبض إلى مقدم الزبداني عز الدين بن العزقي، فهاش عليهم وعلى الدوادار، فضربه أحدهم بسيف فرمى رقبته، وأتوا برأسه وثيابه إلى النائب، فنودي عليه وعلق في المشنقة، وفرح غالب الناس بذلك لكونه كان ظالماً، وهو الذي قتل في العام الماضي المتقدم ابن باكلوا، واستمرت جثته ملقاة بالصالحية إلى أن خرج النائب للسلام على ابن أخت السلطان الأمير تمراز، وقد دخل يومئذٍ دمشق من البلاد الشمالية من التجريدة، وأطلع النائب على الجثة المذكورة فأمر بأن تعلق في شجرة توت بالقرب من اليغمورية)). ثم ذكر ابن طولون الصالحي أن نائب دمشق عيّن مقدما للزبداني ووادي بردى في ذي القعدة من سنة (894هـ) وهو ابن السابق فقال: ((وفيه (يعني ذي القعدة) ولي النائب مقلد بن عز الدين بن العزقي، مقدمة وادي بردى وما والاها، مكان أبيه المقتول لعصيانه المتقدم ذكره، وهذا الابن طفل)).
وفي أحداث (889هـ) الموافق (1484م) ترجم الإمام السخاوي في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) لابن زريق الزبداني الأصل فقال في ترجمته: ((محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن القرشي العمري العدوي، المقدسي الدمشقي الصالحي الحنبلي الزبداني الأصل، ويعرف كأبيه بابن زريق - بضم الزاي وآخره قاف مصغر. ولد في شوال سنة اثنتي عشرة وثمانمائة (812) بصالحية دمشق ونشأ بها، وقرأ في سنة سبع وثلاثين بجامع قارا على خطيبها النجم عبد الكريم بن صفي الدين وغيره، وبمسجد الحاج بدر خارج حماة على الشمس محمد بن أحمد بن الأشقر، وبحمص على الشمس محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي السلمي القادري، وبحلب على حافظها البرهان الكثير كسنن النسائي وابن ماجه والمحدث الفاضل ومشيخة الفخر وعشرة الحداد وغيرها قراءة وسماعا، وبالقاهرة في سنة ثمان وثلاثين على شيخنا (ابن حجر) والمحب بن نصر الله الحنبلي والجمال عبد الله الهيثمي، وكان أخذ عن شيخنا قبل ذلك بدمشق، وحج مرارا أولها في سنة سبع وعشرين وزار بيت المقدس، وناب في القضاء عن النظام بن مفلح فمن بعده ثم رغب عنه أيام البرهان بن مفلح واستقر في مدرسة جده أبي عمر بعد ابن داود ودرّس بها، واجتمعت به بدمشق وبالقاهرة غير مرة وحدثني من لفظه الزبداني بأحاديث من مشيخة الفخر، ثم حدث بعد ذلك بكثير من الكتب بقراءة التقي الجراعي وغيره، وممن سمع منه العلاء البغدادي، وكذا حدث بأشياء في القاهرة حين طلبه إليها من الأشراف قايتباي في سنة تسع وثمانين (889) بسبب مرافعة بعض مستحقي المدرسة، وأقام في الترسيم مدة على مال قرر عليه شبه المصادرة وقاسي شدة وهدد غير مرة بالنقي وغيره وتألمنا له ثم رجع إلى بلاده)).
وذكر الزبداني أبو البقاء عبد الله البدري، من علماء القرن التاسع الهجري، توفي سنة (894هـ) الموافق (1489م)، في كتابه (نزهة الأنام في محاسن الشام) فقال: ((ومن محاسن الشام (المقسم) الذي تنقسم منه السبعة أنهار، وأصله من ينابيع (عيون التوت)، وإليها يشير برهان الدين القيراطي بقوله:
عندي لأرض دمشق فرط صبابة* فسقى حماها الرحب صوب غيوث
وعيوننا لفراق مشمشها حكى * جريان أدمعها (عيون التوت)
ويمر (بردى) على قرية الزبداني كالبحر، إلى أن يلتقي على قرية (الفيجة) الفيحاء بمياه ينبوعها، وما أحسن قول الشيخ برهان الدين القيراطي في وصف الزبداني:
دمشق وافى بطيب * نسيمها المتداني
وصح قول البرايا * من عاشر الزبداني)). قلت: قول برهان الدين القيراطي (من عاشر الزبداني) هو جزء من المثل السائد في الزبداني منذ قرون وهو (من عاشر الزبداني فاحت منه رائحة التفاح) أو (من عاشر الزبداني فاحت منه روائحه)، فقد اشتهرت هذه البلدة بتفاحها ذي الطعم اللذيذ واللون الجميل والرائحة الذكية، وهو التفاح السكري الكبير الحجم ويجمع لونه بين الأخضر والأحمر والأصفر، وهذا الصنف صار من النوادر الآن لانتشار زراعة الأصناف الحديثة الإفرنجية من التفاح كالكولدن والستركن. وكان تفاح الزبداني يصدر إلى مصر والعراق والحجاز ولذلك كان يُنسب إلى دمشق (جلق)، ذكر الصفدي في كتابه (الوافي في الوفيات): ((حكى بعض المسافرين فقال: مررت يوما ببعض شوارع القاهرة وقد حضرت جمال كثيرة حمولها التفاح من الشام، فعبقت روائح تلك الحمولة فأكثرت التلفت إليها، وكانت امرأة سائرة أمامي ففطنت لما داخلني من الإعجاب بتلك الرائحة، فأومأت إليّ وقالت: هذه أنفاس ريّا جلقا)). قلت: وقول هذه المرأة: هذه أناس ريا جلقا، استعارة من قول أبي فراس الحمداني في دمشق:
يا نسيما هبّ مسكا عبقا * هذه أنفاس ريّا جلقا
كف عني والهوى ما زادني * برد أنفاسك إلا حرّقا
وفي موضع آخر من (نزهة الأنام) ذكر البدري اشتهار الزبداني بصناعة الورد إضافتها إلى إنتاجها للفاكهة فقال: ((وقرية الزبداني هي قلعة الورد، يستخرجون بها ماء ورد القاهرة المحروسة ومكة المشرفة وغيرهما من البلاد، وكذلك فاكهتها هي المنقولة إلى القاهرة المحروسة وغيرها)).
وفي موضع ثالث من (نزهة الأنام) ذكر البدري بين النهرين وهو الموضع الذي يتفرع فيه نهر بردى قريبا من نهاية وادي بردي وأول دمشق فقال في وصفه: ((ومن محاسن الشام (بين النهرين) وهو مبتدأ الوادي، ويشتمل على فرجة سماوية بها دور وقصور وسويقة بها حانوت طباخ وصاجاتي وقطفاني وفقاعي وحواضري وفاكهاني وشوا وقلاجين وسكرداني ونقلي وقاعة لبن وعدة للجلبية وحمام يشرح صدور البريد، وقنطرة يتوصل منها إلى جزيرة لطيفة، من رأسها ينقسم نهر بردى فيصير نهرين، والمقسوم منه نهر الصالح المعتقد الشيخ أرسلان أعاد الله علينا من بركاته وعلى المسلمين طول الزمان، وبها مقصفان للبطالين، وفيما بين المقسمين وقبالهما زاوية للشاب النائب يقام بها السبت والثلاثاء من الأوقات بالوعاظ والدواخل ما يصير الحاضر غائبا، ويتوصل إلى زقاق الفرايين المشتمل على قاعات وأطباق وغرف وكم رواق، والجميع يطل على ما بين النهرين. ولكل مكان من ذلك ناعورة يستلذ صاحبها بأنسها وتجلب له الماء إذا سمع بحسها))، ثم ذكر مجموعات من الأشعار لعدد من الشعراء في التغزل بهذه النواعير.
وفي موضع رابع من (نزهة الأنام) ذكر البدري ربوة دمشق وهي أول قرية من قرى وادي بردى من جهة دمشق فقال فيها: ((ومن محاسن الشام محلة (الربوة)، قال بعض المفسرين: الربوة أحدثها بنو كنعان وابتدأوها، وهي المذكورة في قوله تعالى: (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) يعني مريم وعيسى عليهما السلام، وإنما قيل لها ربوة لأنها مرتفعة مشرفة على غوطتها ومياهها، وكل راب مرتفع على ما حوله يقال له ربوة، ومنه تربية الصبي لترفعه في النفس والجسم، والمعين الماء الذي يخرج من الأرض. وفي الربوة مغارة لطيفة بسفح الجبل الغربي وبه صفة محراب يقال أنه مهد عيسى عليه السلام يزار وينذر له، وبها جامع وخطبة ومدارس وعدة مساجد، وبها قاعات وأطباق وعين ماء يقال له (الملثم) ومرابط للدواب، وبها سويقتان قاطع بينهما نهر بردى، وبها صيادو السمك يصطادون، والقلائين على جبل النهر يقلونه، ويُذبح فيها كل يوم خمسة عشر رأسا من الغنم خلاف ما يجيئها من اللحم من المدينة، وبها عشرة شرايحية ليس لهم من الشغل غير الطبخ والغرف في الزبادي والصحون، وكل ما تشتهيه الأنفس فيها، وبها فرنان وثلاثة حوانيت برسم عمل الخبز الشوري، وأما الفواكه فلا قيمة لها فإني اشتريت الرطل بربع درهم، وكذلك الرطل الدمشقي من المشمش مثله، والتفاح كذلك، وبها حمّام ليس على وجه الأرض نظيره لكثرة مائه ونظافته، وله شبابيك تطل على النهر، وهو مبني ما بين الأنهر من فوقه ومن تحته، وبها طارمة المسجد الديلمي الذي جدده نور الدين الشهيد، وله أوقاف على قراء ووعاظ وقراءة البخاري وغير ذلك كالمؤذن والفراش والبواب والوقاد.. وبها القاعة التي بناها نور الدين الشهيد، وهي على شعب جبل متختة بألواح من خشب، سقفها نهر يزيد وأساسها من تحتها نهر ثورا، ومنظرها من الغايات التي لا تدرك، وقبالها في الجبل الغربي ضريح العاشق والمعشوق، وعليهما صومعتان مبيَّضتان، وبينهما سبعة مقاصف، وفي كل مقصف من الثريات والمصابيح والغطاء والوطاء ما لا يحتاط به الوصف حتى أن بعض الناس يطلع إليها ليتنزه فيها يوما فيقيم بها شهرا، وجبلاها متقابلان متلاقيان عليها، الجبل الغربي بذيله دف الزعفران، والجبل الشرقي رأسه مثل الجنك، ولهذا أطنب الشعراء في وصفهما)).
وفي موضع رابع من (نزهة الأنام في محاسن الشام) ذكر البدري (الحواكير) فقال فيها: ((ومن محاسن الشام (الحواكير) وهي كالحدائق في سفح جبل قاسيون، فإن الفاصل بينه وبين جبل الربوة عقبة قرية دمر التي بحد قبة سيّار، يقال: إن سيّارا هذا وبشارا كانا يتعبدان على رأس هذين الجبلين اللذين للربوة، وكأنهما كانا من أصحاب الخطوة، فإذا أراد أحدهما الاجتماع بالآخر يضع قدمه على جانب الجبل والآخر عند صاحبه، فكأنهما كانا يمشيان في الهواء، فبنوا لهما هاتين القبتين على هذي الجبلين. وكان حكماء اليونان ازدرعوا هذه الحواكير بالرياحين والأزهار في سفح جبل قاسيون لحكمة، وهي أن النسيم إذا مر بها يحمل منها من طيب الريح ما استطاع ويسري به إلى من تحتها من أهل المدينة والسكان)). قلت: وعلى طريقة حكماء اليونان قمنا بازدراع معمل دمر للاسمنت قريبا من المكان الذي يسميه البدري الحواكير، وفي آخر الليل من كل يوم تقوم الرياح بحمل رائحة الكبريت إلى دمشق عبر جبل قاسيون، فيحس بها كل من يسكن حي المهاجرين.
وفي موضع خامس من (نزهة الأنام) ذكر البدري فاكهة القراصيا الفيجية نسبة لقرية الفيجة من أعمال الزبداني فقال: ((ومن محاسن الشام (القراصيا) وهي سبعة أصناف: رشيدية، بعلبكية، إفرنجية، رومية، طعامية، بزرية، وفيجية نسبة لقرية عين الفيجة، وهي تحمل منها إلى السلطان بالديار المصرية، وأحسنها البلدية المنسوبة لوادي مكرم وهو بين الربوة إلى تحت صحن المزة)).
وفي أحداث سنة (894هـ) الموافق (1489م) ذكر الإمام السخاوي أنه لقي المحدّث والفقيه والعالم الإقباعي الزبداني في مكة المكرمة مجاورا، وترجم له في كتابه (الضوء اللامع في أهل القرن التاسع) فقال في ترجمته: ((عبد الله بن علي بن محمد بن محمد، الزبداني الأصل، الدمشقي، الشافعي، ويعرف بالإقباعي. ولد بعد سنة خمس وثلاثين وثمانمائة ونشأ بدمشق، فقرأ القرآن عند جماعة منهم ابن النجار وخليل اللوبياني وسعد الله أمام الصخرة وتلا عليهم للسبع جمعا وعلى غيرهم للعشر أفرادا، وأخذ الفقه عن البلاطنسي وخطاب والنجم ابن قاضي عجلون، والنحو عن الشهاب الزرعي والعلاء القابوني، والأصول عن الزين الشاوي واشتغل كثيرا، وحج غير مرة، وجاور، ولقيني بمكة في سنة أربع وتسعين وثمانمائة فسمع علي جملة بل قرأ علي بحثا من أول ألفية العراقي إلى المرفوع وباقيها سردا، وحدثته بالمسلسل بالأولية وبقراءة الصف وبالمحمدين وبحديث زهير العشاري وبحديث فيه الأئمة الثلاثة وبحديث عن أبي حنيفة، وسمع علي قطعا من الكتب الستة وغيرها وبتصانيفي في ختم البخاري ومسلم وغيرها، وكتبت له إجازة في كراسة، ومن محافيظه المنهاج وألفية الحديث والنحو وكذا الأصول للبرماوي والحاجبية والشاطبية والأجرومية والرحبية وإيساغوجي وغيرها، وأقرأ النحو وغيره بالمسجد الحرام، وتكسب في بلده، ونعم الرجل فضلا وصلاحا وتقشفا وانفرادا ومحاسن)).
وفي أحداث سنة (904هـ) الموافق (1498م) ذكر ابن طولون الصالحي في كتابه (مفاكهة الخلان في حوادث الزمان) مقدم آخر للزبداني غير السابق وكان يتعاون مع الأمراء المماليك ضد أهالي دمشق فقال: ((قال شيخنا المحدث جمال الدين بن المبرد الصالحي: وقد أرسل الدوادار آقبردي وهو بميدان الحصى يحاصر دمشق في هذه السنة، بعد أن كسر الأنهر التي تدخل إلى المدينة، من بانياس والقنوات وشبههما إلى أهل الصالحية، يتوعدهم مرات بالكبس والقتل والحرق والنهب، وهم في أراجيف منه، ثم كتب كتابا يقول فيه: إلى كل واقف عليه من أهل الصالحية، من قضاتها وعلمائها ومشائخها وأكابرها، الذي نعلمكم به أنكم قد نزلتم إلينا وقاتلتمونا، فإن كنتم تريدون أن نكف عنكم فلينزل إلينا منكم مائة نفس يقاتلون معنا كما قاتلتمونا، وإلا فلا تلومون إلا أنفسكم، على أنا طلبنا منكم وضع ما معنا من النساء والنقل عندكم، ونحن بالمصطبة لما وقع الحصار من جهة العنابة أولا، فأبيتم وعفونا عنكم تلك المرة. قال: فسألوني أهل الصالحية في الذهاب إليه فامتنعت، وقال كل من ندب لذلك إن ذهب ذهبنا معه؛ ثم سألني بعضهم أن أكتب له جواب ما أرسل به، فكتبت جواباً مطولاً ذكرته في كتابي: صبر الخمول على من بلغ أذاه إلى الصالحين من أولياء الله، وأرسلته مع قاصد إلى عند أينال الفقيه نائب حلب، فقال له: أنتم منكم أكثر من مائتين يقاتلونا، فقال له القاصد: لا والله، فقال: وإن أقمت بينة أن أكثر من مائة منكم يقاتلوننا أضربك، فقال: وأنتم في عسكركم أكثر من مائة منا يقاتلون معكم، فسكت. وكان نائب حلب في الحصار وهذه الفتن من أجود الناس وأقلهم شراً، ويبلغنا عنه الكلام الجيد والأمر الطيب والكف عن الشر جهده، بخلاف الدوادار آقبردي ومن معه من المصريين، وكان أشد الناس عليهم نائب القلعة فإنه بذل نفسه وجميع أموال القلعة وعددها؛ وكان غيره من الأتراك لا يغنون شيئاً، إنما يلبسون ويدورون داخل البلد، ولا يخرج أحد منهم إلى الدوادار وجماعته، وهو يقول: هؤلاء العلوق المخابثة، ما أحد منهم يقدر يواجهني أو يفتح عينه في عيني. ولم يسعف نائب القلعة غير العوام، خصوصاً أهل الشاغور، فإنهم برزوا للدوادار عن شر كثير وأذاقوه البلاء الزائد، وعضدتهم مماليك نائب الشام المتوفى قانصوه اليحياوي، حتى بلغني عن الدوادار أنه قال: ما كنت أظن أن أحدا من العوام يقدر على القتال هكذا، وكانوا يظهرون على سور دمشق ويسبونه ويوبخونه وينادون عليه: يا غراب، لكونه أسمر، ما فاعل، ما صانع، وهو يتألم من ذلك، وينكبت منه. ولم يتمكن من البلد بشيء، مع أنه التف عليه من المقدمين شيخ بلاد نابلس حسن بن إسماعيل، ونائب بعلبك ابن الحرفوش، ومقدم الزبداني، وغيره ابن باكلوا، وكبير المرج خالد الغزلاني، ومقدم التيامنة ابن بشارة، وبالجملة فكان أكثر من معه طائفة اليمنية وكان هؤلاء الذين معه يفسدون ويقطعون الطرقات، وأكثر منهم فساداً وقطعاً للطرقات نائب غزة آقباي، فكانوا يأخذون أموال الناس ودوابهم وحصل منهم الأذى العام، وخصوصاً ابن باكلوا منهم، حتى قتل بقرية دمر رئيسها وكبيرها ابن مرجوح، وكان يطعم الطعام على الطريق وهو رجل جيد غير أنه من حزب القيسية. قيل: وبالحصار قتل تنم الحاجب الثاني بدمشق مع أنه كان يتهم أنه في الباطن من حلف الدوادارية، والأصح أنه لم يعلم قاتله، ثم إني رأيت في ليلة الاثنين رؤيا تدل على ذهاب هذه الشدة، وحكيتها للطلبة في الدرس، وقلت: لا يأتي يوم الجمعة إلا وأمره قد انفصل)).
وفي أحداث سنة (912هـ) الموافق (1506م) ذكر ابن طولون الصالحي في كتابه (مفاكهة الخلان في حوادث الزمان) أن قرية الفيجة ودير مقرن كانتا وقفا على الزاوية السيوفية في دمشق فقال: ((وفي يوم الجمعة مستهل ربيع الآخر منها أتى رجل أعجمي من بلاده، وقد أثبت أنه شريف، وأنه من ذرية سيدي أحمد الرفاعي، فدل على زاوية السيوفية بالصالحية الموقوف عليها وعلى ذرية السيوفي شيخها، قرية الفيجة وقرية دير مقرن، لأنه انتهى للسلطات أنها شاغر، ليس لها ناظر، فأخرج له مربعة باستقراره في النظر والمشيخة بها، وأتى بذلك إلى النائب بحضرة القضاة ومفتية دار العدل، فقال الشافعي: يرجع إلى كتاب الوقف فيعمل بما تضمنه. والحال أن سيدي أحمد بن الرفاعي لم يكن له عقب، ولم يكن شريفا، وليست بشاغرة، بل أحد نظارها عمي العلامة جمال الدين بن طولون الحنفي الصالحي، مفتي دار العدل الشريف، وهو حاضر وعنده كتاب الوقف؛ فلم يساعد القاضي الشافعي أحد من الحاضرين، بل اتفق الحال على أن النائب يأتي إلى الزاوية وينظر في أحوالها، فأتى وحده إليها، ولم يعلم أحدا، فأكرمه هذا الرجل الأعجمي وجماعته، وأظهروا أن ناظرها مقصر، وأنه قد خرب ما بجوارها من العمارة، وأنه من جملتها. والحال أنها عامرة والخراب إلى جانبها بتربة بناها الملك الناصر يوسف، بنيت قبلها بدهر وأما هذه الزاوية فبنيت في أيام ابن قلاوون، ومساعد على ذلك، مراعاة لخاطر النائب، العواني عبد الله بن القوعوني، واستمر هذا الأعجمي فيها واستولى على الوقف المذكور باليد، وأظهر الانتصار، وأراد أن يغتصب كتاب الوقف من عمي ابن طولون المذكور، فلم يطلع من يده)). قلت: وقد استغربت من كلام ابن طولون الصالحي أن الشيخ أحمد الرفاعي لم يعقب، ولم يكن من الأشراف المنسوبين، فرجعت إلى المؤرخين فوجدت أن هذا الكلام صحيح، فقد ذكر الإمام الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) ما يلي: ((وفيات سنة ثمان وسبعين وخمسمائة. حرف الألف أحمد بن أبي الحسن بن علي بن أحمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة. الزاهد الكبير، سلطان العارفين في زمانه أبو العباس الرفاعي، المغربي، رضي الله عنه. قدم أبوه العراق وسكن البطائح بقرية اسمها أم عبيدة، فتزوج بأخت الشيخ منصور الزاهد، ورزق منها بأولاد منهم الشيخ أحمد بن الرفاعي رحمه الله. وكان أبو الحسن مقرئاً يؤمّ بالشيخ منصور، فمات وزوجته حامل بالشيخ أحمد، فربّاه خاله منصور، فقيل إنه ولد في أول المحرم سنة خمسمائة. قال: وتوفي يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين. وتوفي الشيخ ولم يعقب. وإنما المشيخة في أولاد أخيه)).
وفي سنة (917هـ) الموافق (1512م) توفي في مضايا مفتي الحنابلة بدمشق برهان الدين إبراهيم بن عمر، قال ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب): ((وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج بن عبد الله الحنبلي مفتي الحنابلة الإمام العلامة، ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة، وأخذ عن أبيه وغيره وتوفي بقرية مضايا من الزبداني ليلة الجمعة سادس عشر شعبان، وحمل ميتا إلى منزله بالصالحية ودفن بالروضة قرب والده)). وذكر هذه الحادثة النجم الغزي في كتابه (الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة).
وفي سنة (917هـ) الموافق (1512م) توفي في الزبداني الشيخ الصالح حسن بن إبراهيم الدسوقي، وقد ترجم له النجم الغزي في كتابه (الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة) فقال: ((حسن بن إبراهيم الدسوقي: حسن بن إبراهيم، الشيخ الصالح ابن الشيخ المعتقد الماوردي الزبداني، المعروف بابن الدسوقي. كان له لطف ومحاورة. قال ابن طولون: أنشدنا ببيته بالزبداني لأبي الحسن القيرواني:
كم من أخ قد كان عندي شهدة * حتى بلوت المر من أخلاقه
كالملح يُحسب سكرا في لونه * ومجسه ويحول عند مذاقه
توفي ليلة الأربعاء سادس عشر القعدة، سنة سبع عشر وتسعمائة، رحمه الله تعالى)).
تعليقات
إرسال تعليق