وفي سنة (800هـ) الموافق (1398م) أي في عهد دولة المماليك كانت الزبداني عاصمة مملكة، وكان عدد سكانها (200ألف) نسمة، وكانت هذه المملكة تضم وادي الزبداني (وفيه أكثر من عشرة قرى) ووادي بردى (وفيه أكثر من عشرين قرية) ووادي
التيم (وفيه عشرات القرى) والبقاع (وفيه عشرات القرى) وجبل القلمون (الذي يمتد من قرية الدريج البعيدة عن دمشق 22كيلو متر شمالاً إلى قرية البريج الواقعة في أول برّية حمص ويشتمل على نيف وأربعين قرية واثنتي عشرة مزرعة)، ولا تبعد القرية عن الأخرى أكثر من ثلاثة كيلومترات، وكان يحكمها الملك محمد العادل وأعقبه السلطان هلال، ولهما قبران مشهوران في نفس الزبداني. قلت: هذان القبران موجودان في الحي الغربي من الزبداني، وكل منهما في جادة، ولا يبعد القبر عن الآخر أكثر من (100متر)، وقد بنى الأهالي بالقرب من قبر الملك محمد العادل مسجدا في عام (1958م) وأسموه مسجد الشيخ محمد. وأما قبر السلطان هلال فكان بجانبه زاوية للطريقة الرفاعية لعشرات السنين ثم بنى الأهالي مسجدا بالقرب منه وأسموه مسجد الشيخ هلال (1989م). وقد سمعت من عدد من المعمرين أنّ الشيخ هلال هو ابن الشيخ محمد، وبعضهم قال: إنّ هذين الشيخين هما من آل صالح الذين كان اسم عائلتهم هو آل المدد، وأصلهم من كفر عامر. والحارة الغربية وهي حي من أحياء الزبداني الآن كانت قرية تابعة للزبداني وكان اسمها حارة الشيخ محمد نسبة إلى الملك محمد العادل.
وفي سنة (803هـ) الموافق (1401م) اجتاح المغول للمرة الثانية البلاد العربية بقيادة تيمور لنك، فخربوا المدن وقتلوا أهلها ونشروا الدمار في جميع الأصقاع، وقد أصاب الزبداني الشيء الكثير وذلك حينما قصد تيمور لنك دمشق، بعد أن دمر مدينة بعلبك وقتل سكانها، فنزل عند سفح جبل الشيخ أي: في غربي دمشق من ميسلون وداريا إلى قطنا والحولة وما يلي ذلك من الأماكن، وأرسل كتائبه في تدمير القرى المجاورة. ذكر ذلك ابن عرب شاه في تأريخه لتيمور لنك في كتابه (عجائب المقدور في أخبار تيمور). قلت: كنت أمزح مرة مع الأستاذ الدمشقي موفق قنطار صاحب مكتبة دار الفارابي رحمه الله، فقلت له: يا أستاذ، لماذا يقال عن الدمشقيين أنهم بناديق تيمور لنك؟! فقال: هذه التهمة ليس لها أساس يا دكتور، لأنّ تيمور لنك لما هاجم دمشق لم يبق على الناس ذكورا وإناثا وكان همه القتل، فقد قرأت في تاريخ ابن عرب شاه أنّ تيمور لنك لما هاجم هذه البلاد هرب أهل الزبداني إلى دمشق، وهرب أهل دمشق إلى قلعة دمشق فاعتصموا فيها، ولما استسلمت القلعة أمر بقتل الناس كما هي عادته فأحال الناس إلى أكوام من الجماجم، قلت: إذا صحَّ هذا الكلام فمعنى ذلك أنّ الزبداني تجددت بعد عام (1400م)، وأنّ أغلبية الناس الذين شكلوا المدينة بعد ذلك التاريخ لم يكونوا من أهالي الزبداني، ولا بد من أقلية قليلة شكلت امتداد للتركيبة السكانية السابقة.
وفي سنة (805هـ) الموافق (1403م) توفي العالم والمحدّث شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي المعالي الزبداني، وقد ترجم له أبو الطيب الفاسي المكي في (ذيل التقييد) فقال في ترجمته: ((أحمد بن محمد بن أبي المعالي (يقال: معالي) بن حجي الكلبي الزبداني الصالحي شهاب الدين أبو العباس، سمع على محمد بن إسماعيل المقدسي خطيب مردا المجلد الرابع من مسند أبي يعلى الموصلي رواية ابن حمدان، وأوله السادس والعشرون وحدث به مع أبي بكر بن محمد بن الرضي عبد الرحمن المقدسي الآتي ذكره بقراءة عبد الله بن أحمد بن المحب، فسمعه ابن القارئ شيخنا الحافظ شمس الدين أبو بكر محمد المعروف بالصامت السابق ذكره، وسمع أيضا على خطيب مردا المجلدة الثانية من (مسند أبي يعلى) المذكور وحدث بها بقراءة ابن المحب فسمعها ابنه أبو بكر محمد السابق ذكره وعدد أجزائها سبعة أجزاء، وتشتمل على ثلاثة مسانيد: مسند جابر بن عبد الله الأنصاري جزآن وهما الحادي عشر والثاني عشر، ومسند ابن حيان جزآن وهما الثالث عشر والرابع عشر، ومسند أنس وهو بقيتها)).
وفي سنة (817هـ) الموافق (1415م) توفي القاضي والفقيه والفرضي تقي الدين العامري بدمشق، ذكر ذلك ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب) فقال: ((وفيها توفي تقي الدين أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد الكناني العامري نسبة إلى قرية كفر عامر من قرى الزبداني ابن قاضي الزبداني الشافعي، ولد في ذي الحجة سنة خمسين وسبعمائة واشتغل بدمشق فبرع في الحساب وشارك في الفقه وقرأ في الأصول، وولي قضاء بعلبك وبيروت وقدم القاهرة بعد الفتنة الكبرى وكان قد أسر مع التمرية ثم تخلص وأخبر عن بعض من أسره أنه قال له علامة وقوع الفتنة كثرة نباح الكلاب وصياح الديكة في أول الليل، قال وكان ذلك قد كثر بدمشق قبل مجيء تمرلنك، وكان يقرأ في المحراب جيدا وولي قضاء كفر طاب، وتقدم في معرفة الفرائض والحساب وكان دينا خيرا يتعانى المتجر توفي بدمشق في ذي الحجة)). وترجم له الإمام السخاوي في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) فقال في ترجمته: ((أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد التقي الكناني العامري الشافعي ابن عم قاضي الزبداني، ولد في ذي الحجة سنة خمسين واشتغل بدمشق فبرع في الفرائض والحساب وشارك في الفقه وقرأ في الأصول وولي قضاء بعلبك وبيروت وكفر طاب وكان يقرأ في المحراب جيداً، وقدم القاهرة بعد الفتنة الكبرى وكان قد أسر مع التمرية ثم خلص وأخبر عن بعض من أسره أنه قال له علامة وقوع الفتنة كثرة نباح الكلاب وصياح الديكة في أول الليل قال وكان ذلك قد كثر بدمشق قبل مجيء تمرلنك وكان مع ما اشتمل عليه من الفضل ديناً خيراً يتعانى المتجر. مات بدمشق في ذي الحجة سنة سبع عشرة، ذكره شيخنا (ابن حجر العسقلاني) في أنبائه وأرخه المقريزي في عقوده في مستهل جمادى الأولى سنة خمس عشرة وطول ترجمته فالله أعلم)). قلت: وترجم له الحافظ ابن حجر العسقلاني في (إنباء الغمر بأبناء العمر) فقال: ((أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد الكناني، تقي الدين العامري، ابن قاضي الزبداني، ولد في ذي الحجة سنة خمسين، واشتغل بدمشق فبرع في الحساب، وشارك في الفقه، وقرأ في الأصول، وولي قضاء بعلبك وبيروت، وقدم القاهرة بعد الفتنة الكبرى، وكان أسر مع التمرية ثم تخلص، وأخبر عن بعض من أسره أنه قال له: علامة وقوع الفتنة كثرة نباح الكلاب وصياح الديكة في أول الليل، قال: وكان ذلك قد كثر في دمشق قبل مجيء تمرلنك، وكان يقرأ في المحراب جيداً، وولي قضاء كفر طاب، وتقدم في معرفة الفرائض والحساب، وكان ديناً خيراً يتعانى المتجر، مات بدمشق في ذي الحجة)).
وفي سنة (818هـ) الموافق (1415م) اقتتل أمراء العشير في لبنان حسن بن بشارة ومحمد بن بشارة فانكسر محمد وهرب إلى الزبداني في طريقه إلى العراق، ذكر ذلك المقريزي في كتابه (السلوك لمعرفة دول الملوك) فقال: ((وفيها استقر الأمير طوغان أمير أخور في نيابة صفد، واستقر حسن بن بشارة في تقدمة العشير على ثلاثين ألف دينار، يقوم بها للسلطان وجهز إلى كل منهما تشريفة من قلعة الجبل، على يد يشبك الخاصكي، فلبسه وقبل الأرض على العادة، ووكل يشبك بابن بشارة حتى حمل ثلاثة عشر ألف دينار، وأحيل عليه الأمير أرغون شاه الأستادار بالشام، بعشرة آلاف دينار، فغضب محمد بن بشارة، وجمع على حسن واقتتلا، فانكسر محمد وفر إلى البقاع، ونزل بالزبداني، خارج دمشق، ومر على وجهه يريد العراق)).
وفي سنة (821هـ) الموافق (1418م) توفي القلقشندي أحمد بن علي بن أحمد، وكان قد وضع كتاب (صبح الأعشى في صناعة الإنشا) وذكر فيه الزبداني والفيجة في سياق كلامه على نهر بردى وريه لمدينة دمشق فقال: ((ومسقى دمشق و بساتينها من نهر يسمى بردى، بفتح الباء الموحدة والراء والدال المهملتين و بآخره ألف. أصل مخرجه من عينين: البعيدة منهما دون قرية تسمى الزبداني، ودونها عينٌ بقرية تسمى الفيجة، بذيل جبل يخرج الماء من صدع في نهاية سفله قد عقد على مخرج الماء منه عقدٌ رومي البناء، ثم ترفده منابع في مجرى النهر، ثم يقسم النهر على سبعة أنهر: أربعة غربية: وهي نهر داريا، ونهر المزة، ونهر القنوات، ونهر باناس. واثنان شرقية وهما نهر يزيد، ونهر ثورا؛ ونهر بردى ممتدٌ بينهما)). كما ذكر الزبداني في سياق كلامه على بر دمشق في الكتاب نفسه فقال: ((فأما البر فالمراد به ضواحيها، قال في التعريف: وحدها من القبلة قرية الخيارة المجاورة للكسوة وما هو على سمتها طولا، ومن الشرق الجبال الطوال إلى النبك وما على سمتها من القرى آخذا على عسال وما حولها من القرى إلى الزبداني، ومن الغرب ما هو من الزبداني إلى قرى القران المسامتة للخيارة المقدم ذكرها. قال: ويدخل في ذلك مرج دمشق وغوطتها)). والكتاب الذي نقل عنه هو كتاب: التعريف بالمصطلح الشريف لابن فضل الله العمري.
وفي سنة (822هـ) الموافق (1419م) ألف ابن الوردي الحفيد كتابا في عجائب البلدان وأسماه (خِرِّيدة العجائب وفريدة الغرائب) وذكر فيه نهر بردى كواحد هذه العجائب فقال: ((ومن باب دمشق الغربي وادي البنفسج، طوله اثنا عشر ميلاً في عرض ثلاثة أميال، مفروش بأجناس الثمار البديعة المنظر والمخبر، ويشقه خمسة أنهار. ومياه الغوطة كلها تخرج من نهر الزبداني وعين الفيجة، وهي عين تخرج من أعلى جبل وتنصب إلى أسفل بصوت هائل ودوي عظيم، فإذا قرب إلى المدينة تفرق أنهاراً وهي بردى ويزيد وتوره وقناة المزة وقنوات الصوف وقنوات بانياس وعقربا. واستعمال هذا النهر للشرب قليل لأن عليه مصب أوساخ المدينة. وهذا النهر يشق المدينة وعليه قنطرة. وكل هذه الأنهار يخرج منها سواق تخترق المدينة فتجري في شوارعها وأسواقها وأزقتها وحماماتها ودورها وتخرج إلى بساتينها)).
حوالي سنة (824هـ) الموافق (1422م) ورد اسم حمَّام كفر عامر من أعمال الزبداني في وقفية أوقفها السلطان الملك المؤيد شيخ المحمودي من الأمراء المماليك للخانقاه اليونسية بدمشق، ذكر ذلك عبد القادر النعيمي في كتابه (الدارس في تاريخ المدارس) فقال: ((الخانقاه اليونسية: بأول شرف العالي الشمالي غربي الخانقاه الطواويسية، أنشأها الأمير الكبير الشرفي يونس داودار الظاهر برقوق في سنة أربع وثمانين وسبعمائة كما هو مكتوب على بابها، وفي شهر ربيع الأول سنة خمس وثمانين المذكورة كما هو مكتوب في الداير داخلها، ولعل الأول كان ابتداء الشروع في عمارتها والثاني انتهاؤها وذلك بنظر الكافلي بيدمر الظاهري، وشرط في كتاب وقفها الأصلي أن يكون الشيخ بها والصوفية حنفية أفاقية ولم يشرط في المختصر بكونهم أفاقية، وشرط فيهما أن يكون الإمام بها حنفيا وعشرة من القراء، ووقف عليها الدكاكين خارج باب الفرج، ثم احترقت في أيام الملك المؤيد شيخ فعمَّرها وأدخلها في وقفه وعوَّض الخانقاه بحمام العلاني خارج باب الفرج والفراديس والحمام بكفر عامر، والآن آل إليها من وقف ذريته قطعة الأرض بسكة الحمام والقاعة لصيق الخانقاه وولي مشيختها الشيخ شمس الدين بن عزيز الحنفي وقد مرت ترجمته في المدرسة العزيزية، ثم ولي مشيخة اليونسية الشيخ شمس الدين بن عوض الحنفي إمام جامع يلبغا. قال تقي الدين ابن قاضي شهبة في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة اشتغل في الفقه على الشيخ شرف الدين بن منصور وغيره واشتغل في غير الفقه على جماعات وكان يستحضر من الحاوي الصغير ولم يكن مبرزاً في شيء وأم بجامع يلبغا مدة وولي مشيخة الخانقاه اليونسية وكان له تصدير بالجامع الأموي وربما جلس للاشتغال في بعض الأحيان وحصل له في آخر عمره غفلة شديدة توفي في ليلة الاثنين رابع عشره عن نحو سبعين سنة وترك ابنين لا يصلحان لصالحة وقررا في غالب جهاته فلا حول ولا قوة إلا بالله انتهى)).
وفي سنة (837هـ) الموافق (1434م) توفي بدمشق المحدّث والمقرئ العماد أبو الفدا الزبداني، وقد ترجم له الإمام السخاوي في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) فقال: ((إسماعيل بن محمد بن حسن بن طريف، العماد أبو الفدا، الزبداني الأصل، الصالحي الحنبلي. ولد تقريباً سنة سبع وأربعين وسبعمائة وسمع من محمد بن حسن بن عمار الشافعي قطعة من آخر الثاني من مائتي المخلصياتي انتقاء ابن أبي الفوارس وحدث بها سمع منه الفضلاء، وكان صالحاً معمراً يحتمل سنه أحسن من هذا، وهو أحد المقرئين بمدرسة الشيخ أبي عمر. مات في المحرم سنة سبع وثلاثين وثمانمائة بسفح قاسيون ودفن به رحمه الله)).
وفي حوادث سنة (838هـ) الموافق (1433م) ذكر الحافظ ابن حجر في (إنباء الغمر في أبناء العمر) الزبداني فقال: ((وفيها وقع بين جماعة من نواحي الزبداني فتنة، فقتل خطيب الجامع وجماعة نحو الستة عشر نفسا، واتهم بذلك زين الدين بن صادر الأستادار فبلغ السلطان ذلك فأرسل يستدعيه ويأمره أن يحضر معه بتقدمة، فبادر إلى الحضور، فلما وصل إلى قطيا جهز السلطان عمر الوالي وأمره أن يقتله حال اجتماعه به، فلاقاه إلى بليس فقتله وحمل رأسه إلى السلطان، وهو عبد الرحمن بن محمد بن صادر، ولي الأستادارية في المستأجرات والحمامات السلطانية، وكان أستادار جقمق دويدار الملك المؤيد بالقاهرة، وتنقلت به الأحوال بعده إلى أن مات عن نحو من سبعين سنة)).
حوالي سنة (850هـ) الموافق (1445م) قام العلامة الشافعي برهان الدين البقاعي، من أعيان القرن التاسع الهجري (809 ـ 885) ببناء خان الفندق في الزبداني، وقد ساعده في ذلك الشمس البلاطنسي. ويقع خان الفندق على بعد (3كم) من الزبداني على الطريق المؤدية إلى دمشق، حيث يوجد فسحة من الأرض تبلغ مساحتها أربعة دونمات، وهي مليئة بالأنقاض الحجرية، وكان في مطلع القرن العشرين مركزا للسوق العام الذي يقام كل يوم اثنين، وفيه أماكن لاستقبال المسافرين وإيواء القوافل وفيه حمام كبير وتأتيه المياه من نبع الجرجانية، وكانت تعرض في هذا السوق البضائع والمنتجات من دمشق وبعلبك. و قد ترجم الإمام السخاوي له في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) فقال: ((إبراهيم بن عمر بن حسن الرُباط بن علي بن أبي بكر، برهان الدين، نزيل القاهرة ثم دمشق. ولد فيما زعم تقريباً سنة تسع وثمانمائة بقرية خربة روحا من عمل البقاع ونشأ بها ثم تحول إلى دمشق ثم فارقها ودخل بيت المقدس ثم القاهرة للاستفتاء على أهلها، ثم عاد إليها ورجع عن قرب فقطنها واشتغل بها يسيرا. وسافر في خدمة شيخنا (ابن حجر) إلى حلب وأخذ عن شيوخ الرواية بها وبغيرها. وسافر لدمياط وإسكندرية وغيرهما، وحج وأقام بمكة يسيراً وزار الطائف والمدينة وركب البحر في عدة غزوات ورابط غير مرة. ورقاه شيخنا (ابن حجر) فعينه في حياة الظاهر جقمق لقراءة الحديث بالقلعة، ثم منعه الظاهر في حياته وأدخله الحبس. وقد أخذ عنه الطلبة، وانجمع على التصنيف والإقراء والنظم وكنت ممن سمعت بقراءته وسمع بقراءتي واستفاد كل منا من الآخر على عادة الطلبة في ذلك وترجمني في معجمه. ولمّ أطرافه وتوجه إلى دمشق فأنزله متصرفها بالمدرسة الغزالية وأعطاه مشيخة القراء بتربة أم الصالح. مات في ليلة السبت ثامن عشر رجب سنة خمس وثمانين وصلى عليه من الغد بالجامع الأموي ودفن بالجمرية خارج دمشق من جهة قبر عاتكة)). وقد علمنا بذلك مما ذكره الإمام السخاوي في (الضوء اللامع) في ترجمة الشمس البلاطنسي (798ـ 863) هجري حيث قال: ((محمد بن عبد الله بن خليل بن أحمد بن علي بن حسن، الشمس البلاطنسي ثم الدمشقي الشافعي. ولد في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة ببلاطنس ونشأ بها. ونزح عنها في طلب العلم إلى طرابلس وحماة ودمشق. ولازم العلاء البخاري بحيث كان جل انتفاعه علما وعملا. وشيخه العلاء كان يميل إليه ويقدمه على غيره من طلبته فراج أمره خصوصا وقد اقتدى به في أكثر أفعاله وأقواله، مع ملازمته للعبادة وحثه على التقنع والزهادة وحرصه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحيث لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يهاب أحداً بل يقول الحق ويصدع به الملوك والنواب والأمراء ويقنع الجبابرة ونحوهم. فصار بذلك إلى محل رفيع ونفذت أوامره وقبلت شفاعاته فازدحم لذلك عنده أرباب الحوائج ولم يتخلف عن إغاثة الملهوفين وإكرام كثير من الغرباء والوافدين فإنه كان يجبي من زكوات ذوي اليسار ما يفرقه عليهم، وكذا صنع مع البقاعي حيث ساعده في عمارة خان الفندق بالزبداني، ومع ذلك فلم يسلم من أذاه وراسله بالمكروه كما هو دأبه ولو تأخر يسيرا لزاد الأمر بينهما على الوصف. وتصدى مع ذلك للتدريس والإفتاء فأخذ عنه جماعة كثيرون من أهل دمشق والقادمين إليها قصدا للتجوّه بالانتساب إليه. وحج غير مرة وجاور. وكان قدومه لدمشق في سنة سبع وعشرين بعد أن أفتى في بلاده وخرج منها في قضية أمر فيها بالمعروف. ولم يزل أمره في ازدياد وحرمته وشهرته مستفيضة بين العباد إلى أن حج في سنة إحدى وستين ورام المجاورة بالمدينة النبوية فمنعه ما كان يعتريه من وجع في باطنه ولم يزل به ذلك الوجع حتى مات بعد رجوعه بيسير في ليلة الثلاثاء سادس عشري صفر سنة ثلاث وستين وثمانمائة، ودفن من الغد وكانت جنازته حافلة بحيث قيل أنه لم ير في هذا القرن بدمشق نظيرها. وقد لقيته بمشهد الإمام علي في الجامع الأموي محل إقامته وكذا بمكة)).
التيم (وفيه عشرات القرى) والبقاع (وفيه عشرات القرى) وجبل القلمون (الذي يمتد من قرية الدريج البعيدة عن دمشق 22كيلو متر شمالاً إلى قرية البريج الواقعة في أول برّية حمص ويشتمل على نيف وأربعين قرية واثنتي عشرة مزرعة)، ولا تبعد القرية عن الأخرى أكثر من ثلاثة كيلومترات، وكان يحكمها الملك محمد العادل وأعقبه السلطان هلال، ولهما قبران مشهوران في نفس الزبداني. قلت: هذان القبران موجودان في الحي الغربي من الزبداني، وكل منهما في جادة، ولا يبعد القبر عن الآخر أكثر من (100متر)، وقد بنى الأهالي بالقرب من قبر الملك محمد العادل مسجدا في عام (1958م) وأسموه مسجد الشيخ محمد. وأما قبر السلطان هلال فكان بجانبه زاوية للطريقة الرفاعية لعشرات السنين ثم بنى الأهالي مسجدا بالقرب منه وأسموه مسجد الشيخ هلال (1989م). وقد سمعت من عدد من المعمرين أنّ الشيخ هلال هو ابن الشيخ محمد، وبعضهم قال: إنّ هذين الشيخين هما من آل صالح الذين كان اسم عائلتهم هو آل المدد، وأصلهم من كفر عامر. والحارة الغربية وهي حي من أحياء الزبداني الآن كانت قرية تابعة للزبداني وكان اسمها حارة الشيخ محمد نسبة إلى الملك محمد العادل.
وفي سنة (803هـ) الموافق (1401م) اجتاح المغول للمرة الثانية البلاد العربية بقيادة تيمور لنك، فخربوا المدن وقتلوا أهلها ونشروا الدمار في جميع الأصقاع، وقد أصاب الزبداني الشيء الكثير وذلك حينما قصد تيمور لنك دمشق، بعد أن دمر مدينة بعلبك وقتل سكانها، فنزل عند سفح جبل الشيخ أي: في غربي دمشق من ميسلون وداريا إلى قطنا والحولة وما يلي ذلك من الأماكن، وأرسل كتائبه في تدمير القرى المجاورة. ذكر ذلك ابن عرب شاه في تأريخه لتيمور لنك في كتابه (عجائب المقدور في أخبار تيمور). قلت: كنت أمزح مرة مع الأستاذ الدمشقي موفق قنطار صاحب مكتبة دار الفارابي رحمه الله، فقلت له: يا أستاذ، لماذا يقال عن الدمشقيين أنهم بناديق تيمور لنك؟! فقال: هذه التهمة ليس لها أساس يا دكتور، لأنّ تيمور لنك لما هاجم دمشق لم يبق على الناس ذكورا وإناثا وكان همه القتل، فقد قرأت في تاريخ ابن عرب شاه أنّ تيمور لنك لما هاجم هذه البلاد هرب أهل الزبداني إلى دمشق، وهرب أهل دمشق إلى قلعة دمشق فاعتصموا فيها، ولما استسلمت القلعة أمر بقتل الناس كما هي عادته فأحال الناس إلى أكوام من الجماجم، قلت: إذا صحَّ هذا الكلام فمعنى ذلك أنّ الزبداني تجددت بعد عام (1400م)، وأنّ أغلبية الناس الذين شكلوا المدينة بعد ذلك التاريخ لم يكونوا من أهالي الزبداني، ولا بد من أقلية قليلة شكلت امتداد للتركيبة السكانية السابقة.
وفي سنة (805هـ) الموافق (1403م) توفي العالم والمحدّث شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي المعالي الزبداني، وقد ترجم له أبو الطيب الفاسي المكي في (ذيل التقييد) فقال في ترجمته: ((أحمد بن محمد بن أبي المعالي (يقال: معالي) بن حجي الكلبي الزبداني الصالحي شهاب الدين أبو العباس، سمع على محمد بن إسماعيل المقدسي خطيب مردا المجلد الرابع من مسند أبي يعلى الموصلي رواية ابن حمدان، وأوله السادس والعشرون وحدث به مع أبي بكر بن محمد بن الرضي عبد الرحمن المقدسي الآتي ذكره بقراءة عبد الله بن أحمد بن المحب، فسمعه ابن القارئ شيخنا الحافظ شمس الدين أبو بكر محمد المعروف بالصامت السابق ذكره، وسمع أيضا على خطيب مردا المجلدة الثانية من (مسند أبي يعلى) المذكور وحدث بها بقراءة ابن المحب فسمعها ابنه أبو بكر محمد السابق ذكره وعدد أجزائها سبعة أجزاء، وتشتمل على ثلاثة مسانيد: مسند جابر بن عبد الله الأنصاري جزآن وهما الحادي عشر والثاني عشر، ومسند ابن حيان جزآن وهما الثالث عشر والرابع عشر، ومسند أنس وهو بقيتها)).
وفي سنة (817هـ) الموافق (1415م) توفي القاضي والفقيه والفرضي تقي الدين العامري بدمشق، ذكر ذلك ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب) فقال: ((وفيها توفي تقي الدين أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد الكناني العامري نسبة إلى قرية كفر عامر من قرى الزبداني ابن قاضي الزبداني الشافعي، ولد في ذي الحجة سنة خمسين وسبعمائة واشتغل بدمشق فبرع في الحساب وشارك في الفقه وقرأ في الأصول، وولي قضاء بعلبك وبيروت وقدم القاهرة بعد الفتنة الكبرى وكان قد أسر مع التمرية ثم تخلص وأخبر عن بعض من أسره أنه قال له علامة وقوع الفتنة كثرة نباح الكلاب وصياح الديكة في أول الليل، قال وكان ذلك قد كثر بدمشق قبل مجيء تمرلنك، وكان يقرأ في المحراب جيدا وولي قضاء كفر طاب، وتقدم في معرفة الفرائض والحساب وكان دينا خيرا يتعانى المتجر توفي بدمشق في ذي الحجة)). وترجم له الإمام السخاوي في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) فقال في ترجمته: ((أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد التقي الكناني العامري الشافعي ابن عم قاضي الزبداني، ولد في ذي الحجة سنة خمسين واشتغل بدمشق فبرع في الفرائض والحساب وشارك في الفقه وقرأ في الأصول وولي قضاء بعلبك وبيروت وكفر طاب وكان يقرأ في المحراب جيداً، وقدم القاهرة بعد الفتنة الكبرى وكان قد أسر مع التمرية ثم خلص وأخبر عن بعض من أسره أنه قال له علامة وقوع الفتنة كثرة نباح الكلاب وصياح الديكة في أول الليل قال وكان ذلك قد كثر بدمشق قبل مجيء تمرلنك وكان مع ما اشتمل عليه من الفضل ديناً خيراً يتعانى المتجر. مات بدمشق في ذي الحجة سنة سبع عشرة، ذكره شيخنا (ابن حجر العسقلاني) في أنبائه وأرخه المقريزي في عقوده في مستهل جمادى الأولى سنة خمس عشرة وطول ترجمته فالله أعلم)). قلت: وترجم له الحافظ ابن حجر العسقلاني في (إنباء الغمر بأبناء العمر) فقال: ((أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد الكناني، تقي الدين العامري، ابن قاضي الزبداني، ولد في ذي الحجة سنة خمسين، واشتغل بدمشق فبرع في الحساب، وشارك في الفقه، وقرأ في الأصول، وولي قضاء بعلبك وبيروت، وقدم القاهرة بعد الفتنة الكبرى، وكان أسر مع التمرية ثم تخلص، وأخبر عن بعض من أسره أنه قال له: علامة وقوع الفتنة كثرة نباح الكلاب وصياح الديكة في أول الليل، قال: وكان ذلك قد كثر في دمشق قبل مجيء تمرلنك، وكان يقرأ في المحراب جيداً، وولي قضاء كفر طاب، وتقدم في معرفة الفرائض والحساب، وكان ديناً خيراً يتعانى المتجر، مات بدمشق في ذي الحجة)).
وفي سنة (818هـ) الموافق (1415م) اقتتل أمراء العشير في لبنان حسن بن بشارة ومحمد بن بشارة فانكسر محمد وهرب إلى الزبداني في طريقه إلى العراق، ذكر ذلك المقريزي في كتابه (السلوك لمعرفة دول الملوك) فقال: ((وفيها استقر الأمير طوغان أمير أخور في نيابة صفد، واستقر حسن بن بشارة في تقدمة العشير على ثلاثين ألف دينار، يقوم بها للسلطان وجهز إلى كل منهما تشريفة من قلعة الجبل، على يد يشبك الخاصكي، فلبسه وقبل الأرض على العادة، ووكل يشبك بابن بشارة حتى حمل ثلاثة عشر ألف دينار، وأحيل عليه الأمير أرغون شاه الأستادار بالشام، بعشرة آلاف دينار، فغضب محمد بن بشارة، وجمع على حسن واقتتلا، فانكسر محمد وفر إلى البقاع، ونزل بالزبداني، خارج دمشق، ومر على وجهه يريد العراق)).
وفي سنة (821هـ) الموافق (1418م) توفي القلقشندي أحمد بن علي بن أحمد، وكان قد وضع كتاب (صبح الأعشى في صناعة الإنشا) وذكر فيه الزبداني والفيجة في سياق كلامه على نهر بردى وريه لمدينة دمشق فقال: ((ومسقى دمشق و بساتينها من نهر يسمى بردى، بفتح الباء الموحدة والراء والدال المهملتين و بآخره ألف. أصل مخرجه من عينين: البعيدة منهما دون قرية تسمى الزبداني، ودونها عينٌ بقرية تسمى الفيجة، بذيل جبل يخرج الماء من صدع في نهاية سفله قد عقد على مخرج الماء منه عقدٌ رومي البناء، ثم ترفده منابع في مجرى النهر، ثم يقسم النهر على سبعة أنهر: أربعة غربية: وهي نهر داريا، ونهر المزة، ونهر القنوات، ونهر باناس. واثنان شرقية وهما نهر يزيد، ونهر ثورا؛ ونهر بردى ممتدٌ بينهما)). كما ذكر الزبداني في سياق كلامه على بر دمشق في الكتاب نفسه فقال: ((فأما البر فالمراد به ضواحيها، قال في التعريف: وحدها من القبلة قرية الخيارة المجاورة للكسوة وما هو على سمتها طولا، ومن الشرق الجبال الطوال إلى النبك وما على سمتها من القرى آخذا على عسال وما حولها من القرى إلى الزبداني، ومن الغرب ما هو من الزبداني إلى قرى القران المسامتة للخيارة المقدم ذكرها. قال: ويدخل في ذلك مرج دمشق وغوطتها)). والكتاب الذي نقل عنه هو كتاب: التعريف بالمصطلح الشريف لابن فضل الله العمري.
وفي سنة (822هـ) الموافق (1419م) ألف ابن الوردي الحفيد كتابا في عجائب البلدان وأسماه (خِرِّيدة العجائب وفريدة الغرائب) وذكر فيه نهر بردى كواحد هذه العجائب فقال: ((ومن باب دمشق الغربي وادي البنفسج، طوله اثنا عشر ميلاً في عرض ثلاثة أميال، مفروش بأجناس الثمار البديعة المنظر والمخبر، ويشقه خمسة أنهار. ومياه الغوطة كلها تخرج من نهر الزبداني وعين الفيجة، وهي عين تخرج من أعلى جبل وتنصب إلى أسفل بصوت هائل ودوي عظيم، فإذا قرب إلى المدينة تفرق أنهاراً وهي بردى ويزيد وتوره وقناة المزة وقنوات الصوف وقنوات بانياس وعقربا. واستعمال هذا النهر للشرب قليل لأن عليه مصب أوساخ المدينة. وهذا النهر يشق المدينة وعليه قنطرة. وكل هذه الأنهار يخرج منها سواق تخترق المدينة فتجري في شوارعها وأسواقها وأزقتها وحماماتها ودورها وتخرج إلى بساتينها)).
حوالي سنة (824هـ) الموافق (1422م) ورد اسم حمَّام كفر عامر من أعمال الزبداني في وقفية أوقفها السلطان الملك المؤيد شيخ المحمودي من الأمراء المماليك للخانقاه اليونسية بدمشق، ذكر ذلك عبد القادر النعيمي في كتابه (الدارس في تاريخ المدارس) فقال: ((الخانقاه اليونسية: بأول شرف العالي الشمالي غربي الخانقاه الطواويسية، أنشأها الأمير الكبير الشرفي يونس داودار الظاهر برقوق في سنة أربع وثمانين وسبعمائة كما هو مكتوب على بابها، وفي شهر ربيع الأول سنة خمس وثمانين المذكورة كما هو مكتوب في الداير داخلها، ولعل الأول كان ابتداء الشروع في عمارتها والثاني انتهاؤها وذلك بنظر الكافلي بيدمر الظاهري، وشرط في كتاب وقفها الأصلي أن يكون الشيخ بها والصوفية حنفية أفاقية ولم يشرط في المختصر بكونهم أفاقية، وشرط فيهما أن يكون الإمام بها حنفيا وعشرة من القراء، ووقف عليها الدكاكين خارج باب الفرج، ثم احترقت في أيام الملك المؤيد شيخ فعمَّرها وأدخلها في وقفه وعوَّض الخانقاه بحمام العلاني خارج باب الفرج والفراديس والحمام بكفر عامر، والآن آل إليها من وقف ذريته قطعة الأرض بسكة الحمام والقاعة لصيق الخانقاه وولي مشيختها الشيخ شمس الدين بن عزيز الحنفي وقد مرت ترجمته في المدرسة العزيزية، ثم ولي مشيخة اليونسية الشيخ شمس الدين بن عوض الحنفي إمام جامع يلبغا. قال تقي الدين ابن قاضي شهبة في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة اشتغل في الفقه على الشيخ شرف الدين بن منصور وغيره واشتغل في غير الفقه على جماعات وكان يستحضر من الحاوي الصغير ولم يكن مبرزاً في شيء وأم بجامع يلبغا مدة وولي مشيخة الخانقاه اليونسية وكان له تصدير بالجامع الأموي وربما جلس للاشتغال في بعض الأحيان وحصل له في آخر عمره غفلة شديدة توفي في ليلة الاثنين رابع عشره عن نحو سبعين سنة وترك ابنين لا يصلحان لصالحة وقررا في غالب جهاته فلا حول ولا قوة إلا بالله انتهى)).
وفي سنة (837هـ) الموافق (1434م) توفي بدمشق المحدّث والمقرئ العماد أبو الفدا الزبداني، وقد ترجم له الإمام السخاوي في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) فقال: ((إسماعيل بن محمد بن حسن بن طريف، العماد أبو الفدا، الزبداني الأصل، الصالحي الحنبلي. ولد تقريباً سنة سبع وأربعين وسبعمائة وسمع من محمد بن حسن بن عمار الشافعي قطعة من آخر الثاني من مائتي المخلصياتي انتقاء ابن أبي الفوارس وحدث بها سمع منه الفضلاء، وكان صالحاً معمراً يحتمل سنه أحسن من هذا، وهو أحد المقرئين بمدرسة الشيخ أبي عمر. مات في المحرم سنة سبع وثلاثين وثمانمائة بسفح قاسيون ودفن به رحمه الله)).
وفي حوادث سنة (838هـ) الموافق (1433م) ذكر الحافظ ابن حجر في (إنباء الغمر في أبناء العمر) الزبداني فقال: ((وفيها وقع بين جماعة من نواحي الزبداني فتنة، فقتل خطيب الجامع وجماعة نحو الستة عشر نفسا، واتهم بذلك زين الدين بن صادر الأستادار فبلغ السلطان ذلك فأرسل يستدعيه ويأمره أن يحضر معه بتقدمة، فبادر إلى الحضور، فلما وصل إلى قطيا جهز السلطان عمر الوالي وأمره أن يقتله حال اجتماعه به، فلاقاه إلى بليس فقتله وحمل رأسه إلى السلطان، وهو عبد الرحمن بن محمد بن صادر، ولي الأستادارية في المستأجرات والحمامات السلطانية، وكان أستادار جقمق دويدار الملك المؤيد بالقاهرة، وتنقلت به الأحوال بعده إلى أن مات عن نحو من سبعين سنة)).
حوالي سنة (850هـ) الموافق (1445م) قام العلامة الشافعي برهان الدين البقاعي، من أعيان القرن التاسع الهجري (809 ـ 885) ببناء خان الفندق في الزبداني، وقد ساعده في ذلك الشمس البلاطنسي. ويقع خان الفندق على بعد (3كم) من الزبداني على الطريق المؤدية إلى دمشق، حيث يوجد فسحة من الأرض تبلغ مساحتها أربعة دونمات، وهي مليئة بالأنقاض الحجرية، وكان في مطلع القرن العشرين مركزا للسوق العام الذي يقام كل يوم اثنين، وفيه أماكن لاستقبال المسافرين وإيواء القوافل وفيه حمام كبير وتأتيه المياه من نبع الجرجانية، وكانت تعرض في هذا السوق البضائع والمنتجات من دمشق وبعلبك. و قد ترجم الإمام السخاوي له في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) فقال: ((إبراهيم بن عمر بن حسن الرُباط بن علي بن أبي بكر، برهان الدين، نزيل القاهرة ثم دمشق. ولد فيما زعم تقريباً سنة تسع وثمانمائة بقرية خربة روحا من عمل البقاع ونشأ بها ثم تحول إلى دمشق ثم فارقها ودخل بيت المقدس ثم القاهرة للاستفتاء على أهلها، ثم عاد إليها ورجع عن قرب فقطنها واشتغل بها يسيرا. وسافر في خدمة شيخنا (ابن حجر) إلى حلب وأخذ عن شيوخ الرواية بها وبغيرها. وسافر لدمياط وإسكندرية وغيرهما، وحج وأقام بمكة يسيراً وزار الطائف والمدينة وركب البحر في عدة غزوات ورابط غير مرة. ورقاه شيخنا (ابن حجر) فعينه في حياة الظاهر جقمق لقراءة الحديث بالقلعة، ثم منعه الظاهر في حياته وأدخله الحبس. وقد أخذ عنه الطلبة، وانجمع على التصنيف والإقراء والنظم وكنت ممن سمعت بقراءته وسمع بقراءتي واستفاد كل منا من الآخر على عادة الطلبة في ذلك وترجمني في معجمه. ولمّ أطرافه وتوجه إلى دمشق فأنزله متصرفها بالمدرسة الغزالية وأعطاه مشيخة القراء بتربة أم الصالح. مات في ليلة السبت ثامن عشر رجب سنة خمس وثمانين وصلى عليه من الغد بالجامع الأموي ودفن بالجمرية خارج دمشق من جهة قبر عاتكة)). وقد علمنا بذلك مما ذكره الإمام السخاوي في (الضوء اللامع) في ترجمة الشمس البلاطنسي (798ـ 863) هجري حيث قال: ((محمد بن عبد الله بن خليل بن أحمد بن علي بن حسن، الشمس البلاطنسي ثم الدمشقي الشافعي. ولد في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة ببلاطنس ونشأ بها. ونزح عنها في طلب العلم إلى طرابلس وحماة ودمشق. ولازم العلاء البخاري بحيث كان جل انتفاعه علما وعملا. وشيخه العلاء كان يميل إليه ويقدمه على غيره من طلبته فراج أمره خصوصا وقد اقتدى به في أكثر أفعاله وأقواله، مع ملازمته للعبادة وحثه على التقنع والزهادة وحرصه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحيث لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يهاب أحداً بل يقول الحق ويصدع به الملوك والنواب والأمراء ويقنع الجبابرة ونحوهم. فصار بذلك إلى محل رفيع ونفذت أوامره وقبلت شفاعاته فازدحم لذلك عنده أرباب الحوائج ولم يتخلف عن إغاثة الملهوفين وإكرام كثير من الغرباء والوافدين فإنه كان يجبي من زكوات ذوي اليسار ما يفرقه عليهم، وكذا صنع مع البقاعي حيث ساعده في عمارة خان الفندق بالزبداني، ومع ذلك فلم يسلم من أذاه وراسله بالمكروه كما هو دأبه ولو تأخر يسيرا لزاد الأمر بينهما على الوصف. وتصدى مع ذلك للتدريس والإفتاء فأخذ عنه جماعة كثيرون من أهل دمشق والقادمين إليها قصدا للتجوّه بالانتساب إليه. وحج غير مرة وجاور. وكان قدومه لدمشق في سنة سبع وعشرين بعد أن أفتى في بلاده وخرج منها في قضية أمر فيها بالمعروف. ولم يزل أمره في ازدياد وحرمته وشهرته مستفيضة بين العباد إلى أن حج في سنة إحدى وستين ورام المجاورة بالمدينة النبوية فمنعه ما كان يعتريه من وجع في باطنه ولم يزل به ذلك الوجع حتى مات بعد رجوعه بيسير في ليلة الثلاثاء سادس عشري صفر سنة ثلاث وستين وثمانمائة، ودفن من الغد وكانت جنازته حافلة بحيث قيل أنه لم ير في هذا القرن بدمشق نظيرها. وقد لقيته بمشهد الإمام علي في الجامع الأموي محل إقامته وكذا بمكة)).
تعليقات
إرسال تعليق