مراسم الدفن
بعد التأكد من وفاة شخص ما في البلدة ( إن كان ذكراً أو أنثى ) يكلف المؤذن بإعلان ذلك في مآذن جوامع البلدة وفق أذان محدد يتم فيه ذكر اسم الشخص كالتالي :
(( انتقل إلى رحمة الله تعالى أخوكم المؤمن (فلان ابن فلان ) وسيصلى عليه في جامع (يحدد اسم الجامع ) وفي الساعة (......)
ويقوم أهالي المتوفى إلى حين موعد الصلاة عليه بتغسيل الميت من قبل شخص محدد يكلف بذلك ثم يتم إلباسه كفنه وتوديعه من قبل أفراد عائلته والمقربين ثم يحمل المتوفى محمولاً على نعش خشبي إلى الجامع حيث تتم عليه الصلاة المعروفة وفق الشرع والسنة ثم يحمل إلى أحد مقابر البلدة الإسلامية ( مقبرة الحارة الغربية - مقبرة آل عبد الحق في مدخل البلدة – مقبرة النبي عبدان الواقعة في الحي الشمالي )
الجنازة وموكب التشييع
يتألف موكب التشييع من أهالي الفقيد وأقاربه وأصدقائه والكثير من أهالي البلدة – وتختلف المواكب بالحجم بسبب عمر المتوفى ومكانته وجنسه ويتوسط الجنازة الراجلة مؤذن الجامع الذي يؤذن بأعلى صوته ببعض العبارات الدينية التي تذكر بالموت والموعظة وتذكر بالله ورسوله ويقوم البعض ممن يسير في هذا الموكب المهيب بتبادل حمل المتوفى الموضوعة في نعش من خشب ويكون موقع النعش في النصف الأخير من الجنازة ويوضع على مقدمة النعش (حطة وعقال ) إذا كان المتوفى ذكر و( ملاءة ) إذا كانت المتوفية أنثى
ويستمر سير الجنازة حتى تصل إلى المقبرة حيث يقوم شخص ممدد ومعروف بمساعدة بعض أهل الميت ويتم حمل الجثة وإنزالها إلى القبر ويتم وضعها بطريقة متعارف عليها حسب مقتضيات السنة الشريفة
ويتم بعد ذلك إغلاق فتحة القبر وردمها بالتراب وأثناء ذلك يقوم الشيخ بقراءة بعض التراتيل الخاصة بهذه المناسبة ويسمى ذلك با(التلقين ) ثم يقوم أهل الميت بالوقوف أمام باب المقبرة بصف مستقيم لتقبل التعازي بالفقيد حيث يمر جميع من شارك في الجنازة من أمامهم متصافحين فيما بينهم مرددين بعض العبارات ( العواض بسلامتكم – العمر إلكن ولأولادكن – عظم الله أجركم - البقية بحياتكم )
ويرد الأهل بعبارات مقابلة : ( يسلم دينك وإيمانك – شكر الله سعيكم )
التقاليد بعد الجنازة
بعد نزول من شارك في الجنازة عن المقبرة تخرج النساء من أهالي وأقارب الفقيد إلى جانب القبر للبكاء وقراءة القرآن ويكون أحد الأهل أو المعارف أثناء ذلك قد هيأ نفسه لاستقبال أهالي الفقيد في داره ويقوم باصطحابهم إلى منزله لتناول الطعام ( حسب الوقت فطور أو غذاء أو عشاء ) ويسمى ذلك بالتنزيلة وبعد تناول الطعام يقوم الجميع بالذهاب إلى دار الفقيد لتقبل التعازي حيث يحضر المعارف وأغلب أهالي البلدة غالباً بشكل جماعة ( كل عائلة لوحدها ) فيقرؤون الفاتحة عن روح المرحوم وتتم ضيافتهم بالقهوة المرة وفي أحيان كثيرة تتم قراءة بعض السور أو الآيات من المصحف الشريف أو يتحدث الشيخ بحديث فيه العظة من الموت والتعريف ببعض أصول الدين ويستمر ذلك لحين الانتهاء من صلاة العشاء حيث يحضر بعض المشايخ ويقرؤون بعض الأدعية الخاصة ثم يتلون آية الكرسي بشكل جماعي مع كل الحضور ويسمى ذلك بالتهليلة ثم يقوم الشيخ بالدعاء للمتوفي وأهله وجميع المؤمنين وبعد الانتهاء من ذلك يقوم أهل الميت بتقديم الضيافة عن روح المرحوم وفي السابق كانت عصير الليمون تقدم في كؤوس نحاسية خاصة بهذه المناسبة ، أما في هذه الأيام فيقدم الشاي بدل الليمون لتوفره في جميع الفصول وتليها القهوة المرة ويبدأ الجميع بالخروج تدريجياً من المأتم وفي صباح اليوم التالي يقوم أهل الميت بالذهاب إلى المقبرة وقراءة القرآن وبعض الأدعية على القبر ثم يعودون إلى منزل أحد الأشخاص المقربين بناء على دعوة مسبقة للفطور ثم يعودون إلى بيت المتوفى حيث يتقبلون التعازي وهكذا يكررون ما صار في اليوم الفائت . أما في وقت الغداء فيقوم أهل الميت بتقديم وجبة غداء للحضور والمشايخ تسمى بالختم وبعدها يتم قراءة بعض الأدعية ومن الجدير ذكره أنه في السابق كان أهل الميت لا يقدمون الطعام أو الشراب في المأتم لأن أصدقاء ومعارف المتوفي كانوا يحضرون الطعام على صدور من النحاس إلى دار المتوفي وتقديمها للحضور وكان ذلك يسمى بالسفرة ويستمر الغداء لمدة ثلاثة أيام ويكون هناك مقراً لغداء النساء ومقراً لغداء الرجال منفصلين ويتم الغداء في دار الرجال بتبادل بعض العبارات والأمثال الشعبية المتداخلة مع التعاليم الدينية والأخلاقية وبعض الأدعية عن روح الميت ويتم ذكر محاسن المتوفي مثل :
عظم الله أجركم
الحي أبقى من الميت
مين خلف ما مات
الموت كاس على كل الناس
وغيرها من هذه العبارات حسب حالة الحزن والتأثر السائدة .
العزاء عند النساء
أما العزاء عند النساء فله شكل خاص، ففي القديم كانت النسوة من أقرباء الفقيد تدهن وجهها بالشحار الأسود وتقوم بترديد بعض العبارات الموزونة التي تسمى بالتناويح التي تذكر بعض محاسن المتوفى وهي تعني لغوياً ( الغناء المرافق للبكاء ) ـ تم الاستعانة بهذا التعريف من مؤلفات الباحث التراثي محمد خالد رمضان ـ ويرافق هذا الغناء الباكي بعض الحركات بالأيدي ولطم الخدود.
ونذكر من هذه التناويح وهي كثيرة :
رحت لأغسل تيابي بتموز قامت ضبضبت وأرعدت ونزلت كل نقطة كوز
أهل الكرم والجود إلهن كرامات
يا ريتهن خلدوا بالأرض ما ماتو
ماتوا الأجاويد ما ماتت مكارمهم
عليو على الناس أحياء وأموات
يا ريتهن خلدوا بالأرض ما ماتو
ماتوا الأجاويد ما ماتت مكارمهم
عليو على الناس أحياء وأموات
يمي ويمي وما أحلى قولتك يمي
ويا بحر بيروت وما يروي ظمأ تمي
عود يا زماني عود
لغلق علي وعليكن باب من عود
نفرش حصيرتنا ونضوي ضون
ويضوي علينا ضو القمر ونعود
ويا بحر بيروت وما يروي ظمأ تمي
عود يا زماني عود
لغلق علي وعليكن باب من عود
نفرش حصيرتنا ونضوي ضون
ويضوي علينا ضو القمر ونعود
يا عريس أوم مشي
من الحمام للفرشة
قوم امشي على قماشك
حرير الشام قمبازك
بكرا مرتك تعتازك
يا أسفاه تموت اليوم
بكرا أختك تعتازك
آه يا نهار فيه الشوم
من الحمام للفرشة
قوم امشي على قماشك
حرير الشام قمبازك
بكرا مرتك تعتازك
يا أسفاه تموت اليوم
بكرا أختك تعتازك
آه يا نهار فيه الشوم
وفي تردد هذه الأغاني بلهجة حزينة قبلية في أغلب الأحيان ويرافقها بكاء الحاضرات في المأتم وعويلهم.
والجدير ذكره أن هذه التناويح وهذا الشكل من أشكال الحزن قد نهت عنها السنة الشريفة في كثير من الأحاديث النبوية.
الحزن على الميت
كان يقوم أهل الميت بإعلان حزنهم وارتداء الملابس السوداء وعدم المشاركة بالأفراح والأعياد والمواسم وسماع المذياع والاستحمام بالنسبة للنساء وترك حلاقة الذقن وارتداء الحطة السوداء بالنسبة للرجال وتطول أو تقصر مدة الحزن حسب عمر المتوفي ومكانته وجنسه حتى أنها يمكن أن تصل إلى السنة.
أما في هذه الأيام فقد حذف الكثير من هذه العادات واستبدلت التناويح بالأحاديث النبوية الشريفة وقراءة ما تيسر من الآيات القرآنية والمواعظ والتعليمات الدينية وقد كان البعض يكلفون شيخاً أو قارئاً يبقى بجانب القبر يقرأ بعض الآيات القرآنية وبعض الأدعية لمدة أربعون يوماً على الوفاة وكان هذا الشخص ( مؤنس ) وقد اختصرت مدة الحزن حتى ثلاثة أيام فقط يستمر فيها قراءة التهليلة وكل يوم خميس حتى يمضي أربعون يوماً على الوفاة حيث يقوم الأهل بتقديم وجبة غذاء للأهل والأقارب والأصدقاء ومشايخ البلدة في يوم الأربعين ويكون ذلك خاتمة الحزن ويبدأ الأهل بتناسي فقيدهم لانشغالهم بمشاغل الحياة المختلفة وقد قيل في ذلك المثل المعروف :
بعد الأربعين عد سنين
باحث زبداني
تعليقات
إرسال تعليق