التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السياحة في الزبداني عبر التاريخ إلى وقتنا الحاضر

دليل السياحة في الزبداني
السياحة هي قيام فرد أو مجموعة من الأفراد بزيارة مواقع و بلدان أخرى بغية التعرف عليها و الاستمتاع بوقتهم بأشكال مختلفة من التسلية التي تؤمنها هذه البلدان و المواقع , و للموقع السياحي صفات متنوعة و مختلفة فمنها ما يتعلق بالأبنية و الآثار التاريخية التي تشد الناظر إليها و
تحرض عقله على المعرفة و المشاهدة و منها ما هو صناعي (أي الإنسان قام بتصنيعه و ترتيبه بغية هذا الهدف) كبناء المقاهي و الفنادق و المؤسسات السياحية المختلفة و وسائل التسلية فيها و منها ما هو طبيعي فمجال الطبيعة و الطقس و الفصول و حركتها الدائمة في موقع أو بلدة أو مدينة يجعلها قبلة للزوار و السائحين للتمتع بروعة مناظرها و طيب هوائها و عذوبة مائها و طيب أهلها و غير ذلك من الأسباب.
و قد تمتعت بلدتنا الجميلة عبر تاريخها الموغل في القدم بالشيء الكثير من الصفات المذكورة آنفاً و لا يختلف اثنان على سحر الطبيعة و نقاء الهواء و رقته و عذوبته , و السياحة و الاصطياف عادة قديمة استقرت في نفوس البشر بدافع غريزة التشوق لرؤية الأجمل و الأحلى و الأغرب و الأكثر إثارة مما هم عليه و قد قال المثل الشعبي المعروف في البلدة : (إذا الله حب عبدو أرجاه ملكه)
فالرومان و الفرس كانوا يتخذون لأنفسهم قصوراً خاصة في أماكن مرتفعة يبدعون في تزيينها إلى حد الإعجاب و الروعة , كما كانوا يقومون برحلات سياحية لهذا الغرض و يحدثنا التاريخ عن رحلات و سياحات كثيرة قامت في كل العصور فأقدم النصوص التي وجدت في بلاد الرافدين تتحدث عن الرحلة التي قام بها (جلفاقس) ابن الإله شماس في عصر ما قبل التاريخ و قد انجذبت إليه ربة الحب (عشتار) فأحبته ثم كرهته و أرسلت إليه البطل (انكيدو) يخلصها منه فتصادف البطلان و سارا إلى الغرب و بلغا جمال الأمانوس أو لبنان و حلا في غابة جميلة أعجبا بأشجارها الباسقة و مكثا هناك فترة ثم عادا إلى بلادهما.
و الإصطياف في الزبداني عرف منذ القديم لما تمتع به تاريخياً من مواصفات خاصة مما دفع الكثيرين لزيارتها و التمتع بهذه الخصائص و قضاء بعض الوقت في ثناياها و قد قيل أن الزبداني كانت في القرن السادس الهجري بلدة نزهة مقصودة يتغزل الشعراء بمناظرها و محاسنها.
و أتى الكتاب و الرحالة على وصفها و تعداد محاسنها :
قال الملك المؤيد أبو الفداء المتوفي سنة (732 هـ) في كتابه تقويم البلدان : الزبداني مدينة ليس لها أسوار و هي على طرف وادي بردى و البساتين متصلة هناك إلى دمشق و هي بلد كثير المفازة و الخصب و منه إلى دمشق ثمانية عشر ميلا.
و كان الاصطياف في هذه البلدة متوقفاً على فئة معينة من الشعب و هي الطبقة الموثرة و الحكام و ذلك لصعوبة المواصلات و التكاليف المادية الباهظة للسياحة كما أن عدم الاستقرار في هذه البلدة و كثرة الحوادث التي كانت تجري هنا حالت دون ازدهار هذه الظاهرة و استمرارها.
و من المعروف أن الزبداني كانت ممراً للمسافرين بين بعلبك و دمشق و منهم الرحالة ابن بطوطة (702 – 780 هـ) و قد ذكرها في رحلته و وصفها بكثرة الفواكه كما زارها الشاعر الفرنسي الشهير لامارتين في نيسان (1249 هـ) و قد وصف كيفية وصوله إليها مساءً و دورانه في أزقتها مفتشاً على فندق يأوي إليه هو و حاشيته إلى أن أرشدوه إلى بيت الشيخ فقصده و ضافه و هو الشيخ محمود ابن محمد التل.
و قد تبين لنا صدق هذه الكلام و ثبوته من الوثيقة المكتوبة بخط اليد التي نرفق صورة عنها في هذا السياق و قد كتبها أحد سكان بلدة بلودان و هذا هو النص الحرفي لهذه الوثيقة :
(( حضر في صباح هذا اليوم الخامس من محرم سنة 1249 هـ إلى بلودان الشاعر الفرنسي لامارتين و معه فرنساوية و كان في استقباله وجهاء القرية من بيت صدقة و حمود و بيت الخطيب و بيت يونس و بيت الطرابلسي و كان بصحبته من الزبداني الخوري عبد الله و ميخائيل مشاقة و زار كنيسة دير مارجرجس و صعدوا إلى الجبل على البغال لزيارة دير يونان القديم فأعجبته المناظر الخلابة و كتب لهم شعراً بالفرنساوية احتفظ به الخوري عبد الله و ميخائيل مشاقة و قالوا نحن أتينا من الزبداني و هو ضيف عند شيخها محمود ابن محمد التل و قد عاد إلى الزبداني مع مرافقيه قبل أذان المغرب و لم نفهم الحديث الذي دار بينهم و بين الخوري و ابن مشاقة لأنهم كانوا يتكلمون بالفرنساوية و لا يفهموننا أي شيء من الحديث))
انتهى النص. و هذه صورة عن هذه الوثيقة كما وردت و قد كتبها آنذاك سعيد بن محمد بن صدقة البلوداني.
image
وقد زار الفراندوق ( سرحيوس ) أخو اسكندر الثالث قيصر روسيا ( 1881- 1894 ) وقد نزل هذا الأمير هو وحاشيته في مخيم نصبة في مخيم خان الفندق وهرع للترحيب به أهالي الزبداني ومنهم المسيحيون فأهداهم بدلة كهنوتية لكنيستهم
ولا بد لنا هنا من ذكر الزيارات السياحية التي قام بعض الملوك والحكام أمثال : ولي عهد إيطاليا فيكتور عمانوئيل في سنة 1885- وإمبراطور ألمانيا غليوم وزوجته 1897 وغيرهما من جميع دول أوربا وممالكها
حيث كان هؤلاء يفرون دائماً وتباعاً إلى بلادنا رجالاً ونساءً رغم مشاق السفر و الركوب والنزول في تلك الأوقات ومرد أحد أسباب انحطاط وتدني السياحة في الزبداني الزلزلة العظيمة التي حثت عام 1173هـ 1759م وقد تهدمت يومها الزبداني وقرى وادي بردى وغيرها ثم طاعون شديد عمّ هذه الأنحاء وكاد يقفرها من السكان وفيما يلي نص الوثيقة لنفس الكاتب مكتوبة بخط اليد عن زيارة إمبراطور ألمانيا غليوم مع زوجته  
image

وبعد ظهور وسائل النقل البرية الآلية  السريعة وانتشارها أخذ الناس يعتمدونها في تنقلاتهم ورحلاتهم وكان لإنشاء الخط الحديدي الحجازي بين دمشق ورياق عام 1895 الذي يمر بالزبداني أكبر الأثر في إعادة مكانة هذه البلدة وشهرتها و رفع مستواها السياحي وفي التقليل من عناء السفر وكلفته حتى أصب في مقدور جميع فئات الشعب الإقدام على التنقل والتمتع بمال ومفاتن الطبيعة في هذ البلدة
و أسس الأمريكيون بعد افتتاح هذا الخط إرسالية في بلودان كان من بينها طبيب يدعى (مكنو) يطبب مجاناً ولأجل هذه الغاية صار الناس يأتون إلى الزبداني بالقطار ويركبون الدواب  قاصدين بلودان ، ومنذ ذلك الحين بدأت هذه المنطقة تشتهر شيئاً بميزاتها الطبيعية والسياحية ونالت القرى المحيطة بالزبداني إعجاب كثير من أبناء دمشق وغيرها من لدن فأقبل الموثرون منهم على ارتياد هذه الأماكن في أشهر الصيف كما أنه في عام 1915 شق طريق السيارات من الزبداني إل ميسلون الذي يتصل مع خط دمشق بيروت وبذلك اتصلت الزبداني مع هاتين المديتين عن طريقي السيارات والقطار مما أدى إلى تنشيط حركة الانتقال إلى الزبداني وضواحيها يزداد شيئاً فشيئاً ومن ثم امتد إلى بقين ومضايا
أما الزبداني فقد كان حظها من الاصطياف قليلاً أول الأمر عدم توفر أمكنة مناسبة للسكن وانعدام وجود المواد للتنظيف وقلة الأماكن المرتفعة ذات المناظر الخلابة التي كنت متوفرة ف بلودان
ولم تلفت الزبداني الانتباه إلا بعد أن قام السيد شكري القوتلي ( رئيس جمهورية سابق) بجعلها مركزاً لاصطيافه حيث كان يقضي فيها معظم فصل الصيف ولفت هذا نظر الكثيرين ممن لهم علاقات أو اتصالات مع الرئيس المذكور فساروا على نهجه واشترى بعضهم قطع من الأرض فأخذوا يشيدون عليها الأبنية والفيلات لهذا الغرض وقد أحدث وجود حركة اقتصادية وعمرانية أدت إلى لفت أنظار أبناء هذه البلدة لهذا المورد الجديد وأهميته الاقتصادية فأخذوا يبنون الدور الحديثة في الأماكن المرتفعة من البلدة وخاصة في المنطقة الشرقية من الزبداني وهي قد اتسعت حالياً لتشمل كافة أرجاء البلدة فامتدت الأبنية الحديثة إلى منطقة الكبري والسلطاني والميداني ثم إلى الحي الغربي حيث قامت الجمعيات السكنية بإنشاء الأبنية السياحية الكبيرة كما أشيدت الفيلات ودور لسكن الضخمة التي تحتوي على الوسائل الرئيسية للترفيه وقد وجدت وأنا أكتب هذا الموضوع بحثاً ن إقليم الزبداني قد ورد في دليل الجمهورية العربية السورية الصادر /1939/ ورأيت لأهمية ما ورد فيه من ذكر بعض العبارات والأسطر في وصف وصف هذه البلدة من قبل الكاتب ((  فردوس النعيم في هذه الدنيا والجنة الفتانة الوارفة الظلال والوافرة الغلال الذائعة الصيت ، الإقامة والسحر والمحاسن الفاتنة الطبيعية ومواطن الفن والشعر و الخيال ( مصايف الزبداني ) التي توفرت فيها شرائط الاصطياف وامتازت على سائر المصايف في بلاد المشرق ))انتهى الاقتباس
ولابد لنا من الاشارة ولو بشكل سريع إلى بعض العوامل التي جعلت البلدة مركزاً هاماً من مراكز السياحة والاصطياف وجعلت الزبداني مركزاً من مراكز السياحة على مستوى القطر
جمال الطبيعة : تتميز البلدة بالحجم الكبير للأراضي المزروعة بالأشجار والمزروعات المختلفة التي تجعل اللون الغالب لطبيعتها ( اللون الأخضر ) الذي يريح النفس وينشط المخيلة ويزيل الهموم.رقة هوائها واعتداله في فصل الصيفعذوبة مائها ونقائهاالهدوء والسكينة ونظافة البيئة ونقاء هوائها وبعدها عن مراكز التلوث الحضاريةقربها من مدينة دمشق عاصمة البلاد وسهولة الوصول إليها صيفاً وشتاءً عبر الطرق الإسفلتية الجيدة واتصالها بشبكة مواصلات مع بقية القرى والبلدات التابعة لها .الخدمات المتعددة التي تقدمها أجهزة الدولة المختصة ( البريد والهاتف الكهرباء ومجلس المدينة وغيرها من المؤسسات )الأمن والطمأنينة التي يلاقيها السائح في الزبداني ، كذلك الترحيب والود الذي يستقبل به السائح في البلدة واعتباره ضيفاً على أهلها.
المصدر :
بوابة المجتمع المحلي في الزبداني
وهو الموقع الرسمي والحكومي للزبداني قبل الثورة 

اعرف تاريخك
باحث زبداني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزبداني في العهد العثماني "1"

استولى العثمانيون على بلاد الشام بقيادة السلطان سليم الأول عام (1516م) الموافق (922هـ) بعد معركة مرج دابق شمال حلب، وأتبعت الزبداني وأعمالها إلى والي دمشق.