وفي سنة (653هـ) الموافق (1257م) شاهد الشيخ سعد الدين مسعود بن عبد الله بن عمر بن علي بن محمد بن حمويه شجرة جوز ضخمة في قرية من أعمال الزبداني وأن محيط جذع الشجرة اثنا عشر ذراعا وحملها مائة وعشرون ألف جوزة، وقد ذكر ذلك الإمام الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) نقلا عن الشيخ سعد الدين فقال:
((قال: رأيت عند خطيب القاهرة فخر الدين القاضي السكري قشر حية أهدي لوالده من الهند، عرضه ثلاثة أشبار. قال: ورأيت بقرية من أعمال الزبداني سنة ثلاث وخمسين وستمائة شجرة جوز دورها اثني عشر ذراعا، وحملها مائة ألف وعشرون ألف جوزة. قال: ورأيت بقرب ميافارقين شجرة بلوط، قست دورها اثنين وعشرين شبرا. ونزلت عند الملك المظفر غازي ابن العادل، فأحضروا بين يدي جديين توأم، وجه أحدهما قريب من وجه الآدمي، وله خرطوم كالخنزير، وتحت الخرطوم عينان، وفي جبهته عينان أيضا، وله فم كفم الآدمي، ولسان عريض. ورأيت أيضا جديا بفرد عين في وسط جبهته، وله إلية مثل الضأن)).
وفي وفيات سنة (654هـ) الموافق (1258م) ذكر الإمام الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) بدر الدين المراغي وأنه كان قد تولى قضاء وادي بردى فقال: ((بدر الدّين المراغي: شيخ خانقاه الطاحون بدمشق. وقع به السُّلم من أعلى الخانقاه إلى الوادي فهلك في ذي الحجة. وقال أبو شامة: كان فقيها صالحا، تولى العقود مدّة، ثم قضاء وادي بَرَدَى، ثم لزم الخانقاه رحمه الله)).
وفي وفيات سنة (656هـ) الموافق (1260م) ذكر ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية) وفاة فتح الدين حفيد العدل الزبداني وقال عنه: ((فتح الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن حيدرة، محتسب دمشق، وكان مشكورا حسن الطريقة، وجده العدل نجيب الدين أبو محمد عبد الله بن حيدرة واقف المدرسة التي بالزبداني في سنة تسعين وخمسمائة تقبل الله منه وجزاه خيرا)). وقد ترجم له أيضا الصفدي في كتابه (الوافي في الوفيات) فقال: ((ابن عبد الصمد: فتح الدين السلمي المحتسب محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن عبد الله بن حيدرة، فتح الدين أبو عبد الله السلمي المعروف بابن العدل، كان من الصدور الكبار ولي حسبة دمشق مدة زمنية إلى أن توفي سنة ست وخمسين وستمائة، كان مشكور السيرة محمود الطريقة موصوفاً بالعفاف والنزاهة كثير المهابة. وجده العدل نجيب الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الله هو باني مدرسة الزبداني وواقفها في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة كان له مكانة مكينة عند السلطان صلاح الدين الكبير وعند أولاده لمعرفة قديمة كانت بينهما، وكان عنده بمنزلة الصاحب والأخ حتى أنه كان يدخل على حريمه ويحدثهن من وراء حجاب، استفاد منه أموالا جمة، وكان كثير البر والصدقة وله الأملاك الكثيرة بتلك الأرض ومن نسله جماعة أعيان منهم فتح الدين المذكور وتوفي بمنزله بجبل قاسيون ودفن بسفحه وقد نيّف على السبعين)). كما ترجم له الإمام شمس الدين الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام فقال: ((محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن حيدرة. فتح الدين السلمي، الزبداني، المعروف بابن العدل. ولي حسبة دمشق مدة، إلى أن تُوفي. وكان مهيبا، جليلا، مشكورا، فيه عفة. تُوُفّي في أول جمادي الآخرة. وقد روى لنا ولده يحيى عن ابن الزبيدي العدل، وهو لقب جده نجيب الدين عبد الله الذي عمل المدرسة بالزبداني. كان ذا مكانة عند السلطان صلاح الدين)). وذكر وفاة فتح الدين حفيد العدل محتسب دمشق وتولي أخيه ناصر الدين الحسبة بعده أبو شامة المقدسي في كتابه (الذيل على الروضتين) فقال في وفيات سنة ستة وخمسين وستمائة: ((وفي مستهل جمادى الآخرة توفي محتسب دمشق فتح الدين بن العدل بمنزله بالجبل، وكان خيّرا متواضعا وقورا رحمه الله، وتولى مكانه الحسبة أخوه ناصر الدين)).
وفي عهد الظاهر بيبرس ركن الدين البندقداري (658ـ 676هـ) (1260ـ 1277م) اشتهرت دمشق وضواحيها ومن بينها الزبداني وكفر عامر بصناعة السيوف الدمشقية البولادية والتي ليس لها مثيل في العالم من حيث المتانة والليونة والحِدّة، وكان الظاهر بيبرس يقدمها هدايا لأقرانه من السلاطين كما حصل حينما أهدى منها إلى بركة خان سلطان المغول والتتار، فقد ذكر فيتال كونيه أنه ((يوجد في ضواحي دمشق عدة مناجم حديد استغلت لصناعة السيوف والنصال الدمشقية، ويوجد كذلك مناجم في حاصبيا ومجدل شمس والزبداني وكفر عامر وعجلون وجبل عقرا قرب جبل نهر الكلب وفي ميروبا وبيت شباب في لبنان وكانت هناك توجد ورشات صهر بسيطة))، وذكر ابن بطوطة ((أن الحديد كان يصدر بكميات كبيرة من مرفأ بيروت إلى الأسواق المصرية في القرن الثالث عشر ميلادي)). (تاريخ صناعة الفولاذ والسيوف الدمشقية).
وفي وفيات سنة (663هـ) الموافق (1265م) ترجم الإمام الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) للقاضي بدر الدين السنجاري وأنه كان قاضيا في البقاع وبعلبك والزبداني فقال: ((يوسف بن الحسن بن علي. قاضي القضاة، بدر الدين، أبو المحاسن السنجاري، الشافعي، الزرزاري. كان صدرا محتشما، وجوادا ممدحا. تقدم بسنجار وتلك البلاد في شبوبيته عند الملك الأشرف. فلما تملك دمشق ولاه قضاء البقاع وبعلبك والزبداني. وكان له نواب في بعضها. وكتبوا له في إسجالاته: قاضي القضاة. قال قطب الدين: كان يسلك من الخيل والمماليك والتجمل ما لا يسلكه الوزراء الكبار. ثم عاد إلى سنجار، فلما مات الملك الكامل وخرجت الخوارزمية عن طاعة ولده الصالح، راح الصالح إلى سنجار، فطمع فيه صاحب الموصل، ونازله بسنجار، ولم يبق إلا أن يسلمها. وبدر الدين قاضٍ بها، فأرسله الصالح تلك الليالي من السور، فنزل وذهب إلى الخوارزمية، وخاطر بنفسه وركب الأهوال، واجتمع بهم واستمالهم ومناهم، وساروا معه، ووافاهم الملك المغيث ولد الصالح من حران، وأقبلوا إلى سنجار، فترحل صاحب الموصل عنها هاربا، واحتوت الخوارزمية على أثقاله وعظمت منزلة القاضي بدر الدين عند الصالح، فلما تملك البلاد وفد إليه بدر الدين ففرح به وأكرمه. وكان شرف الدين ابن عين الدولة قاضي الإقليم بكماله، فأفرد عنه مصر والوجه القبلي، وفوضه إلى بدر الدين. فلما مات ابن عين الدولة ولاه الصالح قضاء القضاة بالقاهرة والوجه البحري، وكان عنده في أعلى المراتب. وكان الشيخ الأمير فخر الدين ابن الشيخ يكره القاضي بدر الدين، فكتب فيه مرة إلى الصالح يغض منه وينسبه إلى أخذ الرشا من العدول وقضاة البر. فلما وقف على كتابه كتب إليه بخطه على رأس كتابه: يا أخي فخر الدين للقاضي بدر الدين علي حقوق عظيمة لا أقوم بشكرها، والذي تولاه قليل في حقه. فلما وقف على ذلك لم يعاوده. وتولى بدر الدين أيضا تدريس الصالحية، وباشر وزارة مصر مدة. ولم يزل يتنقل في المناصب إلى أوائل دولة الظاهر، فصرفه عن ذلك ولزم بيته، وبقي الرؤساء يترددون إليه. وحرمته وافرة، ومحله كبير. وكان كثير الصفح عن الزلات، راعيا للحقوق، مقصدا لمن يرد عليه، سخيا كريما. حج على البحر وصام بمكة. وقال أبو شامة: وفي رجب توفي قاضي سنجار بدر الدين الكردي الذي تولي قضاء مصر مرارا، وكانت له سيرة معروفة من أخذ الرشا من قضاة الأطراف والشهود والمتحاكمين. وحصل له ولأتباعه تشتت في البلاد ومصادرات. وقال غيره: ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بجبال إربل، وسمع وحدث، ومات في رابع عشر رجب. ومن نوابه في قضاء القاهرة القاضي شمس الدين ابن خلكان الإربلي. وقال أبو الحسين علي بن عبد الرحيم الحموي: ولما كنت مع جدي الصاحب شيخ الشيوخ حضر إليه القاضي بدر الدين السنجاري وسأل من جدي أن يشرف منزله، فأتيناه وهو عند باب البحر بمصر، فرأينا منزله وفيه من حسن الآثار، وعلو همة القاضي، وشرف نفسه، وكثرة مماليكه، وآلاته وخدامه ما يعجز كثير من الملوك عن مضاهاته. فأقمنا عنده سبعة أيام، وقدم تقادم وخلع على جماعة)).
وفي أحداث سنة (669هـ) الموافق (1270م) ذكر النويري في كتابه (نهاية الأرب في فنون الأدب) السيل الضخم الذي جاء من بعلبك مارا بوادي بردي وقرية الفيجة إلى مدينة دمشق، فقال: ((وفي ثاني عشر شوال سنة تسع وستين وستمائة، وهو يوم عيد عنصرة اليهود، جاء سيل عظيم على دمشق في الساعة الثامنة من النهار، وعلا على سور دمشق قدر رمح، وفي بعض المواضع أحد عشر ذراعا، ودخل من باب الفراديس بعد أن خرّب جسره، وأهرب جسر بابي السلامة وتوما، ووصل إلى المدرسة الفلكية وصار فيها مقدار قامة وبسطة. واستمر ثلاث ساعات من النهار وهبط. وكان مبدأ هذا السيل إنه انعقد على جبال بعلبك غيم متكاثف فسمع لرعده دوى هائل في يوم السبت حادي عشر شوال، وكان بذلك الوادي ثلوج كثيرة، فوقع المطر على الثلوج فحلها، وسال في يوم الأحد من جهة عين الفيجة بعد أن رمى فيها صخورا عظيمة ساقها بين يديه، واقتلع أشجار جوز عادية، وانتهى إلى دمشق وخرب عدة كثيرة من دور العقبية، وخرب حيطان الميدان وقطاير البساتين، وأهلك خلقا كثيرا من الروم والعجم كانوا قد قدموا حجاجا ونزلوا بالميدان وغرقوا عن آخرهم هم وجمالهم ودوابهم، وأغرق من الحيوانات على اختلاف أجناسها مما لا يعد كثرته، وردم الأنهار بطين أصفر، واقتلع الأشجار من أصولها، ودخل السلطان بعد ذلك بأيام إلى دمشق فما وجد بها ماء ولا حماما يدور، وشرب الناس من الصهاريج والآبار ويقال: إنه هلك بهذا السيل عشر آلاف نفس، وأخذ الطواحين بحجارتها. وحكي أن فقيرا يعرف بالخير حضر إلى دار نائب السلطنة بدمشق قبل هذه الحادثة وقال: عرّفوا الأمير أن أريد أعدو إلى بعلبك. فقال له الأمير: رح، أجر. وضحكوا منه فتوجه، وعاد وهو ينذر الناس بالسيل فضحكوا منه ولم يعبأوا بكلامه فما أحسوا إلا والسيل قد هجم)).
وفي سنة (680هـ) الموافق (1281م) توفي القاضي نفيس الدين الزبداني، وقد ترجم له الإمام الذهبي في (تاريخ الإسلام) فقال: ((هبة الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن جرير. القاضي نفيس الدين أبو القاسم الحارثي، الزبداني، قاضي بلده. سمع جزءا حضورا بالزبداني من ابن ملاعب، وكان جليلا، نبيلا، فاضلا، ذا كرم وسؤدد. عُرض عليه قضاء بعلبك، فأبى أن يفارق وطنه وأملاكه. وكان دينا خيرا. وسمع (مسند عبد) من ابن اللتي. سمع منه: المزي، والبرزالي، والطلبة. ومات فجأة بدمشق ودفن بقاسيون في تاسع صفر وله ثلاث وسبعون سنة. لنا منه إجازة. وكان يدري الرمل، ويعالج بعض الأعيان)). وقد ترجم له أيضا محمد بن عبد المنعم الحميري في كتابه (الروض المعطار في خبر الأقطار) باسم محمد بن هبة الله الأنصاري فقال: ((الزبداني: بلدة كثيرة المياه والأشجار بين دمشق وبعلبك، منها: أبو محمد هبة الله الأنصاري الزبداني قاضي الزبداني، كان إذا حلّ ملك كبير أظهر في ضيافته ما يتعجب منه كثرة واتقانا. وهو القائل وقد مرض محبوب له:
قد قلت للدهر على أنني * أنهاه كي رجع عن حكمه
أمرضت من أهوى وعافيتني * فقال موت المرء من فهمه
قد نلتُ من قلبك لما اشتكى * أكثر مما نلتُ من جسمه
وهو القائل وقد خدم أميرا جميل الصورة:
أحمد الله على ما تمَّ لي * أنجح السعي وصحَّ الأملُ
الذي أخدمه أعشقه * فمديحي في علاه غزلُ)).
كما ترجم له قطب الدين اليونيني في كتابه (ذيل مرآة الزمان) فقال: ((هبة الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن جرير، أبو محمد، نفيس الدين الحارثي الشافعي قاضي الزبداني. كان صدرا، رئيسا، عالما، فاضلا، كثير الكرم، واسع الصدر، دمث الأخلاق، له وجاهة عند الخاص والعام، وحرمة وافرة عند أرباب الدول، وكان يختار الزبداني لكونها وطنه، وله بها ملك يعود نفعه إليه. ولما توفى القاضي صدر الدين عبد الرحيم قاضي بعلبك رحمه الله عُرضت عليه بعلبك ويترك الزبداني فأبى وامتنع. وبالجملة فكان من حسنات الزمان مع وفور الديانة والتقوى، وتوفى ليلة الخميس تاسع صفر بدمشق فجأة، ودفن يوم الخميس بسفح قاسيون، وقد نيف على سبعين سنة رحمه الله تعالى. حكي عنه ما معناه أنه احتاج إلى ثمان مائة درهم في أوائل فصل الشتاء، وكان له بالزبداني بستان، عادته أن يبيع ثمره في السنة بمبلغ ألف درهم أو ما يقاربها، فطلب بعض أهل الزبداني، وقال له: قد احتجت إلى ثمان مائة درهم تعطيني إياها، وهذا البستان ثمرته في هذه السنة لك، فأعطاه المبلغ؛ واتفق أن بساتين الزبداني ضعفت في تلك السنة سوى أماكن يسيرة من جملتها ذلك البستان، فلما أدرك مغله، حرص من دفع ثمرته ثلاثة آلاف درهم، فقال القاضي: ثمرته لفلان، وأما الشخص فإنه يئس منه لعلمه بفساد البيع، وأن ما قاله القاضي له لا يلزمه الوفاء به، وقنع بعود الدراهم إليه فحضر إلى القاضي وخاطبه في ذلك، فقال: البستان ثمرته لك كما وعدتك، بل لو صقع أعدت إليه دراهمك فحرض به كل الحرض على أن يعطيه الدراهم ويتصرف في البستان، فأبى ذلك، فأباع ذلك البستان بما ينيف عن ثلاثة آلاف درهم وأخذها. فانظر إلى هذه النفس الشريفة واحتقارها للدنيا فرحمه الله ورضي عنه. ولقد أذكر في ذلك شيئاً وقع وهو أن بعض من ولى القضاء ببعلبك طلب خبازاً في فرن المدرسة النورية بها، وقال له: قد أستحق لي جراية شهر تشتريها وتقبضها من القلعة وفاصلها عليها بمبلغ ثلاثين درهماً، وقبضها منه، وطلع الخباز إلى القلعة وتسلمها، فوجدها رديئة لا توافقها فباعها في العرضة بثلاثة وثلاثين درهما، وبلغ القاضي فطلبه وقال له: البيع لم يصح، فإني ما رأيت القمح؛ وأخذ منه الثلاثة الدراهم، فانظر إلى ما بين الرجلين رحمهما الله تعالى وإيانا وجميع المسلمين)).
ومن أعلام القرن السابع الهجري وكان حيا قبل سنة (695هـ) الموافق (1296م) العالم والأديب واللغوي حسين الزبداني الشيرازي، وكان ضريرا، ومن آثاره شرح مقامات الحريري. ذكر ذلك عمر رضا كحالة في كتابه معجم المؤلفين. كما ذكر إسماعيل باشا البغدادي صاحب كتاب إيضاح المكنون فقال: ((وشرحها (يعني مقامات الحريري) مظهر الدين حسين بن ... الزبداني الضرير الشيرازي المتوفى سنة ...، وأوله: الحمد لله الذي تلألأت شواهد قدرته على وجنات الموجودات ... الخ، في مجلد كبير ملكت منها نسخة تاريخ كتابتها سنة 596هـ)).
وفي وفيات سنة (696هـ) الموافق (1297م) ذكر الصفدي في كتابه (أعيان العصر وأعوان النصر) بهادر بن عبد الله المنصوري أحد أمراء المماليك بدمشق وأنه كان يسكن قرية الديماس من أعمال الزبداني فقال: ((بهادر بن عبد الله المنصوري، المعروف بالعجمي، كان من جملة أمراء دمشق، وسكنه بالديماس، وكان في سنة خمس وتسعين وستمائة قد حج بالناس، وحمدت في المسير سيرته، وشكرت في الطريق طريقته. وكان شابا حسن الطلعة، جميل الذهاب والرجعة، له دين متين، ومحبة لأهل العلم العاملين. ولم يزل إلى أن ذوى غصنه الرطب، وفرغ عمره ما عنده في الوطب. وتوفي رحمه الله تعالى في شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين وست مئة، ودفن بجبل قاسيون)).
وفي وفيات سنة (698هـ) الموافق (1299م) ذكر ابن العماد الحنبلي في كتابه (شذرات الذهب) وفاة محي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد بن العدل الزبداني وقال إنه كان يدرس في مدرسة جده العدل في الزبداني. قال ابن العماد: ((وفيها ابن العدل محي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد الزبداني المقدسي، مدرس مدرسة جده بالزبداني، حدث عن ابن الزبيدي وابن اللتي وتوفي في المحرم)). وقد ذكر الإمام الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) أن محي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد بن العدل الزبداني ولد سنة (622هـ).
وفي وفيات سنة (699هـ) الموافق (1300م) ذكر الصفدي في كتابه (أعيان العصر وأعوان النصر) الشيخ الفاضل والعالم الشهيد أبو محمد عبد الرحمن الدير قانوني، أصله من دير قانون من قرى وادي بردى وقتله التتار في صالحية دمشق عن عمر يناهز السبعين عاما، فقال: ((عبد الرحمن بن عمر بن صومع الدير قانوني: الشيخ الصالح أبو محمد سبط الشيخ زين الدين بن عبد الدائم. سمع من ابن اللتي، والهمداني، والحافظ ضياء الدين المقدسي وغيرهم. قال شيخنا علم الدين البرزالي: سمعت عليه مسند أبي بكر رضي الله عنه من أول مسند ابن حميد وغير ذلك. ضرب التتار رقبته بالصالحية، ولم يتفق دفنه في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وست مئة. وكان صائماً عدة أيام. ومولده سنة تسع وعشرين وست مئة)). كما ترجم له الإمام الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) فقال: ((عبد الرحمن بن عمر بن صومع، أبو محمد الدير قانوني، ثم الصالحي، سبط الزين ابن عبد الدائم. رجل صالح، خير، شهيد. روى عن: ابن اللتي، وجعفر الهمداني، والضياء المقدسي. وسمع منه الجماعة. ووجدنا له بعد موته حضورا في البخاري. ضربت عنقه بالصالحية ولم يتفق دفنه لشدة البلاء. وكان صائما من أيام. وكان قد جاوز السبعين)).
((قال: رأيت عند خطيب القاهرة فخر الدين القاضي السكري قشر حية أهدي لوالده من الهند، عرضه ثلاثة أشبار. قال: ورأيت بقرية من أعمال الزبداني سنة ثلاث وخمسين وستمائة شجرة جوز دورها اثني عشر ذراعا، وحملها مائة ألف وعشرون ألف جوزة. قال: ورأيت بقرب ميافارقين شجرة بلوط، قست دورها اثنين وعشرين شبرا. ونزلت عند الملك المظفر غازي ابن العادل، فأحضروا بين يدي جديين توأم، وجه أحدهما قريب من وجه الآدمي، وله خرطوم كالخنزير، وتحت الخرطوم عينان، وفي جبهته عينان أيضا، وله فم كفم الآدمي، ولسان عريض. ورأيت أيضا جديا بفرد عين في وسط جبهته، وله إلية مثل الضأن)).
وفي وفيات سنة (654هـ) الموافق (1258م) ذكر الإمام الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) بدر الدين المراغي وأنه كان قد تولى قضاء وادي بردى فقال: ((بدر الدّين المراغي: شيخ خانقاه الطاحون بدمشق. وقع به السُّلم من أعلى الخانقاه إلى الوادي فهلك في ذي الحجة. وقال أبو شامة: كان فقيها صالحا، تولى العقود مدّة، ثم قضاء وادي بَرَدَى، ثم لزم الخانقاه رحمه الله)).
وفي وفيات سنة (656هـ) الموافق (1260م) ذكر ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية) وفاة فتح الدين حفيد العدل الزبداني وقال عنه: ((فتح الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن حيدرة، محتسب دمشق، وكان مشكورا حسن الطريقة، وجده العدل نجيب الدين أبو محمد عبد الله بن حيدرة واقف المدرسة التي بالزبداني في سنة تسعين وخمسمائة تقبل الله منه وجزاه خيرا)). وقد ترجم له أيضا الصفدي في كتابه (الوافي في الوفيات) فقال: ((ابن عبد الصمد: فتح الدين السلمي المحتسب محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن عبد الله بن حيدرة، فتح الدين أبو عبد الله السلمي المعروف بابن العدل، كان من الصدور الكبار ولي حسبة دمشق مدة زمنية إلى أن توفي سنة ست وخمسين وستمائة، كان مشكور السيرة محمود الطريقة موصوفاً بالعفاف والنزاهة كثير المهابة. وجده العدل نجيب الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الله هو باني مدرسة الزبداني وواقفها في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة كان له مكانة مكينة عند السلطان صلاح الدين الكبير وعند أولاده لمعرفة قديمة كانت بينهما، وكان عنده بمنزلة الصاحب والأخ حتى أنه كان يدخل على حريمه ويحدثهن من وراء حجاب، استفاد منه أموالا جمة، وكان كثير البر والصدقة وله الأملاك الكثيرة بتلك الأرض ومن نسله جماعة أعيان منهم فتح الدين المذكور وتوفي بمنزله بجبل قاسيون ودفن بسفحه وقد نيّف على السبعين)). كما ترجم له الإمام شمس الدين الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام فقال: ((محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن حيدرة. فتح الدين السلمي، الزبداني، المعروف بابن العدل. ولي حسبة دمشق مدة، إلى أن تُوفي. وكان مهيبا، جليلا، مشكورا، فيه عفة. تُوُفّي في أول جمادي الآخرة. وقد روى لنا ولده يحيى عن ابن الزبيدي العدل، وهو لقب جده نجيب الدين عبد الله الذي عمل المدرسة بالزبداني. كان ذا مكانة عند السلطان صلاح الدين)). وذكر وفاة فتح الدين حفيد العدل محتسب دمشق وتولي أخيه ناصر الدين الحسبة بعده أبو شامة المقدسي في كتابه (الذيل على الروضتين) فقال في وفيات سنة ستة وخمسين وستمائة: ((وفي مستهل جمادى الآخرة توفي محتسب دمشق فتح الدين بن العدل بمنزله بالجبل، وكان خيّرا متواضعا وقورا رحمه الله، وتولى مكانه الحسبة أخوه ناصر الدين)).
وفي عهد الظاهر بيبرس ركن الدين البندقداري (658ـ 676هـ) (1260ـ 1277م) اشتهرت دمشق وضواحيها ومن بينها الزبداني وكفر عامر بصناعة السيوف الدمشقية البولادية والتي ليس لها مثيل في العالم من حيث المتانة والليونة والحِدّة، وكان الظاهر بيبرس يقدمها هدايا لأقرانه من السلاطين كما حصل حينما أهدى منها إلى بركة خان سلطان المغول والتتار، فقد ذكر فيتال كونيه أنه ((يوجد في ضواحي دمشق عدة مناجم حديد استغلت لصناعة السيوف والنصال الدمشقية، ويوجد كذلك مناجم في حاصبيا ومجدل شمس والزبداني وكفر عامر وعجلون وجبل عقرا قرب جبل نهر الكلب وفي ميروبا وبيت شباب في لبنان وكانت هناك توجد ورشات صهر بسيطة))، وذكر ابن بطوطة ((أن الحديد كان يصدر بكميات كبيرة من مرفأ بيروت إلى الأسواق المصرية في القرن الثالث عشر ميلادي)). (تاريخ صناعة الفولاذ والسيوف الدمشقية).
وفي وفيات سنة (663هـ) الموافق (1265م) ترجم الإمام الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) للقاضي بدر الدين السنجاري وأنه كان قاضيا في البقاع وبعلبك والزبداني فقال: ((يوسف بن الحسن بن علي. قاضي القضاة، بدر الدين، أبو المحاسن السنجاري، الشافعي، الزرزاري. كان صدرا محتشما، وجوادا ممدحا. تقدم بسنجار وتلك البلاد في شبوبيته عند الملك الأشرف. فلما تملك دمشق ولاه قضاء البقاع وبعلبك والزبداني. وكان له نواب في بعضها. وكتبوا له في إسجالاته: قاضي القضاة. قال قطب الدين: كان يسلك من الخيل والمماليك والتجمل ما لا يسلكه الوزراء الكبار. ثم عاد إلى سنجار، فلما مات الملك الكامل وخرجت الخوارزمية عن طاعة ولده الصالح، راح الصالح إلى سنجار، فطمع فيه صاحب الموصل، ونازله بسنجار، ولم يبق إلا أن يسلمها. وبدر الدين قاضٍ بها، فأرسله الصالح تلك الليالي من السور، فنزل وذهب إلى الخوارزمية، وخاطر بنفسه وركب الأهوال، واجتمع بهم واستمالهم ومناهم، وساروا معه، ووافاهم الملك المغيث ولد الصالح من حران، وأقبلوا إلى سنجار، فترحل صاحب الموصل عنها هاربا، واحتوت الخوارزمية على أثقاله وعظمت منزلة القاضي بدر الدين عند الصالح، فلما تملك البلاد وفد إليه بدر الدين ففرح به وأكرمه. وكان شرف الدين ابن عين الدولة قاضي الإقليم بكماله، فأفرد عنه مصر والوجه القبلي، وفوضه إلى بدر الدين. فلما مات ابن عين الدولة ولاه الصالح قضاء القضاة بالقاهرة والوجه البحري، وكان عنده في أعلى المراتب. وكان الشيخ الأمير فخر الدين ابن الشيخ يكره القاضي بدر الدين، فكتب فيه مرة إلى الصالح يغض منه وينسبه إلى أخذ الرشا من العدول وقضاة البر. فلما وقف على كتابه كتب إليه بخطه على رأس كتابه: يا أخي فخر الدين للقاضي بدر الدين علي حقوق عظيمة لا أقوم بشكرها، والذي تولاه قليل في حقه. فلما وقف على ذلك لم يعاوده. وتولى بدر الدين أيضا تدريس الصالحية، وباشر وزارة مصر مدة. ولم يزل يتنقل في المناصب إلى أوائل دولة الظاهر، فصرفه عن ذلك ولزم بيته، وبقي الرؤساء يترددون إليه. وحرمته وافرة، ومحله كبير. وكان كثير الصفح عن الزلات، راعيا للحقوق، مقصدا لمن يرد عليه، سخيا كريما. حج على البحر وصام بمكة. وقال أبو شامة: وفي رجب توفي قاضي سنجار بدر الدين الكردي الذي تولي قضاء مصر مرارا، وكانت له سيرة معروفة من أخذ الرشا من قضاة الأطراف والشهود والمتحاكمين. وحصل له ولأتباعه تشتت في البلاد ومصادرات. وقال غيره: ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بجبال إربل، وسمع وحدث، ومات في رابع عشر رجب. ومن نوابه في قضاء القاهرة القاضي شمس الدين ابن خلكان الإربلي. وقال أبو الحسين علي بن عبد الرحيم الحموي: ولما كنت مع جدي الصاحب شيخ الشيوخ حضر إليه القاضي بدر الدين السنجاري وسأل من جدي أن يشرف منزله، فأتيناه وهو عند باب البحر بمصر، فرأينا منزله وفيه من حسن الآثار، وعلو همة القاضي، وشرف نفسه، وكثرة مماليكه، وآلاته وخدامه ما يعجز كثير من الملوك عن مضاهاته. فأقمنا عنده سبعة أيام، وقدم تقادم وخلع على جماعة)).
وفي أحداث سنة (669هـ) الموافق (1270م) ذكر النويري في كتابه (نهاية الأرب في فنون الأدب) السيل الضخم الذي جاء من بعلبك مارا بوادي بردي وقرية الفيجة إلى مدينة دمشق، فقال: ((وفي ثاني عشر شوال سنة تسع وستين وستمائة، وهو يوم عيد عنصرة اليهود، جاء سيل عظيم على دمشق في الساعة الثامنة من النهار، وعلا على سور دمشق قدر رمح، وفي بعض المواضع أحد عشر ذراعا، ودخل من باب الفراديس بعد أن خرّب جسره، وأهرب جسر بابي السلامة وتوما، ووصل إلى المدرسة الفلكية وصار فيها مقدار قامة وبسطة. واستمر ثلاث ساعات من النهار وهبط. وكان مبدأ هذا السيل إنه انعقد على جبال بعلبك غيم متكاثف فسمع لرعده دوى هائل في يوم السبت حادي عشر شوال، وكان بذلك الوادي ثلوج كثيرة، فوقع المطر على الثلوج فحلها، وسال في يوم الأحد من جهة عين الفيجة بعد أن رمى فيها صخورا عظيمة ساقها بين يديه، واقتلع أشجار جوز عادية، وانتهى إلى دمشق وخرب عدة كثيرة من دور العقبية، وخرب حيطان الميدان وقطاير البساتين، وأهلك خلقا كثيرا من الروم والعجم كانوا قد قدموا حجاجا ونزلوا بالميدان وغرقوا عن آخرهم هم وجمالهم ودوابهم، وأغرق من الحيوانات على اختلاف أجناسها مما لا يعد كثرته، وردم الأنهار بطين أصفر، واقتلع الأشجار من أصولها، ودخل السلطان بعد ذلك بأيام إلى دمشق فما وجد بها ماء ولا حماما يدور، وشرب الناس من الصهاريج والآبار ويقال: إنه هلك بهذا السيل عشر آلاف نفس، وأخذ الطواحين بحجارتها. وحكي أن فقيرا يعرف بالخير حضر إلى دار نائب السلطنة بدمشق قبل هذه الحادثة وقال: عرّفوا الأمير أن أريد أعدو إلى بعلبك. فقال له الأمير: رح، أجر. وضحكوا منه فتوجه، وعاد وهو ينذر الناس بالسيل فضحكوا منه ولم يعبأوا بكلامه فما أحسوا إلا والسيل قد هجم)).
وفي سنة (680هـ) الموافق (1281م) توفي القاضي نفيس الدين الزبداني، وقد ترجم له الإمام الذهبي في (تاريخ الإسلام) فقال: ((هبة الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن جرير. القاضي نفيس الدين أبو القاسم الحارثي، الزبداني، قاضي بلده. سمع جزءا حضورا بالزبداني من ابن ملاعب، وكان جليلا، نبيلا، فاضلا، ذا كرم وسؤدد. عُرض عليه قضاء بعلبك، فأبى أن يفارق وطنه وأملاكه. وكان دينا خيرا. وسمع (مسند عبد) من ابن اللتي. سمع منه: المزي، والبرزالي، والطلبة. ومات فجأة بدمشق ودفن بقاسيون في تاسع صفر وله ثلاث وسبعون سنة. لنا منه إجازة. وكان يدري الرمل، ويعالج بعض الأعيان)). وقد ترجم له أيضا محمد بن عبد المنعم الحميري في كتابه (الروض المعطار في خبر الأقطار) باسم محمد بن هبة الله الأنصاري فقال: ((الزبداني: بلدة كثيرة المياه والأشجار بين دمشق وبعلبك، منها: أبو محمد هبة الله الأنصاري الزبداني قاضي الزبداني، كان إذا حلّ ملك كبير أظهر في ضيافته ما يتعجب منه كثرة واتقانا. وهو القائل وقد مرض محبوب له:
قد قلت للدهر على أنني * أنهاه كي رجع عن حكمه
أمرضت من أهوى وعافيتني * فقال موت المرء من فهمه
قد نلتُ من قلبك لما اشتكى * أكثر مما نلتُ من جسمه
وهو القائل وقد خدم أميرا جميل الصورة:
أحمد الله على ما تمَّ لي * أنجح السعي وصحَّ الأملُ
الذي أخدمه أعشقه * فمديحي في علاه غزلُ)).
كما ترجم له قطب الدين اليونيني في كتابه (ذيل مرآة الزمان) فقال: ((هبة الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن جرير، أبو محمد، نفيس الدين الحارثي الشافعي قاضي الزبداني. كان صدرا، رئيسا، عالما، فاضلا، كثير الكرم، واسع الصدر، دمث الأخلاق، له وجاهة عند الخاص والعام، وحرمة وافرة عند أرباب الدول، وكان يختار الزبداني لكونها وطنه، وله بها ملك يعود نفعه إليه. ولما توفى القاضي صدر الدين عبد الرحيم قاضي بعلبك رحمه الله عُرضت عليه بعلبك ويترك الزبداني فأبى وامتنع. وبالجملة فكان من حسنات الزمان مع وفور الديانة والتقوى، وتوفى ليلة الخميس تاسع صفر بدمشق فجأة، ودفن يوم الخميس بسفح قاسيون، وقد نيف على سبعين سنة رحمه الله تعالى. حكي عنه ما معناه أنه احتاج إلى ثمان مائة درهم في أوائل فصل الشتاء، وكان له بالزبداني بستان، عادته أن يبيع ثمره في السنة بمبلغ ألف درهم أو ما يقاربها، فطلب بعض أهل الزبداني، وقال له: قد احتجت إلى ثمان مائة درهم تعطيني إياها، وهذا البستان ثمرته في هذه السنة لك، فأعطاه المبلغ؛ واتفق أن بساتين الزبداني ضعفت في تلك السنة سوى أماكن يسيرة من جملتها ذلك البستان، فلما أدرك مغله، حرص من دفع ثمرته ثلاثة آلاف درهم، فقال القاضي: ثمرته لفلان، وأما الشخص فإنه يئس منه لعلمه بفساد البيع، وأن ما قاله القاضي له لا يلزمه الوفاء به، وقنع بعود الدراهم إليه فحضر إلى القاضي وخاطبه في ذلك، فقال: البستان ثمرته لك كما وعدتك، بل لو صقع أعدت إليه دراهمك فحرض به كل الحرض على أن يعطيه الدراهم ويتصرف في البستان، فأبى ذلك، فأباع ذلك البستان بما ينيف عن ثلاثة آلاف درهم وأخذها. فانظر إلى هذه النفس الشريفة واحتقارها للدنيا فرحمه الله ورضي عنه. ولقد أذكر في ذلك شيئاً وقع وهو أن بعض من ولى القضاء ببعلبك طلب خبازاً في فرن المدرسة النورية بها، وقال له: قد أستحق لي جراية شهر تشتريها وتقبضها من القلعة وفاصلها عليها بمبلغ ثلاثين درهماً، وقبضها منه، وطلع الخباز إلى القلعة وتسلمها، فوجدها رديئة لا توافقها فباعها في العرضة بثلاثة وثلاثين درهما، وبلغ القاضي فطلبه وقال له: البيع لم يصح، فإني ما رأيت القمح؛ وأخذ منه الثلاثة الدراهم، فانظر إلى ما بين الرجلين رحمهما الله تعالى وإيانا وجميع المسلمين)).
ومن أعلام القرن السابع الهجري وكان حيا قبل سنة (695هـ) الموافق (1296م) العالم والأديب واللغوي حسين الزبداني الشيرازي، وكان ضريرا، ومن آثاره شرح مقامات الحريري. ذكر ذلك عمر رضا كحالة في كتابه معجم المؤلفين. كما ذكر إسماعيل باشا البغدادي صاحب كتاب إيضاح المكنون فقال: ((وشرحها (يعني مقامات الحريري) مظهر الدين حسين بن ... الزبداني الضرير الشيرازي المتوفى سنة ...، وأوله: الحمد لله الذي تلألأت شواهد قدرته على وجنات الموجودات ... الخ، في مجلد كبير ملكت منها نسخة تاريخ كتابتها سنة 596هـ)).
وفي وفيات سنة (696هـ) الموافق (1297م) ذكر الصفدي في كتابه (أعيان العصر وأعوان النصر) بهادر بن عبد الله المنصوري أحد أمراء المماليك بدمشق وأنه كان يسكن قرية الديماس من أعمال الزبداني فقال: ((بهادر بن عبد الله المنصوري، المعروف بالعجمي، كان من جملة أمراء دمشق، وسكنه بالديماس، وكان في سنة خمس وتسعين وستمائة قد حج بالناس، وحمدت في المسير سيرته، وشكرت في الطريق طريقته. وكان شابا حسن الطلعة، جميل الذهاب والرجعة، له دين متين، ومحبة لأهل العلم العاملين. ولم يزل إلى أن ذوى غصنه الرطب، وفرغ عمره ما عنده في الوطب. وتوفي رحمه الله تعالى في شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين وست مئة، ودفن بجبل قاسيون)).
وفي وفيات سنة (698هـ) الموافق (1299م) ذكر ابن العماد الحنبلي في كتابه (شذرات الذهب) وفاة محي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد بن العدل الزبداني وقال إنه كان يدرس في مدرسة جده العدل في الزبداني. قال ابن العماد: ((وفيها ابن العدل محي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد الزبداني المقدسي، مدرس مدرسة جده بالزبداني، حدث عن ابن الزبيدي وابن اللتي وتوفي في المحرم)). وقد ذكر الإمام الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) أن محي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد بن العدل الزبداني ولد سنة (622هـ).
وفي وفيات سنة (699هـ) الموافق (1300م) ذكر الصفدي في كتابه (أعيان العصر وأعوان النصر) الشيخ الفاضل والعالم الشهيد أبو محمد عبد الرحمن الدير قانوني، أصله من دير قانون من قرى وادي بردى وقتله التتار في صالحية دمشق عن عمر يناهز السبعين عاما، فقال: ((عبد الرحمن بن عمر بن صومع الدير قانوني: الشيخ الصالح أبو محمد سبط الشيخ زين الدين بن عبد الدائم. سمع من ابن اللتي، والهمداني، والحافظ ضياء الدين المقدسي وغيرهم. قال شيخنا علم الدين البرزالي: سمعت عليه مسند أبي بكر رضي الله عنه من أول مسند ابن حميد وغير ذلك. ضرب التتار رقبته بالصالحية، ولم يتفق دفنه في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وست مئة. وكان صائماً عدة أيام. ومولده سنة تسع وعشرين وست مئة)). كما ترجم له الإمام الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) فقال: ((عبد الرحمن بن عمر بن صومع، أبو محمد الدير قانوني، ثم الصالحي، سبط الزين ابن عبد الدائم. رجل صالح، خير، شهيد. روى عن: ابن اللتي، وجعفر الهمداني، والضياء المقدسي. وسمع منه الجماعة. ووجدنا له بعد موته حضورا في البخاري. ضربت عنقه بالصالحية ولم يتفق دفنه لشدة البلاء. وكان صائما من أيام. وكان قد جاوز السبعين)).
تعليقات
إرسال تعليق