وفي سنة (740هـ) الموافق (1339م) توفي بدمشق الشيخ أبو إسحاق الزبداني المعروف بابن اللحام وكان تاجرا وعالما، ذكر ذلك ابن رافع السلامي في كتابه (الوفيات) فقال:
((وفي بكرة الثلاثاء مستهل شهر ربيع الأول توفي الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن نعمة ابن إبراهيم بن نعمة، الزبداني الأصل ثم الصالحي، السمسار في الغنم بقاسيون، المعروف بابن اللحام، وصُلي عليه عُقيب الظهر بالجامع المظفري ودفن بناحية جامع الأفرم بقاسيون. سمع من الكمال عبد الرحيم بن عبد الملك السابع من أمالي القاضي أبي بكر الأنصاري سنة ثلاث وستين وستمائة بقراءة ابن الخباز، وحدث به غير مرة، ومولده تقريباً في سنة ثمان وخمسين وستمائة من ضواحي دمشق)).
وأما قطب الدين اليونيني وهو من وفيات سنة (744هـ) الموافق (1343م) فقد ذكر الزبداني في كتابه (ذيل مرآة الزمان) مستدلا على التوافق بين الدعاء من الإنسان والإجابة من الله تعالى، فقال: ((وحكى لي القاضي تاج الدين عبد الخالق رحمه الله ما معناه قال: قدم بعلبك في الأيام الأمجدية شخص كاتب وادعى أنه من ذرية شاور وزير العاضد بمصر أو من أقاربه، فولاه الملك الأمجد المواريث الحشرية ببعلبك، واتفق غيبة الملك الأمجد فمات شخص وله أولاد عم فاحتاط على تركته، فطلبه الشيخ وقال له هذا الرجل له وارث وأنا أعرف أنهم أولاد عمه ومستحقي ميراثه فليس لكم عليه اعتراض، فقال: السلطان أمرني أن من مات احتاط على تركته وأنا ما أفرج من هذه التركة فغضب الشيخ وقال له: قم قطع الله يدك ويد السلطان معك، فقام ذلك الشخص وتوجه إلى الملك الأمجد بالمكان الذي كان فيه وشكا إليه فقال له كنت امتثلت ما أمرك به فأنت تراني لا أخالفه وأنكر عليه، فما وسعه المقام ببعلبك فتوجه إلى دمشق وأقام بها مدة وعثر عليه أنه زور توقيعاً فقطعت يده، وأما الملك الأمجد فبعد أخذ بعلبك منه نزل إلى دمشق وأقام بدار السعادة وهي داره فضربه مملوك له بالسيف على يده فقطعها وجرحه جرحاً آخر وبقي يومين ومات رحمه الله. ومما يقارب هذا أن خالي تاج الدين يعقوب بن سنى الدولة رحمه الله قدم بعلبك في الأيام الناصرية زائرا ونزل في دار ابن عمه الشرف خضر، وكان والدي كثير البر بأقارب والدتي فاتفق أنه قصد رؤيته وأنا معه، فلما دخل قام خالي وقبل يده وقعد بين يديه وهناك فقير موله يقال له علي وقد أحسن خالي فيه الظن، فلما دخل والدي قعد ذلك الفقير في الصفة فحضر الشمس محمد بن داود خادم والدي ومعه رأس مشوي ومدت السفرة وطلبوا على الفقير ليأكل فوضع يده على أنفه وقال أفوه أفوه وجعل يكرر هذا القول، فلما سمعه والدي زعق فيه وقال قم قطع الله أنفك فخرج من البيت لوقته وطلب طريق الزبداني فلما كان بعد المغرب صادفه جندي سكران في الرمانة فضربه بالسيف فاصطلم أنفه بالكلية فعاد من الغد وهو على هذه الصورة وخولط في عقله فلم ينتفع بنفسه إلى أن مات)).
ومن نماذج الظلم في العهد المملوكي هذه الحادثة التي ذكرت فيها الزبداني في ترجمة أرغون شاه الناصري أحد أمراء المماليك بدمشق وذلك في أحداث سنة (748هـ) الموافق (1347م)، قال الصفدي في كتابه (الوافي في الوفيات): ((وقدّم إليه وهو في سوق الخيل نصراني من الزبداني رمى مسلماً بسهم نشّاب فقتله، فأمر بتفصيله فقطعت يداه من كتفيه ورجلاه من فخذيه وحُزّ رأسه، وحُملت أعضاؤه على أعواد وطيف بها. فارتعب الناس لذلك فقلت:
لله أرغون شاهٍ * كم للمهابة حصّل
وكم بسيف سطاه * من ذي ضلالٍ تنصّل
ومجمل الرعب خلّى * بعض النصارى مفصّل)). كما ذكر هذه الحادثة ابن تغري بردي في كتابه (المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي).
وذكر الزبداني المؤرخ الشهير شهاب الدين أحمد بن يحيى ابن فضل الله العمري وهو من وفيات سنة (749هـ) الموافق (1348م) في كتابه (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) عند حديثه عن نهر بردى فقال: ((وأما نهر دمشق وهو بردى فمجراه من عينين، البعيدة منهما دون قرية تسمى الزبداني، ودونها عين بقرية تسمى الفيجة بذيل جبل عزتا، والماء خارج من صدع في نهاية سُفل الجبل، وقد عقد على مخرج مائه قبو رومي البناء، ثم ترفده منابع في مجرى النهر، ثم يقسم النهر أربعة، اثنان عن اليمين واثنان عن الشمال مرفوعان على مجرى النهر في قرارة الوادي دائمة بمقسم معلوم، وعليه التفاف بساتين ممتدة من الجانبين إلى أن يمر على المكان المسمى بالربوة وقد بنى الملك العادل الشهيد نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله بها المقام المعروف بمهد عيسى، يقال أن مريم آوت إليه بولدها عيسى عليه السلام، وأن هذه الربوة هي المعنية بقوله تعالى: (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين)). كما ذكر الزبداني عند حديثه على دير بلودان فقال محمد كرد علي في كتابه خطط الشام: ((دير بلودان: مر به ابن فضل الله العمري (749) فقال فيه: إن بناءه قديم بديع الحسن وافر الغلة كثير الكروم والفواكه والماء الجاري، بقربه قرية بلودان، وهي محاذية لكفر عامر، تطل من مُشترفها على جبة الزبداني ببلاد دمشق، وبه رهبان نظاف، مر عليه ونزل إليه ونظم فيه أبياتا منها:
حبذا الدير من بلودان دار * أيّ دير به وأيّ نصارى
فيهم كل أمور الطرف أحوى * فائق الحسن في حسان العذارى
وفي رواية أن بلودان بالدال المعجمة، قال محاسن الشوا الحلبي:
حييا ساكني بلوذان عني * ورجالا بدير قانون زهرا
ولا يُعرف متى زال هذا الدير)) (خطط الشام الجزء السادس). ثم وقفت على ما قاله ابن فضل الله العمري في كتابه (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) حيث قال: ((دير بَلُوذان: وبناؤه قديم، بديع الحسن، وافر الغلّة، كثير الكروم والفواكه والماء الجاري، بقرية بَلُوذان، وهي محاذية لكفر عامر، تطلُّ من مُشترفها على جبّة الزبداني، ببلاد دمشق. وبه رهبان نظاف، وغلمان من أبناء النصارى ظراف. مررت عليه، ونزلت إليه. ورأيت به غلاما يفوق الظبي حُسنا، ويشبه البدر أو أسنى. بخصر نحيل، وطرف كحيل. قد قطع الزنار بين خصره وردفه، ونفث السحر بين جفنه وطرفه. ثم ما كان بأعجل مما استتر بدره، ولاح ثم خفي فجره. فقلت فيه:
حبَّذا الديرُ من بَلُوذَانَ دارَا * أيُّ ديرٍ به وأيُّ نَصَارى!
فيهمُ كُلُّ أحْوَرِ الطرْف أحْوى* فائِق الحسنِ في حَياءِ العَذَارى!
وغلامٍ رأيتُه كهِلالٍ * ما بَدا للعُيُون حتّى تَوَارى!
بقَوَام إذا تمايل نَشْوا * ناً فألحاظُ مقلتيْهِ سُكارى!
ناحِل الخَصْر حلَّ عِقدَ اصطِبارِي * عندما شَدَّ خَصْره الزُّنارا!
قبلَ رُؤياه ما رأيتُ غَزَالاً * بات يسْقي من مَرْشفَيْه العُقَارا!)).
وفي سنة (764هـ) الموافق (1362م) توفي بدمشق القاضي والمحدّث تقي الدين أبو بكر بن سليمان المقدسي وكان قاضيا في الزبداني لمدة من الزمن، ذكر ذلك ابن رافع السلامي في كتابه (الوفيات) فقال: ((وفي الثامن والعشرين من شوال توفي المعدل تقي الدين أبو بكر بن سليمان المقدسي بظاهر دمشق ودفن بمقبرة الصوفية. سمع من الشيخ شهاب الدين أحمد بن فرج قصيدة في علوم الحديث وحدّث، وتولى قضاء الزبداني وكرك نوح ونزل بالمدارس وحج قاضيا للركب الشامي)).
وفي وفيات سنة (773هـ) الموافق (1371م) ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (إنباء الغمر بأبناء العمر) المحدّث والعالم عز الدين السوقي نسبة لقرية سوق وادي بردى من أعمال الزبداني) وترجم له فقال: ((محمد بن أبي بكر بن علي السوقي الصالحي، عز الدين، أحد المسندين بدمشق، ولد سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وستمائة، وسمع من عمر بن القواس معجم ابن جميع ومن إسماعيل بن الفراء بعض سنن ابن ماجة، وحدث وتفرد، وهو أحد من أجاز عاما: مات بالصالحية في أحد الجمادين من هذه السنة (773)، وأرخه بعضهم في ربيع الأول ولعله أتقن)). كما ترجم له أبو الطيب الفاسي المكي في كتابه (ذيل التقييد) فقال: ((محمد بن أبي بكر بن علي الدمشقي الصالحي المعروف بابن السوقي، عز الدين، أبو عبد الله، سمع بعض (سنن ابن ماجة) على العز إسماعيل الفراء، وعليه وعلى أخته صفية (أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم) للقاضي عياض، وعلى محفوظ بن معتوق بن البزوري (فضائل القرآن) لأبي عبيد وعلى عمر بن عبد المنعم القواس (معجم ابن جميع) و (جزء محمد بن يزيد بن عبد الصمد)، مات في أحد الجمادين سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بدمشق ومولده سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وروت عنه بالإجازة أم محمد سارة بنت عمر بن عبد العزيز بن جماعة)). كما ترجم له ابن حجر العسقلاني في كتابه (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) فقال: ((محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي محمد بن عبد الله بن طارق الآبلي بكسر الهمزة والموحدة نسبة إلى إبل السوق بوادي بردا الأصل، ثم الصالحي عز الدين المعروف بالسوقي ولد سنة 682هـ، وكان نجارا ثم حجارا بالقلعة ثم عمل قطانا، وتزوج عدة نسوة وتفرد بالسماع من ابن القواس والعز الفراء وأحمد بن مؤمن وعلي بن محمد بن بقاء وطائفة، وحدث بمعجم بن جميع وجزء محمد بن يزيد بن عبد الصمد عن ابن القواس وقطعة من سنن ابن ماجه عن الفراء وغير ذلك، وله إجازة من عمر العقيمي وأبي الفضل بن عساكر وغيرهما، وقرأ عليه نور الدين الفوي بإجازته من الفخر فغلطوه في ذلك، وهو من بيت رواية مات في شهر ربيع الآخر سنة 773 وقد أجاز لعبد الله بن عمر ابن العز بن جماعة)). وقال ابن فهد المكي في (لحظ الألحاظ): ((وفي الدرر الكامنة: عز الدين محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي محمد بن عبد الله بن طارق السوقي الأصل، الصالحي، المعروف بالسوقي نسبة إلى سوق وادي بردى. أي: بلدة بوادي نهر بردى بنواحي دمشق)).
وفي سنة (776هـ) الموافق (1374م) توفي الإمام والمحدّث ورئيس الفتوى في الشام جمال الدين ابن قاضي الزبداني، ذكر ذلك ابن تغري بردي في كتابه (النجوم الزاهرة) فقال: ((وتوفي الشيخ الإمام العالم العلامة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن عمار الحارثي الدمشقي الشافعي الشهير بابن قاضي الزبداني بدمشق عن سبع وثمانين سنة. وقد انتهت إليه رياسة الفتوى بالشام في زمانه ودرّس بظاهرية دمشق وعادليتها الصغرى وكتب وصنف)). قلت: وأما الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني فكان عالما وشيخا ومدرسا ومفتيا وكان معاصرا لابن كثير وكان بينهما صحبة وصداقة وذكره في أكثر من موضع في تاريخه، فقد ذكر ابن كثير في أحداث سنة (726هـ) الموافق (1326م) أنه أصبح مدرسا بالمدرسة النجيبية بدمشق فقال: ((وفي ثاني عشر ذي الحجة درّس بالنجيبية ابن قاضي الزبداني، عوضا عن الدمشقي نائب الحكم الذي مات بالمدرسة المذكورة))، وفي أحداث سنة (736هـ) الموافق (1335م) ذكر ابن كثير عن نفسه أنه تسلم تدريس المدرسة النجيبية من الشيخ جمال الدين الذي تحول إلى تدريس المدرسة الظاهرية الجوانية فقال: ((وفي يوم الخميس عاشر جمادى الأول درّس بالنجيبية كاتبه إسماعيل بن كثير عوضا عن الشيخ جمال الدين بن قاضي الزبداني، الذي تركها حين تعين له تدريس الظاهرية الجوانية، وحضر عنده القضاة والأعيان وكان درسا حافلا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه، وكان ذلك في تفسير قوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) (فاطر: 28) وانساق الكلام إلى مسألة ربا الفضل. وفي يوم الأحد رابع عشره ذكر الدرس بالظاهرية المذكورة ابن قاضي الزبداني عوضا عن علاء الدين بن القلانسي توفي، وحضر عنده القضاة والأعيان، وكان يوما مطيرا)). وفي أحداث سنة (664هـ) ذكر الإمام الذهبي في كتابه (العبر في خبر من غبر) أن جمال الدين ابن قاضي الزبداني تولى التدريس في العادلية بعد وفاة الشيخ شهاب الدين البعلبكي فقال: ((وفي هذا العام ... توفي بدمشق الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن بلبان بن عبد الله البعلبكي الشافعي، المقرئ المجود، النحوي المتقن شيخ وظيفة الإقراء بتربة أم الصالح، وبالأشرفية، ومدرِّس القليجية، والعادلية الصغرى. وولي بعده التدريس بالعادلية الشيخ جمال الدين محمد بن الحسن الحارثي ابن قاضي الزبداني)). قلت: وهذا يدل على أن المدرس هو بمثابة مدير مدرسة يتم تعيينه بمرسوم من السلطان ويفتتح بحضور القضاة والأعيان ويكون لديه مدرسون فقهاء في العلوم الشرعية وطلاب ومعيدون. والله أعلم. ثم وجدت الحافظ ابن حجر العسقلاني قد ترجم لابن قاضي الزبداني في كتابه (إنباء الغمر بأبناء العمر) فقال: ((محمد بن حسن بن محمد بن عمار بن متوج بن جرير الحارثي الدمشقي، شمس الدين بن قاضي الزبداني، ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة، وتفقه على كبر على برهان الدين بن الفركاح وابن الزملكاني، وسمع من إسماعيل بن مكتوم وطبقته، وقرأ على علي بن يحيى الشاطبي، وتميز وبرع وأفتى ودرس بالشامية والعادلية والنجيبية والظاهرية والعادلية الصغرى وبالجامع بدمشق، وانتهت إليه رئاسة الفتوى بالشام، حتى قيل: إنه لم يضبط عليه خطأ في فتوى، مات في مستهل المحرم. وكان شيخه البرهان الفزاري يثني على ذكائه وعلى كتابته المحررة في الفتوى، وكان مقصودا لقضاء حوائج الناس عند القضاة، معظما عندهم، مقبول القول، كثير التواضع، يخضع له الشيوخ. وقد نقل عنه التاج السبكي في الطبقات في ترجمة ابن الزملكاني، ومن مروياته: مسند الشافعي سمعه على وزيرة، وكتاب البسملة لأبي شامة سمعه على علي بن يحيى الشاطبي بسماعه من مصنفه، وقد طلب بنفسه وقتا وكتب الطباق. قال العثماني قاضي صفد: انتهت إليه رئاسة العلم بالشام وغيرها، وسمي شيخ المذهب، وتفرد بإجادة الكتابة على الفتوى في زمانه، وأرخ وفاته سنة خمس وسبعين فوهم)). كما ترجم له الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) فقال: ((محمد بن الحسن بن محمد بن عمار بن متوج بن جرير الحارثي، جمال الدين أبو عبد الله، ابن محيى الدين، ابن قاضي الزبداني، الفقيه الشافعي، ولد في جمادى الآخرة سنة 688هـ، وسمع من ابن مكتوم وابن الجرائدي وست الوزراء وغيرهم، وكتب الطباق بخطه، ومن مروياته مسند الشافعي سمعه على ست الوزراء والبسملة لأبي شامة سمعه على علي بن يحيي الشاطبي بسماعه من مؤلفه، وكان البرهان ابن الفركاح شيخه يثنى على فهمه وعلى فتاويه المحررة. ويقال: إنه لم يضبط عليه فتوى أخطأ فيها، وكان كثير المروءة مقبول القول عند الأكابر كثير التواضع معروفا بقضاء حوائج الناس، وأجاز لعبد الله بن عمر بن العز ابن جماعة، وقرأت بخط الشرف القدسي: سمعت عليه من مسند الشافعي، وقال: ليس في الفقهاء من يكتب على الفتاوى مثله، وتفقه على البرهان ابن الفركاح والكمال الزملكاني وأذن له في الإفتاء، وتقدم في الفقه وغيره وبرع وصار مشارا إليه في الفتوى ودرّس وحدّث، ومات في أول يوم من المحرم سنة 776هـ)). قلت: نستنتج من التراجم أن شمس الدين ابن قاضي الزبداني هو نفسه جمال الدين ابن قاضي الزبداني.
وفي سنة (789هـ) الموافق (1387م) توفي شرف الدين ابن قاضي شهبة وكان قد ولي القضاء في الزبداني مدة، ذكر ذلك ابن العماد الحنبلي في كتابه (شذرات الذهب) فقال: ((وفيها شرف الدين محمد بن كمال الدين يوسف بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة الشافعي، اشتغل على جده ثم على أبيه، وتعانى الأدبيات وقال الشعر وكتب الخط الحسن، قال ابن حجي: كان جميل الشكل حسن الخلق وافر العقل كثير التودد، ولي قضاء الزبداني مدة ثم تركه، وتوفي عشر الأربعين في ربيع الآخر ووجد عليه أبوه وجدا كثيرا حتى مات بعده عن قرب)). وقد ترجم له الحافظ ابن حجر العسقلاني بمثل الترجمة السابقة.
وفي سنة (790هـ) الموافق (13887م) كمال الدين ابن قاضي شهبة والد السابق وكان قد تولى القضاء في الزبداني مدة بعد أبيه في حياته، قال الحافظ ابن حجر في كتابه (إنباء الغمر بأبناء العمر) في ترجمته: ((يوسف بن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب الأسدي، كمال الدين بن الشيخ شرف الدين ابن قاضي شهبة، ولد في رمضان سنة عشرين وسبعمائة، واشتغل على والده وغيره ومهر، وكان والده يرجحه على أقرانه، وولي قضاء الزبداني، ثم الكرك، ثم نزل له أبوه عن وظائفه فباشرها في حياته ثم ولي تدريس العصرونية، وأفتى وشغل الناس بالجامع، وكان ساكنا منجمعا دينا خيرا حسن الشكل، مات في شوال)).
وفي سنة (790هـ) الموافق (1388م) توفي شمس الدين خطيب المزة وكان قاضيا في الزبداني أواخر عمره، قال ابن العماد الحنبلي في تاريخه شذرات الذهب): ((وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي الأسمري خطيب المزة، سمع الكثير من التقي سليمان ووزيرة وابن مكتوم وغيرهم، وتفرد بأشياء وأكثروا عنه، وهو آخر من حدث عن ابن مكتوم بالموطأ وعن وزيرة بمسند الشافعي، وولي بآخرة قضاء الزبداني وتوفي في ذي القعدة عن ست وثمانين سنة)). قلت: وقد ترجم له الحافظ ابن حجر العسقلاني في (إنباء الغمر بأبناء العمر) بمثل الترجمة السابقة فلا داعي للتكرار.
وفي أحداث سنة (793هـ) ذكر ابن حجر العسقلاني في تاريخه (إنباء الغمر بأبناء العمر) الزبداني في سياق خروج الأمير المملوكي منطاش على السلطان الظاهر برقوق فقال: ((وفيها توجه منطاش (أحد المماليك الخرجين على السلطان) في جمادى الآخرة من مرعش إلى العمق ، ثم سار منها إلى سرمين ثم إلى حماة ثم إلى حمص ثم إلى بعلبك، فبلغ ذلك الناصري (نائب السلطان على دمشق) فخرج إليه من طريق الزبداني فخالفه منطاش إلى دمشق، فنزل القصر الأبلق، وذلك في رجب، وسار أحمد شكر بجماعة البيدمرية ودخل دمشق من باب كيسان ولاقى منطاش بالخيول، فرجع الناصري فاقتتلا قتالا كثيرا، وكاتب الناصري السلطان (الظاهر برقوق) يستحثه على الوصول لدمشق، فاتفق خروج السلطان في العساكر في أواخر شعبان إلى أن بلغ دمشق في رمضان، فلما قرب من دمشق هرب منطاش، فدخل في العشر الأخير من رمضان، ثم توجه إلى حلب فدخلها في العشر الأخير من شوال. وكان طروق منطاش البلاد الشامية في جمادى الآخرة، فأول ما طرق سرمين، فبلغ ذلك نائب حماة فخاف منه فهرب فدخل حماة بغير قتال، ثم كثر جمعه فتوجه إلى حمص، فهرب صاحبها إلى دمشق، فملكها أيضا ثم توجه إلى دمشق، فلما وصل إلى بعلبك هرب نائبها أيضا، فدخلها بغير قتال ولم يشوش على أحد من أهل هذه البلاد، ثم توجه إلى دمشق فخرج إليه الناصري بعساكر دمشق من جهة الزبداني، وكان منطاش قد توجه إلى جهة طرابلس فخالف أحمد شكر التركماني، وكان من جهة منطاش الطريق التي توجه منها الناصري في العسكر، فدخل دمشق فالتفت عليه جماعة من البيدمرية فأخذ منها خيولا كثيرة وتوجهوا بها إلى منطاش، فقوي بهم ورجع إلى دمشق من طريق أخرى ونزل القصر الأبلق، وبلغ ذلك الناصري فرجع وحاصره بدمشق ودام القتال بينهما وقتل من الطائفتين جماعة ونهبت دور كثيرة وخربت، فلما طال الحصار ترك منطاش دمشق وتوجه إلى بعلبك)).
وفي سنة (798هـ) الموافق (1396م) توفي الفقيه فخر الدين عثمان بن عبد الله العامري، قال ابن العماد الحنبلي في تاريخه (شذرات الذهب): ((وفيها فخر الدين عثمان بن عبد الله العامري: أخو تقي الدين، كان شافعيا بارعا في الفقه، وهو منسوب إلى كفر عامر قرية من ناحية الزبداني فربما قيل فيه الكفر العامري، أخذ عن الشرف الشريشي وأثنى عليه ابن حجي بحسن الفهم وصحة الذهن وهو ممن أذن له البلقيني في الإفتاء توفي في ذي الحجة كهلا دون الأربعين)). قلت: وترجم له الحافظ ابن حجر مثل الترجمة السابقة فلا داعي للإعادة.
((وفي بكرة الثلاثاء مستهل شهر ربيع الأول توفي الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن نعمة ابن إبراهيم بن نعمة، الزبداني الأصل ثم الصالحي، السمسار في الغنم بقاسيون، المعروف بابن اللحام، وصُلي عليه عُقيب الظهر بالجامع المظفري ودفن بناحية جامع الأفرم بقاسيون. سمع من الكمال عبد الرحيم بن عبد الملك السابع من أمالي القاضي أبي بكر الأنصاري سنة ثلاث وستين وستمائة بقراءة ابن الخباز، وحدث به غير مرة، ومولده تقريباً في سنة ثمان وخمسين وستمائة من ضواحي دمشق)).
وأما قطب الدين اليونيني وهو من وفيات سنة (744هـ) الموافق (1343م) فقد ذكر الزبداني في كتابه (ذيل مرآة الزمان) مستدلا على التوافق بين الدعاء من الإنسان والإجابة من الله تعالى، فقال: ((وحكى لي القاضي تاج الدين عبد الخالق رحمه الله ما معناه قال: قدم بعلبك في الأيام الأمجدية شخص كاتب وادعى أنه من ذرية شاور وزير العاضد بمصر أو من أقاربه، فولاه الملك الأمجد المواريث الحشرية ببعلبك، واتفق غيبة الملك الأمجد فمات شخص وله أولاد عم فاحتاط على تركته، فطلبه الشيخ وقال له هذا الرجل له وارث وأنا أعرف أنهم أولاد عمه ومستحقي ميراثه فليس لكم عليه اعتراض، فقال: السلطان أمرني أن من مات احتاط على تركته وأنا ما أفرج من هذه التركة فغضب الشيخ وقال له: قم قطع الله يدك ويد السلطان معك، فقام ذلك الشخص وتوجه إلى الملك الأمجد بالمكان الذي كان فيه وشكا إليه فقال له كنت امتثلت ما أمرك به فأنت تراني لا أخالفه وأنكر عليه، فما وسعه المقام ببعلبك فتوجه إلى دمشق وأقام بها مدة وعثر عليه أنه زور توقيعاً فقطعت يده، وأما الملك الأمجد فبعد أخذ بعلبك منه نزل إلى دمشق وأقام بدار السعادة وهي داره فضربه مملوك له بالسيف على يده فقطعها وجرحه جرحاً آخر وبقي يومين ومات رحمه الله. ومما يقارب هذا أن خالي تاج الدين يعقوب بن سنى الدولة رحمه الله قدم بعلبك في الأيام الناصرية زائرا ونزل في دار ابن عمه الشرف خضر، وكان والدي كثير البر بأقارب والدتي فاتفق أنه قصد رؤيته وأنا معه، فلما دخل قام خالي وقبل يده وقعد بين يديه وهناك فقير موله يقال له علي وقد أحسن خالي فيه الظن، فلما دخل والدي قعد ذلك الفقير في الصفة فحضر الشمس محمد بن داود خادم والدي ومعه رأس مشوي ومدت السفرة وطلبوا على الفقير ليأكل فوضع يده على أنفه وقال أفوه أفوه وجعل يكرر هذا القول، فلما سمعه والدي زعق فيه وقال قم قطع الله أنفك فخرج من البيت لوقته وطلب طريق الزبداني فلما كان بعد المغرب صادفه جندي سكران في الرمانة فضربه بالسيف فاصطلم أنفه بالكلية فعاد من الغد وهو على هذه الصورة وخولط في عقله فلم ينتفع بنفسه إلى أن مات)).
ومن نماذج الظلم في العهد المملوكي هذه الحادثة التي ذكرت فيها الزبداني في ترجمة أرغون شاه الناصري أحد أمراء المماليك بدمشق وذلك في أحداث سنة (748هـ) الموافق (1347م)، قال الصفدي في كتابه (الوافي في الوفيات): ((وقدّم إليه وهو في سوق الخيل نصراني من الزبداني رمى مسلماً بسهم نشّاب فقتله، فأمر بتفصيله فقطعت يداه من كتفيه ورجلاه من فخذيه وحُزّ رأسه، وحُملت أعضاؤه على أعواد وطيف بها. فارتعب الناس لذلك فقلت:
لله أرغون شاهٍ * كم للمهابة حصّل
وكم بسيف سطاه * من ذي ضلالٍ تنصّل
ومجمل الرعب خلّى * بعض النصارى مفصّل)). كما ذكر هذه الحادثة ابن تغري بردي في كتابه (المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي).
وذكر الزبداني المؤرخ الشهير شهاب الدين أحمد بن يحيى ابن فضل الله العمري وهو من وفيات سنة (749هـ) الموافق (1348م) في كتابه (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) عند حديثه عن نهر بردى فقال: ((وأما نهر دمشق وهو بردى فمجراه من عينين، البعيدة منهما دون قرية تسمى الزبداني، ودونها عين بقرية تسمى الفيجة بذيل جبل عزتا، والماء خارج من صدع في نهاية سُفل الجبل، وقد عقد على مخرج مائه قبو رومي البناء، ثم ترفده منابع في مجرى النهر، ثم يقسم النهر أربعة، اثنان عن اليمين واثنان عن الشمال مرفوعان على مجرى النهر في قرارة الوادي دائمة بمقسم معلوم، وعليه التفاف بساتين ممتدة من الجانبين إلى أن يمر على المكان المسمى بالربوة وقد بنى الملك العادل الشهيد نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله بها المقام المعروف بمهد عيسى، يقال أن مريم آوت إليه بولدها عيسى عليه السلام، وأن هذه الربوة هي المعنية بقوله تعالى: (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين)). كما ذكر الزبداني عند حديثه على دير بلودان فقال محمد كرد علي في كتابه خطط الشام: ((دير بلودان: مر به ابن فضل الله العمري (749) فقال فيه: إن بناءه قديم بديع الحسن وافر الغلة كثير الكروم والفواكه والماء الجاري، بقربه قرية بلودان، وهي محاذية لكفر عامر، تطل من مُشترفها على جبة الزبداني ببلاد دمشق، وبه رهبان نظاف، مر عليه ونزل إليه ونظم فيه أبياتا منها:
حبذا الدير من بلودان دار * أيّ دير به وأيّ نصارى
فيهم كل أمور الطرف أحوى * فائق الحسن في حسان العذارى
وفي رواية أن بلودان بالدال المعجمة، قال محاسن الشوا الحلبي:
حييا ساكني بلوذان عني * ورجالا بدير قانون زهرا
ولا يُعرف متى زال هذا الدير)) (خطط الشام الجزء السادس). ثم وقفت على ما قاله ابن فضل الله العمري في كتابه (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) حيث قال: ((دير بَلُوذان: وبناؤه قديم، بديع الحسن، وافر الغلّة، كثير الكروم والفواكه والماء الجاري، بقرية بَلُوذان، وهي محاذية لكفر عامر، تطلُّ من مُشترفها على جبّة الزبداني، ببلاد دمشق. وبه رهبان نظاف، وغلمان من أبناء النصارى ظراف. مررت عليه، ونزلت إليه. ورأيت به غلاما يفوق الظبي حُسنا، ويشبه البدر أو أسنى. بخصر نحيل، وطرف كحيل. قد قطع الزنار بين خصره وردفه، ونفث السحر بين جفنه وطرفه. ثم ما كان بأعجل مما استتر بدره، ولاح ثم خفي فجره. فقلت فيه:
حبَّذا الديرُ من بَلُوذَانَ دارَا * أيُّ ديرٍ به وأيُّ نَصَارى!
فيهمُ كُلُّ أحْوَرِ الطرْف أحْوى* فائِق الحسنِ في حَياءِ العَذَارى!
وغلامٍ رأيتُه كهِلالٍ * ما بَدا للعُيُون حتّى تَوَارى!
بقَوَام إذا تمايل نَشْوا * ناً فألحاظُ مقلتيْهِ سُكارى!
ناحِل الخَصْر حلَّ عِقدَ اصطِبارِي * عندما شَدَّ خَصْره الزُّنارا!
قبلَ رُؤياه ما رأيتُ غَزَالاً * بات يسْقي من مَرْشفَيْه العُقَارا!)).
وفي سنة (764هـ) الموافق (1362م) توفي بدمشق القاضي والمحدّث تقي الدين أبو بكر بن سليمان المقدسي وكان قاضيا في الزبداني لمدة من الزمن، ذكر ذلك ابن رافع السلامي في كتابه (الوفيات) فقال: ((وفي الثامن والعشرين من شوال توفي المعدل تقي الدين أبو بكر بن سليمان المقدسي بظاهر دمشق ودفن بمقبرة الصوفية. سمع من الشيخ شهاب الدين أحمد بن فرج قصيدة في علوم الحديث وحدّث، وتولى قضاء الزبداني وكرك نوح ونزل بالمدارس وحج قاضيا للركب الشامي)).
وفي وفيات سنة (773هـ) الموافق (1371م) ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (إنباء الغمر بأبناء العمر) المحدّث والعالم عز الدين السوقي نسبة لقرية سوق وادي بردى من أعمال الزبداني) وترجم له فقال: ((محمد بن أبي بكر بن علي السوقي الصالحي، عز الدين، أحد المسندين بدمشق، ولد سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وستمائة، وسمع من عمر بن القواس معجم ابن جميع ومن إسماعيل بن الفراء بعض سنن ابن ماجة، وحدث وتفرد، وهو أحد من أجاز عاما: مات بالصالحية في أحد الجمادين من هذه السنة (773)، وأرخه بعضهم في ربيع الأول ولعله أتقن)). كما ترجم له أبو الطيب الفاسي المكي في كتابه (ذيل التقييد) فقال: ((محمد بن أبي بكر بن علي الدمشقي الصالحي المعروف بابن السوقي، عز الدين، أبو عبد الله، سمع بعض (سنن ابن ماجة) على العز إسماعيل الفراء، وعليه وعلى أخته صفية (أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم) للقاضي عياض، وعلى محفوظ بن معتوق بن البزوري (فضائل القرآن) لأبي عبيد وعلى عمر بن عبد المنعم القواس (معجم ابن جميع) و (جزء محمد بن يزيد بن عبد الصمد)، مات في أحد الجمادين سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بدمشق ومولده سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وروت عنه بالإجازة أم محمد سارة بنت عمر بن عبد العزيز بن جماعة)). كما ترجم له ابن حجر العسقلاني في كتابه (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) فقال: ((محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي محمد بن عبد الله بن طارق الآبلي بكسر الهمزة والموحدة نسبة إلى إبل السوق بوادي بردا الأصل، ثم الصالحي عز الدين المعروف بالسوقي ولد سنة 682هـ، وكان نجارا ثم حجارا بالقلعة ثم عمل قطانا، وتزوج عدة نسوة وتفرد بالسماع من ابن القواس والعز الفراء وأحمد بن مؤمن وعلي بن محمد بن بقاء وطائفة، وحدث بمعجم بن جميع وجزء محمد بن يزيد بن عبد الصمد عن ابن القواس وقطعة من سنن ابن ماجه عن الفراء وغير ذلك، وله إجازة من عمر العقيمي وأبي الفضل بن عساكر وغيرهما، وقرأ عليه نور الدين الفوي بإجازته من الفخر فغلطوه في ذلك، وهو من بيت رواية مات في شهر ربيع الآخر سنة 773 وقد أجاز لعبد الله بن عمر ابن العز بن جماعة)). وقال ابن فهد المكي في (لحظ الألحاظ): ((وفي الدرر الكامنة: عز الدين محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي محمد بن عبد الله بن طارق السوقي الأصل، الصالحي، المعروف بالسوقي نسبة إلى سوق وادي بردى. أي: بلدة بوادي نهر بردى بنواحي دمشق)).
وفي سنة (776هـ) الموافق (1374م) توفي الإمام والمحدّث ورئيس الفتوى في الشام جمال الدين ابن قاضي الزبداني، ذكر ذلك ابن تغري بردي في كتابه (النجوم الزاهرة) فقال: ((وتوفي الشيخ الإمام العالم العلامة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن عمار الحارثي الدمشقي الشافعي الشهير بابن قاضي الزبداني بدمشق عن سبع وثمانين سنة. وقد انتهت إليه رياسة الفتوى بالشام في زمانه ودرّس بظاهرية دمشق وعادليتها الصغرى وكتب وصنف)). قلت: وأما الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني فكان عالما وشيخا ومدرسا ومفتيا وكان معاصرا لابن كثير وكان بينهما صحبة وصداقة وذكره في أكثر من موضع في تاريخه، فقد ذكر ابن كثير في أحداث سنة (726هـ) الموافق (1326م) أنه أصبح مدرسا بالمدرسة النجيبية بدمشق فقال: ((وفي ثاني عشر ذي الحجة درّس بالنجيبية ابن قاضي الزبداني، عوضا عن الدمشقي نائب الحكم الذي مات بالمدرسة المذكورة))، وفي أحداث سنة (736هـ) الموافق (1335م) ذكر ابن كثير عن نفسه أنه تسلم تدريس المدرسة النجيبية من الشيخ جمال الدين الذي تحول إلى تدريس المدرسة الظاهرية الجوانية فقال: ((وفي يوم الخميس عاشر جمادى الأول درّس بالنجيبية كاتبه إسماعيل بن كثير عوضا عن الشيخ جمال الدين بن قاضي الزبداني، الذي تركها حين تعين له تدريس الظاهرية الجوانية، وحضر عنده القضاة والأعيان وكان درسا حافلا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه، وكان ذلك في تفسير قوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) (فاطر: 28) وانساق الكلام إلى مسألة ربا الفضل. وفي يوم الأحد رابع عشره ذكر الدرس بالظاهرية المذكورة ابن قاضي الزبداني عوضا عن علاء الدين بن القلانسي توفي، وحضر عنده القضاة والأعيان، وكان يوما مطيرا)). وفي أحداث سنة (664هـ) ذكر الإمام الذهبي في كتابه (العبر في خبر من غبر) أن جمال الدين ابن قاضي الزبداني تولى التدريس في العادلية بعد وفاة الشيخ شهاب الدين البعلبكي فقال: ((وفي هذا العام ... توفي بدمشق الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن بلبان بن عبد الله البعلبكي الشافعي، المقرئ المجود، النحوي المتقن شيخ وظيفة الإقراء بتربة أم الصالح، وبالأشرفية، ومدرِّس القليجية، والعادلية الصغرى. وولي بعده التدريس بالعادلية الشيخ جمال الدين محمد بن الحسن الحارثي ابن قاضي الزبداني)). قلت: وهذا يدل على أن المدرس هو بمثابة مدير مدرسة يتم تعيينه بمرسوم من السلطان ويفتتح بحضور القضاة والأعيان ويكون لديه مدرسون فقهاء في العلوم الشرعية وطلاب ومعيدون. والله أعلم. ثم وجدت الحافظ ابن حجر العسقلاني قد ترجم لابن قاضي الزبداني في كتابه (إنباء الغمر بأبناء العمر) فقال: ((محمد بن حسن بن محمد بن عمار بن متوج بن جرير الحارثي الدمشقي، شمس الدين بن قاضي الزبداني، ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة، وتفقه على كبر على برهان الدين بن الفركاح وابن الزملكاني، وسمع من إسماعيل بن مكتوم وطبقته، وقرأ على علي بن يحيى الشاطبي، وتميز وبرع وأفتى ودرس بالشامية والعادلية والنجيبية والظاهرية والعادلية الصغرى وبالجامع بدمشق، وانتهت إليه رئاسة الفتوى بالشام، حتى قيل: إنه لم يضبط عليه خطأ في فتوى، مات في مستهل المحرم. وكان شيخه البرهان الفزاري يثني على ذكائه وعلى كتابته المحررة في الفتوى، وكان مقصودا لقضاء حوائج الناس عند القضاة، معظما عندهم، مقبول القول، كثير التواضع، يخضع له الشيوخ. وقد نقل عنه التاج السبكي في الطبقات في ترجمة ابن الزملكاني، ومن مروياته: مسند الشافعي سمعه على وزيرة، وكتاب البسملة لأبي شامة سمعه على علي بن يحيى الشاطبي بسماعه من مصنفه، وقد طلب بنفسه وقتا وكتب الطباق. قال العثماني قاضي صفد: انتهت إليه رئاسة العلم بالشام وغيرها، وسمي شيخ المذهب، وتفرد بإجادة الكتابة على الفتوى في زمانه، وأرخ وفاته سنة خمس وسبعين فوهم)). كما ترجم له الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) فقال: ((محمد بن الحسن بن محمد بن عمار بن متوج بن جرير الحارثي، جمال الدين أبو عبد الله، ابن محيى الدين، ابن قاضي الزبداني، الفقيه الشافعي، ولد في جمادى الآخرة سنة 688هـ، وسمع من ابن مكتوم وابن الجرائدي وست الوزراء وغيرهم، وكتب الطباق بخطه، ومن مروياته مسند الشافعي سمعه على ست الوزراء والبسملة لأبي شامة سمعه على علي بن يحيي الشاطبي بسماعه من مؤلفه، وكان البرهان ابن الفركاح شيخه يثنى على فهمه وعلى فتاويه المحررة. ويقال: إنه لم يضبط عليه فتوى أخطأ فيها، وكان كثير المروءة مقبول القول عند الأكابر كثير التواضع معروفا بقضاء حوائج الناس، وأجاز لعبد الله بن عمر بن العز ابن جماعة، وقرأت بخط الشرف القدسي: سمعت عليه من مسند الشافعي، وقال: ليس في الفقهاء من يكتب على الفتاوى مثله، وتفقه على البرهان ابن الفركاح والكمال الزملكاني وأذن له في الإفتاء، وتقدم في الفقه وغيره وبرع وصار مشارا إليه في الفتوى ودرّس وحدّث، ومات في أول يوم من المحرم سنة 776هـ)). قلت: نستنتج من التراجم أن شمس الدين ابن قاضي الزبداني هو نفسه جمال الدين ابن قاضي الزبداني.
وفي سنة (789هـ) الموافق (1387م) توفي شرف الدين ابن قاضي شهبة وكان قد ولي القضاء في الزبداني مدة، ذكر ذلك ابن العماد الحنبلي في كتابه (شذرات الذهب) فقال: ((وفيها شرف الدين محمد بن كمال الدين يوسف بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة الشافعي، اشتغل على جده ثم على أبيه، وتعانى الأدبيات وقال الشعر وكتب الخط الحسن، قال ابن حجي: كان جميل الشكل حسن الخلق وافر العقل كثير التودد، ولي قضاء الزبداني مدة ثم تركه، وتوفي عشر الأربعين في ربيع الآخر ووجد عليه أبوه وجدا كثيرا حتى مات بعده عن قرب)). وقد ترجم له الحافظ ابن حجر العسقلاني بمثل الترجمة السابقة.
وفي سنة (790هـ) الموافق (13887م) كمال الدين ابن قاضي شهبة والد السابق وكان قد تولى القضاء في الزبداني مدة بعد أبيه في حياته، قال الحافظ ابن حجر في كتابه (إنباء الغمر بأبناء العمر) في ترجمته: ((يوسف بن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب الأسدي، كمال الدين بن الشيخ شرف الدين ابن قاضي شهبة، ولد في رمضان سنة عشرين وسبعمائة، واشتغل على والده وغيره ومهر، وكان والده يرجحه على أقرانه، وولي قضاء الزبداني، ثم الكرك، ثم نزل له أبوه عن وظائفه فباشرها في حياته ثم ولي تدريس العصرونية، وأفتى وشغل الناس بالجامع، وكان ساكنا منجمعا دينا خيرا حسن الشكل، مات في شوال)).
وفي سنة (790هـ) الموافق (1388م) توفي شمس الدين خطيب المزة وكان قاضيا في الزبداني أواخر عمره، قال ابن العماد الحنبلي في تاريخه شذرات الذهب): ((وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي الأسمري خطيب المزة، سمع الكثير من التقي سليمان ووزيرة وابن مكتوم وغيرهم، وتفرد بأشياء وأكثروا عنه، وهو آخر من حدث عن ابن مكتوم بالموطأ وعن وزيرة بمسند الشافعي، وولي بآخرة قضاء الزبداني وتوفي في ذي القعدة عن ست وثمانين سنة)). قلت: وقد ترجم له الحافظ ابن حجر العسقلاني في (إنباء الغمر بأبناء العمر) بمثل الترجمة السابقة فلا داعي للتكرار.
وفي أحداث سنة (793هـ) ذكر ابن حجر العسقلاني في تاريخه (إنباء الغمر بأبناء العمر) الزبداني في سياق خروج الأمير المملوكي منطاش على السلطان الظاهر برقوق فقال: ((وفيها توجه منطاش (أحد المماليك الخرجين على السلطان) في جمادى الآخرة من مرعش إلى العمق ، ثم سار منها إلى سرمين ثم إلى حماة ثم إلى حمص ثم إلى بعلبك، فبلغ ذلك الناصري (نائب السلطان على دمشق) فخرج إليه من طريق الزبداني فخالفه منطاش إلى دمشق، فنزل القصر الأبلق، وذلك في رجب، وسار أحمد شكر بجماعة البيدمرية ودخل دمشق من باب كيسان ولاقى منطاش بالخيول، فرجع الناصري فاقتتلا قتالا كثيرا، وكاتب الناصري السلطان (الظاهر برقوق) يستحثه على الوصول لدمشق، فاتفق خروج السلطان في العساكر في أواخر شعبان إلى أن بلغ دمشق في رمضان، فلما قرب من دمشق هرب منطاش، فدخل في العشر الأخير من رمضان، ثم توجه إلى حلب فدخلها في العشر الأخير من شوال. وكان طروق منطاش البلاد الشامية في جمادى الآخرة، فأول ما طرق سرمين، فبلغ ذلك نائب حماة فخاف منه فهرب فدخل حماة بغير قتال، ثم كثر جمعه فتوجه إلى حمص، فهرب صاحبها إلى دمشق، فملكها أيضا ثم توجه إلى دمشق، فلما وصل إلى بعلبك هرب نائبها أيضا، فدخلها بغير قتال ولم يشوش على أحد من أهل هذه البلاد، ثم توجه إلى دمشق فخرج إليه الناصري بعساكر دمشق من جهة الزبداني، وكان منطاش قد توجه إلى جهة طرابلس فخالف أحمد شكر التركماني، وكان من جهة منطاش الطريق التي توجه منها الناصري في العسكر، فدخل دمشق فالتفت عليه جماعة من البيدمرية فأخذ منها خيولا كثيرة وتوجهوا بها إلى منطاش، فقوي بهم ورجع إلى دمشق من طريق أخرى ونزل القصر الأبلق، وبلغ ذلك الناصري فرجع وحاصره بدمشق ودام القتال بينهما وقتل من الطائفتين جماعة ونهبت دور كثيرة وخربت، فلما طال الحصار ترك منطاش دمشق وتوجه إلى بعلبك)).
وفي سنة (798هـ) الموافق (1396م) توفي الفقيه فخر الدين عثمان بن عبد الله العامري، قال ابن العماد الحنبلي في تاريخه (شذرات الذهب): ((وفيها فخر الدين عثمان بن عبد الله العامري: أخو تقي الدين، كان شافعيا بارعا في الفقه، وهو منسوب إلى كفر عامر قرية من ناحية الزبداني فربما قيل فيه الكفر العامري، أخذ عن الشرف الشريشي وأثنى عليه ابن حجي بحسن الفهم وصحة الذهن وهو ممن أذن له البلقيني في الإفتاء توفي في ذي الحجة كهلا دون الأربعين)). قلت: وترجم له الحافظ ابن حجر مثل الترجمة السابقة فلا داعي للإعادة.
تعليقات
إرسال تعليق